الخميس، 1 أغسطس 2019

(متساكن جديد في مدينة الكتب): "العُبور الخَطِر" لـ أمِيا كومار باغتشي

صدر عن سلسلة "ترجمان" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب العبور الخطر: الجنس البشري والصعود العالمي لرأس المال، وهو ترجمة عمر سليم التلّ العربية لكتاب أمِيا كومار باغتشي بالإنكليزية Perilous Passage: Mankind and the Global Ascendancy of Capital.
يجمع هذا العمل التأريخي الشامل بين أفكار مؤرخي الحرب وأفكار المنظّرين الماركسيين ومنظّري النظام العالمي، ويصف ظهور الرأسمالية وعملها كنظام تحركه السوق بدلًا من العمل بشكل أصيل على مبدأ الأسواق الحرة، موسّعًا فهمنا لطبيعة الرأسمالية وتاريخها.


قضايا مفاهيميةيتألف هذا الكتاب (683 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من أربعة أقسام. جاء القسم الأول منها بعنوان "قضايا مفاهيمية: التنمية البشرية والنمو الرأسمالي"، واحتوى على ثلاثة فصول.
في هذا القسم، يعارض باغتشي في الفصل الأول منه والمعنون "تاريخ التنمية البشرية بوصفه موضوعًا للتاريخ"، وجهة النظر التي تعتبر أوروبا والسوق الحرة بمنزلة المخطط الوحيد للتقدم المحرَز في إمكانية العيش بمستوى معيشة مرتفع عبر تعزيز النمو الاقتصادي، فثمة إنجاز إنساني أهم من تحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع، وأوروبا لم تكن المصدر الوحيد للقيم أو طرق التنظيم التي ساهمت في تحقيق التنمية الإنسانية.
ويرى في الفصل الثاني بعنوان "بناء مفهوم المعجزة الأوروبية"، أن البناء المفهومي لقصة المعجزة الأوروبية يعتمد على الاستعمال الانتقائي للتاريخ الأوروبي، "وعلى إغفال جزء كبير من تاريخ أكثرية البشرية، وعلى التوصيف المخادع لكيفية تنشيط ما يسمّى الأسواق الحرة للحضارة الأوروبية وتمكينها من غزو العالم. كما أنه يتجاهل دور الغزو بقوة السلاح في تمكين دول أوروبا الغربية وملحقاتها السياسية التابعة لها وراء البحار من أن تصبح القوى الاقتصادية والسياسية المهيمنة في العالم".
ويكشف في الفصل الثالث الموسوم بـ "السعي وراء الربح في ظل الرأسمالية القائمة فعلًا والتنمية البشرية"، عن علاقة صعود الرأسمالية بشنّ الحروب، وكيف ارتبطت النزعة القومية بالفوز في المنافسة على الأسواق والموارد، وبهذا أصبحت الحرب أداة في استراتيجية الأعمال التجارية للدول والرأسماليين؛ إذ من أجل شن الحروب، كان هناك حاجة إلى أيديولوجيا ملازمة بوصفها وسيلةً لتدريب الحكام، لكن أيضًا بوصفها أساسًا منطقيًا من أجل إخضاع العمال والرعايا المستعمَرين لهيمنة القوة المستعمِرة.


التنافس الرأسمالي والتنمية البشرية في أوروباأما القسم الثاني من الكتاب فحمل عنوان "التنافس الرأسمالي والتنمية البشرية في أوروبا"، وشمل خمسة فصول.
يقول باغتشي في الفصل الرابع "التسابق على السيطرة بين البلدان الأوروبية الغربية منذ القرن السادس عشر"، إن الحرب كانت المرافق الدائم لعملية التحضر؛ فالحرب والنفقات العسكرية والضرائب التي تسعى إلى تغطيتهما والدمار الناتج من التحركات العسكرية من الأسباب الرئيسة للركود الديموغرافي في أوروبا القرن السابع عشر. وكان شبح الحرب حاضرًا دائمًا في تدابير الحكومة المالية، وفي تجنيد القوى العاملة للجيش والبحرية، وفي انخفاض مستويات التغذية، وفي خطر الاستسلام للأمراض بوجود فشل موسم الحصاد أو انتشار الأوبئة.
وفي الفصل الخامس "نمو السكان ومعدل الوفيات بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر: نظرة أولى"، يوضح المؤلف أن عدد السكان في أوروبا وفي المستعمرات الاستيطانية الأوروبية في القرن التاسع عشر ازداد أكثر ممّا ازداد في أي منطقة أخرى في العالم. ومع ذلك، ليس ثمة أرضية صلبة تسمح بسحب هذا التباين على القرون التي يُفترض أن الدول الأوروبية أحرزت فيها تقدمًا على القارات الأخرى.
ويبحث باغتشي في الفصل السادس المعنون "هولندا: صعود قوة مهيمنة وسقوطها"، في صعود هولندا وانحطاطها في العصر الذهبي، ويرده إلى أنها تُظهر كيف أسقط التنافس بين الرأسماليات اقتصادًا كان مسيطرًا على تجارة أوروبا في العالم في القرن السابع عشر؛ وتشير إلى صعوبات إعادة الإنتاج الاجتماعية لقوة العمل في عصر رأس المال التجاري؛ وتُظهر دور المستعمرات في استدامة التراكم في الاقتصادات الرأسمالية؛ وتُظهر كيف تؤدي التراكمات الرأسمالية أو تعثراتها إلى تزايد التفاوت في الدخل والثروة.
أما في الفصل السابع والذي حمل عنوان "تأخُّر الانتقال إلى نظام يتسم بانخفاض معدل الوفيات في أوروبا وأميركا الشمالية"، فيقول باغتشي إن الحرب العالمية الأولى اندلعت في أوروبا قبل تحسين الصحة، وتحسين السيطرة على المخاطر البيئية، وقبل تحقيق التعليم للجميع حتى في عقر دار الرأسمالية.
وورد الفصل الثامن في الكتاب بعنوان "محو الأمية في أوروبا الغربية منذ القرن السادس عشر"، وفيه يعرض المؤلف تقدم محو الأمّية بين الرجال والنساء والأطفال، ومدى بطء هذا التقدم في معظم بلدان أوروبا قبل القرن التاسع عشر.


العالم خارج نطاق أوروبا في عصر ظهور الهيمنة الأوروبيةاحتوى القسم الثالث الذي عُنوِن بـ "العالم خارج نطاق أوروبا في عصر ظهور الهيمنة الأوروبية"، على عشرة فصول.
يبين باغتشي في الفصل التاسع المخصص لبحث "التنمية الاقتصادية في الصين ونوعية الحياة فيها بين القرنين السادس عشر والثامن عشر"، كيف أن المنظومة الإدارية التي أصبحت السِّمة المميزة للدولة الصينية في ظل الإمبراطوريات المتعاقبة سهلت نمو موارد الصين الاقتصادية وسكانها.
ويتساءل باغتشي في الفصل العاشر الذي أفرده للحديث عن "الهند في ظل حكم المغول وما بعده"، لماذا يوجّه المؤرخون الاقتصاديون السائدون النقد إلى الهند المغولية؟ ويقول إن من أسباب ذلك ثقل الدعاية الإمبريالية المحضة، التي صَوَّرت الهند قبل استيلاء البريطانيين عليها أرض بؤس لا ينقطع للناس العاديين، وعجرفة الجهل لدى كثير من المؤرخين الاقتصاديين الأوروبيين.
ويسأل أيضًا في الفصل الحادي عشر، "مزاولة التجارة في آسيا قبل مجيء الأوروبيين وبعده"، ما نوع التأثير الذي أحدثه رأس المال الأوروبي المسلح في التنمية الآسيوية قبل الغزو البريطاني للهند؟ ففي رأيه، كان لظهور البرتغاليين، الذين لحقت بهم القوى الأوروبية الأخرى، تأثير في مصائر المناطق الآسيوية الرئيسة بأربع طرق رئيسة: توسيع التجارة الدولية أو إعادة هيكلتها؛ التدفقات الداخلة من المعادن الثمينة؛ إعادة تنظيم الترتيبات السياسية بإدخال تكنولوجيات عسكرية جديدة؛ إعادة تخصيص الموارد في المناطق التي كانت منخرطة في التجارة مع الأوروبيين.
يرى المؤلف في الفصل الثاني عشر، "إعادة النظر في الاستثنائية اليابانية"، أن فرضية الاستثنائية اليابانية تتخذ أشكالًا عدة: ادعاء أن نمو اليابان الاقتصادي كان أسرع من النمو في الصين والهند في الفترة التي سبقت جلوس ميجي على العرش، وكان أسرع خلال عهد إيدو؛ ادعاء أن حقوق الملْكية في اليابان كانت من النوع الذي وضع أنموذجه منظّرو حقوق الملْكية الخاصة؛ مساهمة ارتفاع درجة التتجير أيضًا في زيادة نمو اليابان الاقتصادي؛ ارتباط النمو الاقتصادي بمستوى معيشي أعلى للسكان العاديين؛ تهيؤ اليابان للقيام بانطلاقة تصنيعية.
ويقول في الفصل الثالث عشر المخصص للحديث عن "التنافس الرأسمالي، والاستعمار، والرخاء المادي لدى الأمم غير الأوروبية"، إن الرأسمالية الصناعية وفرت مع بداية القرن العشرين المعرفة ومعظم التكنولوجيا من أجل تحسين طول العمر لدى البشر ونوعية حياتهم. مع ذلك، ظلت فوائد ذلك التقدم مقصورة على الأراضي التي استقر فيها البيض، وحتى هناك وزّعت الفوائد وفقًا للطبقة والجنوسة والعرق.


المهمة الحضارية والعَرقنة: من السكان الأميركيين الأصليين إلى الآسيويينأما في الفصل الرابع عشر "المهمة الحضارية والعَرقنة: من السكان الأميركيين الأصليين إلى الآسيويين"، فيجد باغتشي أن من أكثر صياغات أساليب الحكم الأوروبي تأثيرًا في المجموعات السكانية الأفريقية، ومعها أساليب التحضير المرتبطة بها، تلك الموجودة في كتابات فريدريك، اللورد لوغارد، الحاكم الإمبريالي في نيجيريا الواقعة تحت الحكم البريطاني. فقد وضع لوغارد نظرية الحكم غير المباشر، وهو ما مارسه الحكام البريطانيون مسبقًا في الأراضي الواقعة تحت الحكم الاسمي لمن يسمَّون أمراء الهند الأصليين، وفي معظم أجزاء الريف الهندي.
بينما يعدّد المؤلف في الفصل الخامس عشر، "المهمة الحضارية في الأراضي التي انتزعها المستوطنون الأوروبيون من سكانها الأصليين"، أسباب اختلاف القوى الأوروبية من حيث انتزاعها الأراضي للمستوطنين في الأميركتين وأستراليا واستراتيجياتها للسيطرة على موارد السكان الأصليين في الهند والصين وجنوب شرق آسيا. لعل أهمها أن البلدان الآسيوية كانت تتمتع ببنى حكومية أكثر تطورًا، وكانت أكثر كثافة سكانية. وانتزاع الأرباح منها باستخدام البُنى السابقة وتكييفها كان أكثر وجاهةً من اللجوء إلى الذبح الجماعي.
وفي الفصل السادس عشر، "تدفقات الموارد العابرة للقارات التي أدامت صعود القوة الأوروبية"، يقول باغتشي إنه لم يكن لدى الأوروبيين حتى نهاية القرن الثامن عشر الكثير ليبيعوه للآسيويين، لكنهم كانوا يرغبون في المنسوجات الهندية وفي الشاي الصيني. وجرى تسديد بعض المدفوعات من الأرباح المتحققة من التجارة البينية الآسيوية، إلا أن جزءًا كبيرًا من تلك المدفوعات كان لا يزال يُسَدَد فضةً وذهبًا.
ويؤكد في الفصل السابع عشر الذي يتناول "الإتاوات والأرباح الاستعمارية، من سبعينيات القرن التاسع عشر فصاعدًا"، أن انتزاع الفائض من المستعمرات التابعة كان يتحقق من خلال الحفاظ على أسواق منقوصة التنافسية، مع تدخّل حكومي مباشر يحول دون ظهور أسواق حرة في الأرض والعمل ورأس المال.
وفي آخر فصل من فصول القسم الثالث، أي الفصل الثامن عشر بعنوان "الكوارث الديموغرافية في المستعمرات وأشباه المستعمرات في أوج الاستعمار الأوروبي"، يتناول باغتشي المجاعات والحروب والخسائر الديموغرافية في الصين في القرن التاسع عشر، والخسائر الديموغرافية في الهند تحت الحكم البريطاني في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إضافة إلى الخسائر الديموغرافية في البلدان الأخرى المسكونة بغير البيض في أواخر القرن التاسع عشر.


الصراعات والحروب والتحديات غير النظامية لرأس المال العالميعنون المؤلف القسم الرابع في كتابه بـ "القرن العشرون: الصراعات والحروب والتحديات غير النظامية لرأس المال العالمي"، وضمّنه ستة فصول.
ففي الفصل التاسع عشر "تهيئة الساحة للحروب الكبرى"، يقول باغتشي إنه بنهاية القرن التاسع عشر، كانت القوى الرأسمالية الكبرى قد هزمت جميع دول وإمبراطوريات ما قبل الرأسمالية. كانت اليابان سريعة في تعلّم الفنون العسكرية والصناعية من البرابرة، ثم انتشرت التكنولوجيا العسكرية المتقدمة بين جميع القوى الكبرى من خلال رعاية الدولة المحلية مصانع الأسلحة الخاصة وتجارة الأسلحة. وكان لا بد للدافع نحو مزيد من القوة والربح من أن يفضي إلى نزاع مسلح بين قوى تسعى إلى حماية مستعمراتها، وقوى تطمع في حصة أكبر في النهب الاستعماري.
ويرى المؤلف في الفصل العشرين المعنون بـ "الثورة، والنازية، والنزعة العسكرية اليابانية، والحرب العالمية الثانية"، أنه كانت وراء صعود الفاشية والنازية تقاليد السلطوية والنزعة العسكرية السابقة والأزمة التي تشهدها الرأسمالية الدولية والخوف من الشيوعيين. وكان من شأن هزيمة ألمانيا في الحرب، وتبادل اللوم إزاء تلك الهزيمة، وقبول معاهدة فرساي المفروضة على ألمانيا أن سهلت ظهور الفاشية الألمانية.
في حين يرى في الفصل الحادي والعشرين الذي تكلم فيه عن "الإمبريالية والحروب في أواخر القرن العشرين"، أن الإمبريالية والرأسمالية تتطلبان أيديولوجيات تسوغ امتياز القلة؛ "إذ رأينا كيف أن الداروينية الاجتماعية والعنصرية العلمية كانتا بمنزلة دعامتين للسياسات التمييزية التي تعزز السيطرة والاستغلال الرأسماليين. ولا يزال الجهد المبذول لإنشاء قواعد جديدة للأيديولوجيتين، من خلال ربط الذكاء بالوراثة، متواصلًا".


الرأسمالية والتنمية، التدمير والتناقضات  بحسب باغتشي في الفصل الثاني والعشرين الموسوم بـ "الرأسمالية والتنمية غير المتكافئة في القرن العشرين"، واجهت أنظمة الحكم التي جاءت إلى السلطة في إثر نضالات كبرى مجاعات كبيرة. كانت الأنظمة التي أطاحتها تتربع على مستويات منخفضة من الإنتاجية، وهوامش ضئيلة بين المجاعة والبقاء في قيد الحياة. وكان من شأن أي صدمة كبيرة أن ترجح كفة التوازن نحو الوفيات الجماعية. كما واجهت أنظمة الحكم التي جاءت بعد الثورة معارضة شديدة من الدول الرأسمالية.
وينتقل بعد ذلك إلى الفصل الثالث والعشرين، "التدمير والتجديد في النظام النيوليبرالي العالمي"، الذي قال فيه إن العملية الديمقراطية عانت في كثير من الدول الأخرى الديمقراطية تخريبًا مارسته سطوة المال والإعلام الذي تسيطر عليه الأقلية الحاكمة، بالاشتراك أحيانًا مع الأصولية المسيحية أو الأصولية الهندوسية والعنصرية ونظام الطوائف الاجتماعية المغلق.
أما خاتمة الفصول في هذا الكتاب فهو الفصل الرابع والعشرون، والذي عُنوِن بـ "التناقضات والتحديات والمقاومة"، إذ تمثلت إحدى الخصائص المُعرِّفة للرأسمالية، وفقًا للمؤلف، في التناقض بين مزاعمها الشمولية وتحقيق مكاسب جوهرية لقطاعات من السكان فحسب، ما يترك الآخرين في حالة حرمان. كما كان حكم القانون يعني قوانين متحيزة لمصلحة مالكي العقارات. لكن الوعود أصبحت جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة المحرومين، وزودتهم بأهداف ليكافحوا من أجلها.


المصدر: موقع الناشر

الاثنين، 29 يوليو 2019

(صوت القارئ) عن "قصة حب مجوسية" لـ عبد الرحمن منيف - محمود أغيورلي

عبد الرحمن منيف في "قصة حب مجوسية" يتحدث عن مراحل تطوّر الهوس العاطفي لدى الذكر حين تمر به إنثى في مرحلة فارغة في حياته، خالية من كل شيء، إذ يقوم بطل العمل بتطوير حالة هوسية "طفولية" بامرأة متزوجة لم ير منها سوى بضع نظرات صدفة في رحلة خارج المدينة، فيقوم بصنع صنم كبير لهوسه ذاك ويطوف حوله بحوارات داخلية مصطنعة يأخذ فيها جميع الأدوار، ينتصر حينا ويهزم أحياناً أخرى.
وحين يعود إلى المدينة، يشرع بالبحث عن محبوبته في كل مكان، في محطات القطار، في الشوارع، في المسارح، في دور السينما، متخيلاً في كل لحظة تلك اللحظة التي يلتقي بها مرة أخرى.
قد يستحضر القارئ في انتظار البطل قصيدة درويش "انتظرها" حين يقول: في الانتظار يصيبني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة/ ربما نسيت حقيبتها الصغيرة في القطار/ فضاع عنواني وضاع الهاتف المحمول/ فانقطعت شهيتها وقالت لا نصيب له من المطر الخفيف.
العمل بصورة عامة يبدو هزيل فكرياً مقارنة مع أعمال منيف الأخرى ويمكن ان نقول أنه هزيل بصورة عامة كعمل أدبي، إذ أنه لا يعدو كونه سرداً لآلام قلب يلهث خلف وهم كبير. ولكن العمل مرر بضعة أفكار جميلة مثل حديثه عن المدن حين قال بطل الرواية: "المدن هي البشر، العلاقات بين البشر". وافكار أخرى عن نزاع رجال الدين مع العشاق في وصف / وصم الحب بما يرونه.
أما ما توقفت عنده في هذا العمل فكانت الصدفة المستحيلة التي جمعت العاشق بمعشوقته في آخر صفحات الرواية في محطة القطار حين كان يهم بالرحيل عن المدينة التي هو فيها. وكانت هي كذلك, صدفها هناك، بعد كل الأيام والأماكن والليالي المئات التي قضاها يبحث عنها في كل مكان ولم يجدها، تلك الصدفة التي جمعتهما ربما هي ما أراده منيف من كل العمل فهي إشارة لسخرية القدر وعبثيته. إجمالاً، أرى فيه تصفية حساب قام بها منيف مع ذكرى كانت تؤرقه لا أكثر.



المصدر:
https://www.goodreads.com/book/show/3660598

الأحد، 28 يوليو 2019

(متساكن جديد في مدينة الكتب) "مجتمع القرن الرابع في مؤلّفات أبي حيّان التوحيدي" لوداد القاضي

عن دار "المشرق"، صدر حديثاً كتاب "مجتمع القرن الرابع في مؤلّفات أبي حيّان التوحيدي"، للأكاديمية
وداد القاضي بتحرير بلال الأرفه لي.

 يدور الكتاب حول الصورة التي رسمها أبو حيّان التوحيدي لمجتمعه في القرن الرابع الهجريّ/ العاشر الميلادي، وهي صورة شديدة الحيويّة، مليئة بالتفاصيل الدقيقة التي يتفنّن صاحب "الإمتاع والمؤانسة" في وصفها، قد باتت مرجعاً بالنسبة للمؤرخين على الرغم من أن مؤلفها لم يكن يبتغي وضع كتاب في التاريخ. ووفقاً للكاتبة، فقد ساعد التوحيدي على رسم تلك الصورة سفرُه بين مدن العراق والحجاز وبلاد فارس.


المصدر: العربي الجديد

(منتخبات صحفية) "رأس المال، سيرة كتاب".. التحفة الخفية لشاعر الديالكتيك - زياد عبدالله


قراءة كتاب "رأس المال – سيرة كتاب" لفرانسيس وين (ترجمة: ثائر ديب – دار فواصل 2019) شيّقة بلا أدنى شك، مضافاً إلى ذلك قدرة الكتاب على إيقاظ نواحٍ شخصية على اتصال بعلاقتي مع كتاب ماركس المفصلي، وهذا يمتد ربما ليشمل كل قارئ قرأ "رأس المال" أو سعى إلى قراءته، أو حتى عجز عن قراءته من أول ثلاث صفحات! ولأضيف على ما تقدّم الجانب الأدبي في هذا الكتاب الذي لطالما آمنت به، لا بل إن قراءتي لبعض فصوله – من دون أن أتمكن من قراءته كاملاً رغم اعتقادي بأنه سيكون محزناً أن يموت المرء ولم يقرأه- كان على الدوام متأتياً من أسباب أدبية وفنية أتبين فيها منابع بريشت و"التغريب"، وايزنشتين و"المونتاج المتوازي"، والفصول المتعلقة بـ "صنمية السلعة" و"فتشية السلعة" التي لطالما كانت وما زالت تعتمل في رأسي كما القصائد العظيمة التي لا تكف عن توليد المعاني.
يرد في كتاب وين الكثير مما يتعلق بهذا الخصوص، إذ يقول ماركس في تذييل الطبعة الثانية من رأس المال "ما من أحد يمكن أن يشعر بنواقص رأس المال الأدبية بالقوة التي أشعر بها"، والإشارات التي حملتها رسائله إلى انجلز بأنه "يقدّم عملاً من أعمال الفن"، لا بل يصل الأمر بوين إلى اعتبار رأس المال "رواية غوطية يستبعد أبطالها ويستنزفهم وحش خلقوه بأنفسهم"، ولترد توصيفات لـ "رأس المال" من قبيل "ميلودراما فيكتورية"، و"هزلية ساخرة سوداء" تفضح "الواقع الشبحي الذي تتسم به السلعة بغية تبيان الفارق بين المظهر البطولي والواقع المخزي".
أعترف بأن ما استعرضته فيما تقدّم هو جانب من الكتاب، الذي تمثُل أهميته أولاً في تحرره من أي مقاربة كلاسيكية أو قدسية أو دوغمائية لـ "رأس المال"، وليتبدّى ذلك من مدخله المعنون بـ "التحفة الخفية" حيث تظهر مخاوف ماركس من صنيعه في "رأس المال" أشبه بالرسام فرينهوفر في قصة بلزاك "التحفة الخفية" الذي أمضى عشر سنوات وهو يعيد رسم لوحة لدرجة لم يبق فيها شيء.
سنعايش في الفصل المعنون "الحمل" آلام المخاض الطويلة التي عايشها ماركس وهو يؤلف "رأس المال" والمسودات تتراكم من كل حدب وصوب على مدى 13 عاماً، وبكثير من التفاصيل المتعلقة بحياته ومعاناته جنباً إلى جنب مع مخاض "رأس المال" والكتب الأخرى التي صدرها، وهوسه بالكمال واستقدامه على الدوام "ألواناً جديدة إلى لوحته" كما هو فرينهوفر، وبالتالي خوضه رحلة مترامية من الحذف والإضافة إلى ما لا نهاية، مما لم يتح المجال لأن يطبع في حياته سوى الجزء الأول من كتاب "رأس المال"، وليبقى كتاباً مفتوحاً كما هي الرأسمالية حسب كتاب وين.
إن تتبع فصول كتاب وين المكثف والوجيز بدءاً من "الحمل" وصولاً إلى الفصلين الآخرين "الولادة" و"الحياة اللاحقة" سيجعل من "بيوغرافية" الكتاب عنصراً من عناصره بحيث تغلب عليه نقدية عالية سواء لـ "رأس المال" بحد ذاته وأخذه إلى مساحة شعرية مغيّب عنها في شتى المقاربات التي تناولته، وصولاً إلى من تلقفوا "رأس المال" في توجيه سهام نقد حادة ومسمومة تقول لنا معشر القراء بأن كلّاً من لينين وستالين وتروتسكي وماو وألتوسير وغرامشي وآخرين لم يكونوا حيال صنيع ماركس أو أنهم كانوا مقابل فيل لا يعرف المرء ما الذي يفعل به، مؤكداً في الوقت نفسه بأن الماركسية كما مارسها ماركس نفسه "لم تكن أيدلوجيا بقدر ما كان عملية نقدية وحجاجاً ديالكتيكياً متواصلاً،" ولا بل إن كتاب فرانسيس وين حافل بكل ما ينزع عن الأنظمة الشيوعية صلتها بماركس وما من عبارة تدلل على ذلك أكثر من أن "أحقّ إنجاز ماركسي أنجزه الاتحاد السوفياتي كان انهياره."
في ختام الكتاب يُترك المجال لمقاربة أعداء الماركسية لـ "رأس المال"، وقد انحلّت عرى هذه العداوة مع انهيار جدار برلين كما يشير الكتاب، وليجد كثير من المفكرين والاقتصاديين الرأسمالين ضالتهم في "رأس المال" وهو يفتح مغاليق الكثير من أزمات الرأسمالية ومآزقها، فهو جدير بالقراءة طالما بقيت الرأسمالية وصولاً إلى الخلاصة التي يختتم فيها كتاب وين والتي تقول بأن ماركس هو "المفكر الأكثر نفوذاً في القرن الواحد والعشرين." وكما لو "رأس المال" ظلّ تحفة خفية لما يقرب القرن والنصف من الزمن!


المصدر: موقع أوكسيجين
https://urlz.fr/ag1I

السبت، 27 يوليو 2019

(كتب العالم) غويدو تونيللي.. صياغة علمية لـ"سِفر التكوين" - يوسف وقاص

"في البداية، وأوّلاً، كانت الفوضى..."، تُنسَب هذه العبارة إلى الشاعر اليوناني هسيودوس (القرن الثامن قبل الميلاد)، إلّا أن هناك دائماً، عبر كل التاريخ الإنساني، من يحاول تفسير، وبالتالي ترتيب، جزءٍ من هذه الفوضى، وجعلها بمتناول الجميع.
ذلك تحديداً هو ما فعله الفيزيائي الإيطالي غويدو تونيللي (1950) في كتابه "سفر التكوين: القصّة العظيمة للأصول" (منشورات فيلترينيللي، 2019)، يروي فيه بأسلوب شائق تاريخ الأرض منذ نشأتها: الانفجار الكبير، والأنوار التي أضاءت الظلام البدائي، والنجوم، وفي النهاية الإنسان، من زمن رجل نياندرتال إلى الفلاسفة اليونانيّين.
العملُ روايةٌ علمية تعبّر عن المفاهيم المعقّدة بطريقة واضحة وبسيطة، وذلك بفضل الحكايات والقصص والإشارات إلى الأساطير الإغريقية، فكما يقول الكاتب: "لا توجد حضارة، صغيرة كانت أم كبيرة، يمكنها أن تقف على قدميها بدون القصّة العظيمة للأصول، أو البدايات".
أصل الكون، في كتاب "سفر التكوين"، الذي تربّع فور صدوره في بداية هذا العام على رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، هو قصّة علمية كُتبت لتتيح الفرصة للجميع ليستوعبوا بطريقة سهلة قصّة التكوين العظيمة التي يعلّمنا إياها العلم الحديث، ففي النهاية، هي قصّتنا الخاصة، ويجدر بنا أن نفهم جذورها بشكل أعمق لنتمكّن من العثور على أفكار جديدة لمواجهة المستقبل. هذا هو هدف تونيللي، العالم الفيزيائي ورئيس مجموعة الباحثين في واحدة من التجربتَين الأساسيتَين في مصادم سرن في جنيف، لاكتشاف "بوزون هيدجز"، وهو جُسَيْم أوّلي يُعتقد أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها.
"لقد تزامنت كلُّ نقطة من كلّ واحد منّا، مع كلّ نقطة من النقاط الأخرى، في نقطة واحدة تزامن فيها الجميع"، هكذا يصف إيتالو كالفينو الكونَ في مجموعته القصصية "الكونيات الهزلية"، وهي قصص ومفارقات تتعلّق بالكون وتطوُّر الزمن والفضاء. وليس من أُطلق على تونيللي لقب "النموذج الأخير" من ذلك التقليد الاستثنائي الإيطالي الذي بدأ مع غاليليو غاليلي، ليتواصل بعد ذلك من خلال علماء مثل إنريكو فيرمي، وبرونو بونتيكورفو، وكارلو روبيا.
وليس من قبيل الصدفة أن يستشهد بكاتب بارز مثل كالفينو، بينما يروي كيف أنه "من تلك النقطة التي تزامن فيها الجميع" ، تطوّر الكون الهائل؛ حيث جميعنا لا نشكّل فيه أكثر بقليل من جزيئات صغيرة، ولكننا قادرون على التفكير والكتابة. إن العلم قصّة رائعة، لأن "البحث هو المعرفة والقدرة على إنتاج الأدوات والأشياء والآلات".
علاوة على ذلك، تمنحك القصة العظيمة لأصل التكوين القوّة للنهوض عندما تكون محبطاً، مما يوفر حوافز لتحمل أحلك لحظات اليأس، لأننا أمام قصة عمرها 13.8 مليار سنة. يقول تونيللي بهذا الصدد: "إنّ ربط أنفسنا في سلسلة طويلة من الأحداث، مترسّخة الجذور في الماضي البعيد، يتيح لنا تخيُّل المستقبل". ولهذا السبب "ما زلنا هنا، منذ آلاف الأجيال، لمنح قيمة للفن والفلسفة والعلوم، ولأننا ورثة هذا الانتقاء الطبيعي. يتمتّع الأفراد والمجموعات الأكثر قدرة على تطوير عالم رمزي، بميزة تطوُّرية كبيرة، ونحن ننتمي إلى ذلك النسل".
من جهة أخرى، يلقي تونيللي أيضاً الضوء على البرامج "متعدّدة التخصصات" التي يعمل فيها "الآلاف من العلماء"، والتي تهدف إلى فهم دماغ هذا "الإنسان العاقل" القادر على دراسة كيفية تشكّل المجرّات والنجوم والكواكب، بما في ذلك كوكب الأرض وتابعه القمر. وفي حالات مختلفة "لفهم بعض الآليات الأساسية التي تنتجها شبكات المحاكاة الإلكترونية للخلايا العصبية وتفاعلاتها".
لكن تونيللي يؤكّد في نفس الوقت، أنه من بين علماء الأعصاب أنفسهم، أصبح استخدام المعرفة المكتسبة للحصول على دماغ اصطناعي، أقلّ شعبية اليوم أكثر من أي وقت مضى. إنها ليست مجرّد مسألة صعوبات تقنية ومادية كبيرة، إنما "حتى لو استطعنا بناء جهاز إلكتروني يعيد إنتاج بنية عقولنا بالضبط، فلا يزال يفتقر إلى عنصر أساسي، ألا وهو التفاعل مع العقول البشرية الأخرى، بواسطة اللغة والجسد والعلاقات العاطفية".
ومن خلال هذا الأساطير والرموز، يخبرنا تونيللي أننا نبسّط الأمور كثيراً عندما نعتقد بأننا نولد بشراً فقط بسبب العوامل الفيزيائية والبيولوجية التي تسمح بدخولنا إلى العالم، إنما بدلاً من ذلك، "يصبح المرء إنساناً في عيون الآخرين عبر تبادل المشاعر والتفاعل معهم في ما يتعلّق بنا في المجموعة الاجتماعية".
وفي مكان آخر، يخاطب الأشخاص ممن يمارسون فن رواية القصص، أو الكتّاب بشكل عام، قائلاً: "أولئك الذين يستمعون ويتخيّلون، يعيشون التجارب المتراكمة لمن سبقهم؛ فالقصّة تكثّف التعاليم التي تمّ جمعها عبر سلسلة طويلة من الأجيال التي سبقتنا، تتيح لنا أن نفهم ونجرّب، وتسمح لنا أن نعيش حيوات كثيرة. لذلك، فإن ما ننجزه ونفعله في حياتنا اليومية، ليس مجرّد مسألة بقاء، بل مسألة وجود أفضل، حتى في الحالات الأكثر مأساوية".
وفي خاتمة كتابه، يستنكر تونيللي "المراحل البعيدة" من تاريخنا التي شهدت الكثير من الحروب والمجازر المروّعة، عبر أمثلة كثيرة، منها على الأخص محاكم التفتيش وعمليات الإبادة الجماعية في كثير من بقاع العالم، التي كان يمكن للبشرية أن تكون بغنى عنها. ومن
هنا، كان ثمّة من تساءل بعد صدور هذا الكتاب: هل سيكون العلم هو المنقذ بدلاً من الأدب؟ وربما هذا السؤال بالضبط، هو ما دفع تونيللي لتأليف كتابه هذا ومنحه عنوان "سفر التكوين"، حتى يتمكّن أي شخص من أن يؤلّف كتابه الخاص عن القصّة العظيمة لوجودنا التي يشرحها لنا العلم الحديث بطريقة شائقة، وإيجاد الأفكار التي تسمح لنا بمواجهة المستقبل بثقة أكبر.



المصدر: العربي الجديد

الأحد، 12 مايو 2019

(كُتبُ العالم) إدريس أبركان.. أين تقف الراديكالية في "عصر المعرفة"؟ - سفيان طارق

رغم أن كتاب "عصر المعرفة" ليس سوى الإصدار الثاني للباحث الجزائري الفرنسي إدريس أبركان (1986)، إلا أن القارئ، ومتابع الساحة الثقافية الفرنسية بشكل عام، يشعر وكأن مؤلفه من ثوابت المشهد. يأتي ذلك بسبب ما حظي به كتابه الأول؛ "حرّر عقلك" (2017) حيث كان على قائمة الكتب الفكرية الأكثر مبيعاً لفترة طويلة، وحظي إلى حد الآن بأربع طبعات منها واحدة في شكل كتاب جيب، وباتت صورة المؤلف تظهر في أغلفة الطبعات الجديدة. دون أن ننسى حضوره المكثّف في البرامج التلفزية والإذاعية وفي الدوائر الأكاديمية عبر المحاضرات والندوات.
بشكل ما، يمكننا الحديث اليوم عن "نجومية" سريعة حققها أبركان. ولو بحثنا عن أسماء في نفس الساحة الفرنسية حظيت بنفس هذا الاحتفاء، سنجد أن أقرب مثال سيكون... ليلى سليماني (1981) في الرواية، وهي الأخرى من أصول عربية. فهل هي الصدفة؟ أم يوجد تنشّط للأصول العربية في المجال الثقافي الفرنسي؟
أُطلق العمل الجديد - بكل ثقة - مع بداية موسم الدخول الأدبي، رغم أن الكتابات الفكرية كثيراً ما تحاول تحاشي دخول سباق يكاد يكون خاسراً مع الرواية. وهنا نذكر أن كتابه الأول قد صدر في شباط/ فبراير أي بعيداً عن دُفعة الدخول الأدبي، وربما استفاد من ذلك لأنه وجد فرصة مقروئية عالية.
ينطلق الكتاب الجديد من فكرة طريفة، فمقابل المثل المعروف الذي يقول بأن "الجهل البشري لا نهائي"، يشير أبركان إلى أن المعرفة هي الأخرى لانهائية، وهذه خصوصية ينبغي أن تلتفت لها "المنظومة"، المعرفية بشكل عام، والتعليمية بشكل خاص، وهو يثبت ذلك من خلال علم الاقتصاد حيث يشير إلى أنه لا يزال قائماً على المحروقات رغم أنها مواد أولية في طريق النضوب، في حين يترفّع علم الاقتصاد عن أن تكون المعرفة أحد محرّكاته، بخصوصيتها كمادة أولية متجددة أي غير قابلة للنضوب. وإذا كان مصطلح "اقتصاد المعرفة" متداولاً منذ عقدين على الأقل قبل إصدار هذا الكتاب، فإن أبركان يرى أنه ينبغي تحويله إلى طاقة ثورية تؤدّي إلى بناء منظومات جديدة في قطيعة مع منطق الثورة الصناعية خصوصاً وأنه يعتبر أن كل شيء في العالم قد استنسخ نموذج المصنع، من المدارس إلى مختلف خدمات الدولة، وطبعاً يعرّج بنا المؤلف عند إشكاليات المسألة البيئية والتي تعاني هي الأخرى، ضمن الاقتصاد التقليدي، من المنطق الصناعي بحيث تكون البيئة في خدمة الإنسان في حين أنه أولى أن يكون في خدمتها، وتلك حكمة عرفها الإنسان القديم وفرّط فيها المعاصر.
بهذه الأفكار الراديكالية، قدّم أبركان نفسه للقارئ الفرنسي. لكن مع طرحه الثوري والنقدي، للاقتصاد والتعليم والحياة السياسية، لا نعثر على طرح مشابه لعنصر آخر من المنظومة؛ ونعني الإعلام بشقه المؤسساتي أو الافتراضي. هل يعتبر أبركان نفسه من البداية جزءاً من "المنظومة الإعلامية"، أم هل يشعر أن راديكاليةً موجّهة لوسائل الإعلام ستعيق جماهيريته فلا تصنع أفكاره "الثورة" المنشودة؟

المصدر: العربي الجديد
https://www.alaraby.co.uk/books/2018/9/18/%D8%A5%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%A3%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A9

(صوت القارئ) "بريد الليل" تفتقر لمكر العمل الروائيّ - عمران عزالدين

بريد الليل عملٌ أقرب للمذكرات، ويمكن عدّه سيرة، أو نوفيلا ـ 126 صفحة ـ تفتقر لأبسط الشروط الّتي يتطلبها العمل الأدبيّ الروائيّ، أقلّها مثلاً: الإثارة، التشويق، الفائدة، والمتعة. فهذا العمل (الروائيّ)، الفائز بمسابقة بوكر 2019، عملٌ يفتقر ـ للأسف ـ لجُلّ ما هو فنيّ وفارق وصادم، بل إنّني قد أستمتُّ، وحاولْتُ جاهداً أنْ أدوّنَ هنا نقطة متجاوزة لصالحه لكنّني لم أتعثر بها، وإليكم بعض النقاط الّتي خلصت لها بعد قراءة العمل:
ـ يشعر قارئ هذا العمل بأنّهُ يقرأ عملاً قديماً / مُسْتَهْلَكَاً، أو عملاً كُتِبَ منذ زمنٍ، وعلى مراحل، في أوقات متفرقةٍ، ثُمّ، تمّ جمعه على عجلٍ، الرسائل والبريد وساعي البريد أو البوسطجيّ، بمعنى أنّهُ عملٌ غير مواكبٍ البتّة لعصرنا المخيف، السريع، عصر السوشال ميديا / وسائل التواصل الاجتماعيّ، أكرّرُ بأنّ القارئ سيشعرُ أنّه يقراً عملاً قديماً لكنْ تمّ تطعيمه لاحقاً ببعض مواضيع الساعة، أو المواضيع البرّاقة الّتي لا يربط بينها هنا أي رابط كالمثليّة واللجوء وداعش والاغتراب.
ـ لنْ أقولَ كلاماً جديداً من أنّ المكان يكاد يكون من أهمّ شروط كتابة العمل الروائيّ، لكنّني أرى أنَّ المكان أو استحداثه بطلٌ من أبطال الرواية لا يقل دوره عن دور بطل الرواية أو الشخصيّة المركزيّة.
عن المكان في “بريد الليل” أتحدث!.
ـ لا تنظم ” عزيزتي.. أبي العزيز.. أمي العزيزة.. أخي العزيز.. أختي العزيزة”، أو فصول هذا العمل أي وحدة روائيّة / عضويّة. أي أنّنا أمام هيكلٍ (روائيٍّ) هشٍ تخترق فقراته ما هبّ ودبّ من الحالات النفسيّة والمونولوغات أو التخريف غير المترابط والتصنع والكلام الانشائيّ، العادي.. جداً.
ـ لغة العمل لغة موفقة، سرديّة بحتة، جريئة، غير متحرجة، لكنّها تفتقر لشعريّة العمل الروائيّ وايحائيته المرمزة، الماكرة أحياناً.
ـ قرأت أعمالاً في القائمتين القصيرة والطويلة، وثمّة بعض الروايات الّتي كانت تستحق الفوز بالجائزة، وبجدارة.
ـ قيض لكاتب هذه السطور قراءة كلّ الأعمال الّتي ظفرت بجائزة بوكر منذ انطلاقتها عام 2008 وحتّى الآن، أقول، وأجري على الله، أنَّ كلّ تلك الأعمال، وعلى رأسها واحة الغروب وعزازيل وترمي بشرر وفرانكشتاين في بغداد وساق البامبو، كانت أعمالاً بارعةً من حيث التكنيك الروائيّ، المعماريّ واللغويّ على حدٍ سواء، وعلى الرغم من تفاوتها في الأهمية، إلا إنّها كانت أفضل بسنواتٍ روائيّة / ضوئيّة من ” بريد الليل”.
لقد سجّلَت هدى بركات هدفاً متسلّلاً في مرمى بوكر، ونقّاد بوكر، أو لجنة الحكم، عدّته هدفاً شرعيّاً لا غبار عليه، فلِمَ؟.
ربّما سيحق لنّا، نحن القرّاء ـ أنْ نطالبَ بتقنية الـ "فار" في الدورات البوكريّة القادمة؛ كي لا نقرأ أعمالاً متسلّلةً

المصدر: الرواية.نت 
http://alriwaya.net/%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%8a%d9%84-%d8%aa%d9%81%d8%aa%d9%82%d8%b1-%d9%84%d9%85%d9%83%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%91/

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...