الجمعة، 30 أغسطس 2019

(كتب العالم) "ديدرو وفن التفكير الحر" لـ أندرو كيوران

"ديدرو وفن التفكير الحر" عنوان كتاب صدر حديثاً عن "آذر برس" للباحث أندرو كيوران، ومحاولة لكتابة سيرة فكرية موسّعة حول الكاتب الفرنسي الذي كان وراء فكرة إنشاء الموسوعة في القرن السابع عشر وهو مشروع يعتبر أبرز معالم عصر التنوير حيث حاول أن يجمع فيه كل معارف عصره. 
وعلى الرغم من كونه عاصر كلاً من فولتير وروسو، إلا أن ديدرو قد اكتسب توصيف "الفيلسوف الأكثر راديكالية في عصره"، ويعود ذلك لمحورية فكرة العدالة في كتاباته ومناهضته لمختلف أشكال الظلم الاجتماعي، وكان من أوائل من انتقد عدم المساواة في الدخل بين الرجل والمرأة. وقد استعيدت أفكراه بشكل موسّع خلال الثورة الفرنسية وفي القرن العشرين. 


(صوت القارئ) "أنوات": رسائل إلى المشهد الأدبي أيضاً - بثينة غريبي

رواية بمؤلفين، لعلّ ذلك يمثل أول مدخل نلج منه إلى "أنوات" حيث جمعت بين محمد القاضي وآمال مختار وصدرت عن "دار محمد علي للنشر". رواية يمكن أن تكون قطيعة، أو على الأرجح تجاوزاً، مع السائد من العلاقات بين الكتّاب في تونس.
يكون التعاون في حالات التأليف المشترك في بناء العالم التخييلي أو صهراً لأسلوبين بحيث لا نفرّق بين مساهمة هذا المؤلف أو ذاك؛ ولعل أشهر نموذج عن ذلك في الأدب العربي رواية "عالم بلا خرائط" التي جمعت عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا.

لكننا في "أنوات" سنقع على وضعية مختلفة، فالعمل شكلاً ينتمي إلى ما يعرف بالأدب الرسائلي، حيث أن نصوص العمل تأتي في شكل رسائل، غير أنها ليست بين محمد القاضي وآمال مختار، وإنما بين بتول وآدم، فلا نعرف هل نرد ما تقوله الشخصيّتان إلى المؤلفين معاً أم أن كلّ واحد منهما تبنّى شخصية وطوّرها على حدة مفترضا رؤاها وردود أفعالها؟
حين نقتحم العالم التخييلي للعمل لن نجد إجابة شافية على هذا السؤال، بل إننا سنكون أمام متاهات أخرى، فهاهو آدم يفاجئنا حين يوجّه رسائله إلى أنيسا وأليسا وغيرهما، إضافة إلى بتول؛ الاسم والشخصية الرئيسية في العمل.
يقول آدم في رسالة موجهة لجميع هاته الأسماء: "أتعلمين أيتها العزيزة أنني لا أملك أن أميز بينكن إلا في حالة صحوي وما أقلها... وما الفرق بينكن في الحقيقة؟ أليس الانسان في جوهره واحدا؟ ألم تشعري مرة بأنك لست أنت؟ وأنك عشت أكثر من حياة؟ وان أشياء تولد فيك وتموت في كل لحظة؟".
فتأتي الاجابة: "أنت من أنت؟ هل أنت ما تعتقد أنه أنت من روح وكيان وجسد ومشاعر وأحاسيس أم أنت الصورة التي رسمها لك الاخرون من حولك بل قل هل أنت الصور التي رسمها كل من يراك في ذهنه وفق مخياله ومرجعياته الثقافية والاجتماعية؟".
هكذا تتحوّل الرسائل إلى أسئلة، ربما اتفق المؤلفان على تضمينها في سبيل النهوض ببعد فكري للعمل، خصوصاً وأن شكل الرسالة طالما كان مطواعاً للجدل الفكري، وهو أفق يبدو منسياً في الأدب عرف كيف يطرقه محمد القاضي وآمال مختار باقتدار.
يبقى أن هذا اللقاء يبدو غير متوقع بين المؤلفين، على الأقل في مشهد الكتابة التونسية، فقد انهمك محمد القاضي في معظم مسيرته بالترجمة والكتابات النظرية حول الأدب، وهي حقول لم تلجها آمال مختار حيث نشرت أعمالاً تخييلية بين الرواية والقصة. ألا يمثل ذلك حدثاً في حدّ ذاته؟


مادة خاصة بمدونة "منشورات"

(ناشر في الضوء) صفاء ذياب: "شهريار" والبلاغة الجديدة للكتاب

على الرغم من كونهم شركاء في إنجاز كل عمل إبداعي، إلا أن الناشرين كانوا دائما بعيداً عن بقعة الضوء التي يجلس فيها المؤلف وحده عادة. مدونة "منشورات" تدعوهم لحديث في الضوء


كيف أصبحت ناشراً؟
لم يأتِ النشر اعتباطاً بالنسبة لي، فقد اشتغلت بالكتاب لأكثر من عشرين عاماً قبل أن أبدأ بالعمل بدور النشر أولاً، ومن ثمَّ افتتحت دار شهريار. بدءاً أنا قارئ، لم يكن الكتاب مجرّد تسليةً لي، بل كان موقفاً من الحياة ومن الواقع، منذ أواخر الدراسة الابتدائية هيّأت جوّاً خاصاً للقراءة، على الرغم من العمل الذي كان يأخذ جُلَّ وقتي، غير أني لم أجد فرصة تسمح لي بالقراءة إلا واستثمرتها. هذه القراءة دفعتني في أيام الدراسة الجامعية للعمل في الكتب، فكان عملي في الشارع الأشهر لبيع الكتب والنشاطات الثقافية وهو شارع المتنبي في بغداد، كان ذلك في تسعينيات القرن الماضي، حيث أن التعامل بالكتب لم يكن بالأمر السهل، للأوضاع الاقتصادية أولاً، والأمنية ثانياً، غير أنني حينها لم أكن أعرف غير الكتاب وكيفية التعامل معه، فكوّنت عالماً خاصاً للعمل في هذا الشارع، ليستمر هذا العمل أكثر من عشر سنوات كانت ذروة التعلّم في فهم كل كتاب من جانب، وفهم القرّاء وكيفية إرشادهم للكتب الأفضل من وجهات نظر مختلفة. عشر سنوات لم تكن كافية للخبرة في الإعلان عن دار نشر، غير أن عملي في الصحافة الثقافية لسنوات طويلة، فضلاً عن عملي في دور نشر أخرى، ابتداءً من مجلة مسارات التي أسستها في العام 2005، ومن ثمَّ في دور بسيطة، وصولاً إلى دار وراقون، أهّلني للبدء بمشروع دار شهريار.
 


هل تعتبر أن النشر مهنة مُهدَّدة؟

في حوار مع أحد أصحاب دور النشر العربية، قال لي: أنت بدأت النشر الفعلي مع شروع الكثير من دور النشر الكبرى بالإغلاق.. هذه الجملة ما زالت ترنّ في أذني لأني كل شيء ثقافي مهدد في عالمنا العربي، لا سيما إذا نظرنا إلى الفارق بين دور النشر الجادّة ووضعها المادي من جهة، وبين نوعين آخرين من دور النشر: الدور الدينية، وتحديداً السلفية، والدور التجارية، التي أغلبها متمركز في الخليج ومصر.
فإذا زرنا أي معرض للكتاب، فإن قراءنا يشترون كتبنا بأكياس صغيرة، ربما لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة في كل يوم، في حين نرى أن الدور السلفية لا تبيع بالأكياس أو بالكراتين حتّى، بل تقف شاحنات كبيرة لتأخذ طبعات عدّة من كل كتاب.
الأمر نفسه مع الدور التجارية، فإذا التفتنا إلى كتب لا قيمة لها، ولا تمت للثقافة بصلة، مثل كتب علي نجم، أو أثير النشمي، أو غيرها، سنجد أن أقل كتاب سيصل إلى الطبعة العاشرة.. فضلاً عن التزوير الذي تتجاوز طبعاته العشرين أو الثلاثين.
وهذا ما يجعلنا نتساءل: ما الذي يحدث؟ هل وصل الأمر بالعقل العربي وقرائه إلى الحد الذي لا يلتفت فيه إلى إصدارات مهمة مثل طرابيشي أو طيب تيزيني أو نجيب محفوظ أو محمد خضير أو محمود درويش وغيرهم الكثير.. ويذهب راكضاً إلى كتب لا قيمة لها، لا فنياً ولا لغوياً ولا فكرياً.. وكأن الأمر مقصود تماماً في خطّة واضحة المعالم لتدمير العقل العربي.
نعم النشر العربي مهنة مهدّدة إذا لم نلتفت لها جيداً ونتعاون في نشر الكتب الجيدة التي يمكن أن تعيد بناء عقولنا.



ما الخصوصية التي ترى أنها تميّز "شهريار" ضمن المشهد العربي؟
- منذ بداية فكرة تأسيس الدار، لم أكن منافساً لأية دار أخرى، بل كان الهدف الرئيس بناء دار ذات توجّه جديد تحتفي بالكتب المعنية بالحداثة وما بعدها، وكسر التقليدية، ومن ثمَّ تبنّي الأساليب الجديدة في الإبداع العربي والغربي في الوقت نفسه. لهذا بدأنا بمشاريع كثير منها سلسلة تحليل الخطاب والبلاغة الجديدة، إذا أصدرنا أربعة كتب حتى الآن، منها (بلاغة الخطاب) و(البلاغة الثائرة)، فضلاً عن مشروع مؤسس مصطلح ما بعد الحداثة إيهاب حسن، إذ أصدرنا حتى الآن أربعة كتب له، والكتاب الخامس تحت العمل. وهكذا استطعنا وضع الدار في مسارها الذي رسمناه من البداية.
أما ما يميز دارنا، فهذا ما يمكن أن يحدّده القارئ نفسه، غير أننا ابتعدنا عموماً عن الكتب التجارية، ومن ثمَّ عن الكتب الإبداعية ذات التوجّهات التقليدية، مثل الشعر العمودي، أو الرواية التي لا يملك أي جديد على مستوى البناء والموضوع.



كيف تختار المؤلفين؟ وهل توجد فئة منهم تفضّل عدم التعامل معها؟
لا يكمن الاختيار في المؤلفين بقدر أهمية الموضوعات، نعم هناك بالضرورة بعض الأسماء التي نسعى لاستقطابها، غير أن الموضوع وما يوافق خط الدار والتناول الجيد، هو ما يدفع الدار لتبني أي مشروع. لهذا نشرنا كتباً لمؤلفين غير معروفين، لكن نتاجهم مهم جداً، فضلاً عن إصدار أول لمؤلفين كانوا بارعين في تناول موضوعاتهم وطرائق إنتاجهم لها.



ماذا تشعر حين يقرصن كتاب أصدرته الدار؟القرصنة بكل الأحوال سرقة، إن كانت سرقة حقوق أو سرقة أموال الناشر أو سرقة جهد المؤلّف، حينما يقوم أي مقرصن بسرقة الكتاب، إذ كان بنشره بصيغة إلكترونية أو عن طريق استنساخ الكتاب، فإنه يهدّد الدار بالتوقّف، لأنه بهذه الحالة يبيع الكتاب بثمن بخس بعيداً عن قيمته أولاً، وعن التكاليف التي تصرفها دار النشر ثانياً، فهو غير معني بحقوق المؤلف، ولا بالتصميم، ولا بالطباعة، ولا بالتوزيع، لهذا هو اختصر كل هذه المراحل والتكاليف المادية بنسخة واحدة يزوّرها، وهذا يهدد الدار نفسه، لأنها قد لا تبيع الكتاب فيما بعد، وبالتالي، ستعلن إفلاسها، وحينها لن يجد هذا المقرصن ما يسرقه مرّة أخرى.


ما نوع الكتب التي تقرأها بعيداً عن العمل؟
أنا معني بالجانب الثقافي عموماً، غير أني كوني شاعراً صدرت له أكثر من ست مجموعات شعرية، أهتم بالدراسات التي تبحث في الاختلاف، وطرائق إنتاج النص الجديد أولاً. وثانياً لي جانب أكاديمي أحب أن أستمر به، فموضوعي في الماجستير والدكتوراه هو الأدب الشعبي، وتحديداً السيرة الشعبية، لذا أسعى لقراءة كل ما هو جديد في هذه الموضوعات. وبالتأكيد هذا لا ينفي عدم وجود قراءات في الرواية أو الدراسات الفكرية عموماً.



مادة خاصة بمدونة "منشورات"

الثلاثاء، 27 أغسطس 2019

(ضيف منشورات) خليل قويعة: التّفكير في ممكنات اللغة التّشكيليّة

1- في كتاب "العمل الفنّي وتحوّلاته بين النّظر والنّظريّة" تهتمّ بمسألة التّلقي في الفنون البصريّة، ما الذي قادك إلى هذا الإنشغال؟
لم يقدني أحد، أنا من قدت نفسي بعد تدبير فهم ملائم للفن انطلاقا من تجربتي الفنيّة وقراءاتي الفلسفيّة، كما لم أقد أحدا وأحاول أن أكون قائد أفكاري... ومثلما تعلمين، ليس الفن مجرّد صناعة للوحات أو منحوتات أو خزفيّات... بل هو فكر متنام داخل معترك ثقافي يقوم على مراكمة المواقف والرّؤى ومواصلة مسار الإنشاء من المبدع إلى فاعلين أخر داخل المعرض أو المتحف أو الوسائط المتعدّدة. فلا يقتصر الأمر على الإبصار الحسّي والنّظرٍ "إلى" الأشياء الجميلة، بل أكثر من ذلك، يشمل النّظر "في" الأشياء، أي إعمال الفكر. إذ الإدراك نفسه مجموع ما هو حسّي وما هو ذهني. وهكذا، يتسع المجال في الفنّ إلى تنشيط عمليّات النّظر الإبصاري والذّهني ومختلف الأنشطة المعرفيّة التي تستحثها القراءة والتّأويل والنّقد والتّنظير.

ناهيك وأنّ الناقد هو من يؤسّس المعنى في الأثر وهو من بفضله يستمرّ العمل الفنّي في شكل أفكار ومواقف، في الفنّ المعاصر خاصّة، لا يقتصر على لحظة جماليّة سلبيّة خاطفة أو عابرة، بل يتّسع إلى تبيّن دلالات الإثارة والسّخرية والفضح والتّحسيس... على قاعدة قيم السّلم والحريّة، كما في الفنّ الملتزم، والقضايا الإيكولوجيّة، في فنّ الأرض والفن البيئي... وهو ما يمكّن الفنّ من تجاوز قيمة الجميل بحثا عن الإثارة من خلال تشويه صورة العالم وتقبيح صورته... وقد نشرت سنة 1989 نصّا حول جماليّة القبيح في الفنّ الحديث والمعاصر، بطلب من مجلّة "الحياة التشكيليّة" السّوريّة وقتها وكان يرأس تحريرها الأستاذ طارق شريف. إذ لا ريب، لزاما علينا أن ننخرط في هذه التّحوّلات المفهوميّة وربّما نتفاوض معها على الأقلّ، تلك التي أفرزتها الحداثة وألقت بضفافها على ثقافة التّلقّي. فنظريّة الفنّ في الحداثة وما بعدها لم تعد نظريّة للجميل، كما في القرون الوسطى أو فجر النّهضة الأوروبيّة. كما أنّ العمل الفنّي لم يعد "جميلا" بالضّرورة. إذ "الجمال خاصيّة أنطولوجيّة للعالم الطّبيعي"، بينما الفنّ منذ غوتة مرورا بهيغل أصبح أعقد وأسمى من المواضيع الطبيعيّة، بما هو نشاط للفكر وإحدى تجلّيات الرّوح المبدِع في التّاريخ. إنّ من ابجديّات الحداثة التفريق بين الجمال الفنّي (الإنساني) وبين الجمال الطّبيعي.
لقد أصبح على الشغل النّظري المتعلّق بالفنون أن يغيّر متّجهاته ويباحث في الأعمال الفنيّة مدى قدرتها على خلق القيم الجديدة وربط العمل الفنّي بالمعرفة حتى لا يكون مجرّد إحساس فرديّ معزول (Solipsisme) يدّعي الكونيّة على شاكلة ما يحدّد اليوم أزمة الفنّ في العالم العربي، حيث لم تخرج الحداثة بعدُ من هاجس الفرد وعبقريّته لتصبح سيرورة اجتماعيّة بين الذات و"الآخر". فالتلقي اعتراف بهذا الآخر المشارك في تأسيس مسارات الفعل الإبداعي وانفتاحها. ومثل هذا الرّهان يتطلّب إعادة النّظر في دور النّظر داخل المسار الإبداعي وكيف أنّه يضمن مواصلة عمليّة الإنشاء ما بين النّظر والنّظريّة. وفعلا، لا يمكن الحديث عن عمل فنّي ما لم يُعرَض داخل الدّورة الثقافيّة ويَعبُرَ المشهد العام للسّيرورة الإجتماعيّة من خلال النّصوص، أي ما لم يقع تلقّيه من قِبل مشاهد، ناظر، جمهور ثمّ قاري ومؤوّل وناقد ومنظّر. بل إنّ هذا الرّهان يلقي بضفافه حتى في مبادلات سوق الفنّ، حيث تقع ترجمة القيمة الجماليّة إلى قيمة مصرفيّة بالاستناد خاصّة إلى موقع العمل في "عالم الفنّ" الذي يحرّكه عديد الفاعلين في شكل أفراد وجماعات ومؤسّسات. إنّ المتلقّي، النّاظر، هو من يصنع العمل الفنّي، كما قال رائد الطلائعيّة مارسيل دوشمب. وسنة 1994، كنت قد تحدّثت مع هانز روبرت ياوس، كبير جامعة كونستونس الألمانيّة، في هذه المسألة وفي بعث مشروع حول جماليّة للتلقي منكبّة على الفنون التشكيليّة البصريّة. قال لي بالحرف الواحد هذا ما ينقصنا في كونستونس حيث كرّسنا عقودا من الزمن في دراسة تلقّي الأعمال الأدبيّة لدى غوتة وفيكتور هيغو... واقترحَ عليّ التّعاون مع أحد أفراد الجيل الجديد لكونستانس وهو ولفغانغ كمب الذي كانت له وقتئذ نيّة التّخصّص في هذا المجال.
يعود اهتمامي هذا إلى أنّنا كلّما تحدّثنا عن الأعمال الفنيّة لا نذكر سوى أصحابها من الفنّانين ونتناسى دور المتلقّي الذي يعدّ باعثا انطولوجيّا جديدا للأثر ولاعبا أساسيّا في "عالم الفنّ"... بل وكلّ فعل تواصلي وسيميولوجي من خلال الفنّ لا ينشط إلاّ بوجود أربعة مقوّمات وهي الفنان، العمل الفنّي، المتلقّي والفضاء الثقافي الذي يجمعها. وما يزال الفضاء الثقافي في ربوعنا أعرج، أحاديّ الإشتغال، يفتقد إلى دور المتلقّي في الفنون البصريّة وذلك نظرا لغلبة المفهوم الطّربي للإبداع الذي يرضي النّاسَ ويكرّس السّائد (L’art d’agrément) على حساب البعد التّأمّلي والتّفكّري. وهو ما انعكس على سياساتنا الثقافيّة عامّة التي همّشت المتلقّي وأبناءه الشرعيّين من قارئين ومؤوّلين ونقّاد ومنظّرين، لصالح نجوميّة المبدعين الأصليّين والفنّانين وخاصّة ممّن يُعتبرون صنّاع المتعة الجماليّة.
هذه الفجوة في الفضاء الثقافي بتونس والعالم العربي، كنت قد لاحظتها منذ معرضي الأوّل سنة 1983 ومعرضي الثاني سنة 1987، حيث وجدت مُجاملين ظاهرين ومناوئين متخفّين ولكن لم أجد "جمهورا" فاعلا. وقد طرحت هذا الموقف قُبيل تأسيس مهرجان المحرس للفنون التشكيليّة في الجَرَائِدِ سنة 1988 وأثناء لقاءات تأسيسه بدار الثقافة ابن خلدون بتونس ضمن برامج اتحاد الفنانين التشكيليّين. بل وسنة 1997، اقترحتُ على التلفزيون التّونسي سلسلة دامت خمس سنوات، من الحصص التي تتّجه إلى الأعمال الفنيّة وتحث النّاس على الإلتفات إلى الأعمال الفنيّة والنّظر إليها وفيها (طبقا للمنهجيّة التي عرضتُها على ياوس) وقد استثمرت ممكنات اللّغة السينمائيّة في تفصيل الصّورة الفنيّة وإعادة إنتاجها... بعد ذلك دُعيت من قٍبل الدّكتور محمد حمدان لتدريس قراءة الأعمال الفنيّة في برامج طلبة الصّحافة بالأقسام النّهائيّة، في إحدى الجامعات، وفي نفس الوقت كنت أقدّم التّجارب الإبداعيّة التونسيّة والعربيّة... بمجلّة "الحياة الثقافيّة" وجريدتي "لابراس" و"الصّباح" ثمّ دعتي الأستاذة عواطف بن حميدة مديرة الإذاعة الوطنيّة وقتذاك لإعداد برامج في هذا الشأن يحث الشباب على الذهاب إلى المعارض الفنيّة ويقدّم مفاهيم الفن الحديث والمعاصر ويتحاور مع الفنانين وأصحاب الكتابات والبحوث حول الفنون ومع النّاس... وسنة 2003 قال لي بعض طلبة السّنة الرّابعة في حفل تخرّجهم من المعهد العالي للفنون الجميلة بنابل أنهم جاؤوا إلى الفنون من خلال متابعتهم لهذه البرامج ! عندها شعرت أن مهمّتي ما تزال طويلة، حيث (وإن استنتجت شيئا ذات معنى) كانت النّتيجة تكوين فنّانين وأساتذة عوضا عن تكوين "جمهور" !!! لكنّ ذلك شجّعني على مزيد مراكمة الجهود في المجال.
تلاحظين إذن أنّ منطلقات المسألة ليست أكاديميّة خالصة بل ثقافيّة وإعلاميّة، ميدانيّة... تراهن على التلقّي الجمالي كضمانة لتحوّل العمل الفنّي من المرسم أو الورشة إلى الفضاء الثقافي العام ثمّ اكتساح الفضاء الإعلامي، ليصبح مساهما في صياغة الضّمير الثقافي للمجتمع وجزءا من حياة النّاس، وهذا ما نطمح إليه، حتّى لا يكون الفنّ مجرّد ترف في الصّالونات المغلقة.



2- تحضر الفلسفة بقوّة، لماذا تعتمد هذا المنطلق بالذّات في مقاربة الفنّ؟
بالعكس، أنا أنطلق من الفنّ إلى الفلسفة وليس العكس. رغم أنّ المسألة يمكن أن تكون فلسفيّة خالصة بطبيعتها. ولا ريب، عندما يتحوّل النّظر إلى إنشائيّة فكريّة، قصديّة وسيميائيّة (إذا ما استعرنا لغة جون ماري شافار)، باتّجاه صياغة "رؤية" نقديّة، لا بدّ من معاشرة أجهزة المَفهَمَة والتّجريد. وهو ما يتطلّب اطلاعا على الأجهزة المفاهيميّة الفلسفيّة في النّظريّة الجماليّة والفينومينولوجيّة ونظريّات الفلسفة التّحليليّة الأنغلوسكسونيّة التي تشتغل على تحليل اللّغة، كبنية منطقيّة. لا يكفي أن ننظر إلى العمل الفنّي من خلال ألوانه وخطوطه وعلاماته التشكيليّة والأيقونيّة وطرائق بنائه فقط، فتلك حدود المقاربة التقنيّة داخل الورشة وذلك لا يكفي. إذ على النّاقد أن يستفيد من الفلسفة بما هي مؤسّسة للتّجريد والنّقد والمفهمة، حيث الانتقال من النّظر الفيزيائي تارة، ومن التّماس الانطباعي تارة أخرى، إلى النّظر من داخل المتن اللّغوي نفسه الذي يُمنطِق العالم المدرَك ويساعدك على تشكيل العمل االفنّي داخل كيان النّصّ (فالنّقد الفنّي ماهيّة نصيّة) بما هو متكوّن من وحدات منطقيّة بعضها يؤدّي إلى بعض...
وكنت لهذا الغرض قد درست الفلسفة ثمّ فلسفة الفنّ والجماليّات، بما هي تفكير فلسفيّ في الفنّ. وبعد الأستاذيّة اتّجهت إلى المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس للتّخصّص في نظريّات الفنّ. فالفنّ قبل الفلسفة (على عكس بيان جوزيف كوسيث) ولا نظريّة للفنّ دون فلسفة، فدونها سيكون نظرنا إلى الأعمال الفنيّة سطحيّا لا يُنتج معرفة. إذ الفنّ اليوم، خطاب معرفيّ بالأساس وليس فقط حالة انطباعيّة. إنّه موقف من العالم وطريقة لإعادة ترتيب الاشياء.
ولا ريب، كما أكّد آرثر دانتو، أحد فلاسفة الفن المعاصر، إنّ التّحوّلات الأخيرة التي شهدها الفنّ في النّصف الثاني من القرن العشرين قد نشأت من داخل الإعداد الفلسفي لطبيعته المخصوصة، بما هو يتميّز عن مجموع المواضيع والأغراض التي تحيط بنا في الواقع الحسّي والتي لا تستدعي تأويلا. وفي مثال آخر، نفهم ما قصده أحد روّاد الفنّ المفاهيمي وهو جوزيف كوسيث في بيانه الموسوم بـ "الفنّ بعد الفلسفة" (Art after philosophy)، حيث أنّ ما ننظر إليه في الفن المعاصر وخاصّة المفاهيمي من أغراض وإنشاءات ماديّة معروضة أمام الإدراك الفيزيائي المباشر، ليس تمامًا ما يحدّد وجود العمل الفنّي. فما يوجد أمامنا ليس بعمل فنّي، بل العمل يوجد في الذّهن أو ما أسمّيه بالأفهوم أي في الأنا- أفهم، وليس في ما يُعرض أمامنا من أشياء نراها ونلمسها...
ومن جانب آخر، نحن اليوم نعيش مفارقة تراجيديّة، ترانا نلهف للإنخراط في الثقافة الفنيّة والجماليّة والإنشائيّة أملا في أن نحتلّ موطئ قدم في هذا العالم المتحرّك، ولكن ليس لدينا جهاز مفاهيميّ ملائم للمرحلة التّاريخيّة التي نعيش، ولا حتى جهاز اصطلاحيّ يخصّنا. فنحن نتعامل مع تجاربنا الفنيّة من خلال المفهوم الغربي للفنّ الذي صاغه فلاسفة الحداثة منذ بروز الذّاتيّة والتّذاوت أو التبادل بين الذّوات ومفهوم الجميل لا من حيث هو طبيعي بل كقيمة إنسانيّة نسبيّة مستقلّة، ومن ذلك أيضا مفهوم المعرض والمتحف. ففي تراثنا العربي الإسلامي ليس ثمّة "أعمال فنيّة" وقع إنتاجها من أجل العرض الفنيّ. بل هناك أغراض وأشياء ذات وظائف استعماليّة ونفعيّة... هناك خطوط لتدوين النّصوص وأواني ومزهريّات ودروع وزرابي ورقوش ونقوش لإكساء الجدران وتزويقها وهي صناعات حرفيّة في المعمار والأثاث... لا بدّ من الاشتغال الفلسفي والنّقدي على هذه المآزق الإشكاليّة.



3- هل استفدت من كونك فنّانا تشكيليّا لإنجاز هذا الكتاب النّظري؟
طبعا، فالكتاب ورقة عمل نابعة من التّفكير في ممكنات اللّغة التّشكيليّة كما مارستها وفي ما تهديه للفنّان والنّاقد والجمهور من إحالات على أوجه مختلفة من التّفكير في قيمة الحياة. ولا فنّ ينشط خارج التّجربة ومنطق الممارسة، حسّيّا ووجدانيّا وفكريّا. ومن ثمّة، يتوجّب على نظريّة الفنّ أن تنكبّ على دراسة روافد هذه التّجربة الإبداعيّة وهي تعيش اللّحظة الحيّة وتستشرف آفاقها. وكتشكيليّ ممارس، استفدت من الفنّ في إعداد الكتاب من خلال ثلاثة أفعال: أ- كيف أنظر وأفعل تشكيليّا في ما أنظر إليه؟ ب- كيف أعرض أعمالي أمام جمهور في فضاء ثقافي؟ ج- كيف أسترجع مسار الإنشاء الفنّي عبر المقاربة الإنشائيّة؟
فاللّحظة الأولى إبداعيّة والثانية تواصليّة تفاعليّة (أي جماليّة تراهن على الإثارة الحسيّة) أمّا اللّحظة الثالثة فهي إنشائيّة، تُواصل مسار الإبداع من خلال الفكر. لكنّ هذا المسار ليس حكرا على الفنّان بل يدعو إليه فاعلين أخَر داخل فضاء ثقافي موسّع يحثّ على مشاركة أطراف أخرى في هذه اللّعبة الإنشائيّة من نقّاد ومنظّرين وهو مجال انتقالي من الإنشائيّة الفرنسيّة (روناي باسّرون ورفاقه) إلى إنشائيّة أخرى تشاركيّة تستفيد من فنون العرض والافتعال الفنّي (Les artefacts) ويمكن أن نجدها مجسّدة في جماعة الفلسفة التّحليليّة الأمريكيّة (نالسون غودمان مثلا) وهي لحظة أنطولوجيّة. إذ المقاربات التّحليليّة التي ساعدتني في تحويل النّظر إلى نظريّة، قد أسهمت في صياغة "عالم الفن" الذي يتنفّس فيه الأثر ويعيش، بل هي تقدّم نفسها كشرط لوجوديّة العمل الفنّي نفسه في التّاريخ الثقافي.



4- كيف ترى واقع الكتابات الفكريّة حول الفنون البصريّة في العالم العربي؟
هناك نقّاد وهناك تجارب عديدة رافقت جيل التّأسيس والرّيادة منذ بداية القرن العشرين، بُعيد الثلاثينات خاصّة... ولكنّ النّقاد العرب لم يحظوا بعد بالمنزلة الملائمة.  بل وقد وقع تهميشهم وإقصاؤهم على نحو ما وقع سنوات السّتينات بتونس مع جيل التّحديث، حيث كان الفنّانون المتنفّذون في السّياسة الثقافيّة ينزعجون من النّقاد ولا يعترفون سوى بالصّحفيّين الموثقين و"الخلوقين" للتّعريف بإنتاجاتهم والدّعاية لبرامجهم الجماليّة (النّوستالجيّة ذات العلاقة بالفولكلور وما ترغب عين السّائح الأجنبي في رؤيته)... وهذا في عديد البلدان العربيّة أيضا وقد أوضحته في كتابيَّ "تشكيل الرّؤية" وكذلك "عمارة الرّؤية" (2007) و"بنية الذّائقة وسُلطة النّموذج" (2013) الذي حصل على جائزة من الشارقة في البحث النّقدي وقد أكّدت فيه أنّ النّاقد (الذي يفترض أن يؤسّس لقيم سوق الفنّ ويوجّه مساراته) ما يزال مهمّشا. ولئن أكّدت في "العمل الفنّي وتحوّلاته..." أهمية النّظر في إنشائيّة العمل الفنّي... إلاّ أنّني ساع إلى تعميق المسألة بالعودة إلى تاريخ الفنّ في ربوعنا، ضمن كتاب آخر حول إنشائيّة التّلقي نفسه وتحوّلات قاموس العلامات التشكيليّة...



5- ما الذي ينقص الفكر الجمالي العربي اليوم وأيّ أفق لتطويره؟
لا يخفى عليك أنّ المتلقّي مهضوم الحقّ في الفضاء الثقافي العربي ومن ذلك تتناسل مكوّنات أزمة الفنّ وترويجه، خصوصا ونحن نحتاج اليوم إلى تعميم ثقافة التلقي الجمالي، بداية من برامج التّربية، ونشر الثقافة النقديّة لمواجهة هذا الزّحف العولمي الذي طال مختلف ربوع العالم العربي، حيث تأتينا الأعمال الفنيّة المصنّعة في شكل ثقافة معلّبة من أقاصي الشرق والغرب ومن إفريقيا معوّقة تجذير الذّائقة الفنيّة وتطوّرها الطبيعي والتّاريخي... وهي حالة من الاغتراب فعلا، تشجّع عليه سياسة السّلعنة وتبضيع الفكر الجمالي وكذلك تضبيع العقل الثقافي.
وسنة 2006 دعانا الأستاذ طلال معلاّ إلى تكوين الرّابطة العربيّة لنقّاد الفنّ، ولكن سرعان ما وقع إجهاض المشروع. إذ الواقع العربي لم يتحمّل بعدُ منبرا دوريّا وقارّا للخطاب النقدي. فمازلنا نتحدّث عن الفنّ فنسرد أوصاف الفنّانين وسيرتهم، باحثين عن أسطرة ممكنة تبتلع موقع المتلقي والنّاقد والمنظّر وتعدمه. كما أنّ هذا الواقع ما يزال مورّطا في ثقافة الفنّان الفرد على حساب الجماليّة التّفاعليّة المتعلّقة بتشريك الجمهور.
ولكن، هناك مبادرات لإصدار الكتاب النّقدي بروح نضاليّة وهاجس وطنيّ لدى بعض النّاشرين وهناك بحوث جامعيّة وإن، بعدُ، لم تتغلغل كمستند للرّؤية في السّياسة الثقافيّة وبقيت مشدودة إلى المجال الأكاديمي، وذلك في أحسن الأحوال لا محالة. إذ المعترك الثقافي والفنّي العربي ما زال لم يستوعب بعد النّقاد العارفين وكثيرا ما يقع تعويضهم في هيئات الإعلام ولجان التّنظيمات الثقافيّة ببعض الدُّمَى أو بأطراف أخرى من خارج الممارسة الفنيّة والنّقديّة... النّاقد، المنتج والمفكّر لم يجد حظّه بعدُ والحال أنّه طرف في حداثة الفنّ في العالم وما بعد الحداثة. وهو مردّ سيطرة المفاهيم البالية للفنّ في عالمنا العربي، حيث تعتمد البرامج الثقافيّة على مفاهيم للفنّ غير ملائمة، مرتبطة بالكمالي والتّكميلي والتجميلي والزّينة... والنّتيجة، مقاربات تربط الفنّ بالتّنشيطي والتّرفيهي والمهرجاني العابر على حساب مفهوم الإبداع.
على أنّ من شأن النّهوض بالكتابات الفنيّة أن يتدارك هذه المآزق التي تمرّ بها الثقافة الجماليّة في العالم العربي في ظلّ الاستهلاك العولمي... ولنا أن نثمّن بعض المبادرات التي تقوم بها الهياكل والجمعيّات والجامعات في بعض البلاد العربيّة مشرقا ومغربا، من خلال تنظيم النّدوات المتعلّقة بالفنون وتحاول أن تطرح قيم الإبداعيّة والهويّة والتّأسيس على ضوء تحوّلات الرّاهن التّاريخي الكبير وما مدى موقع الفنّان العربي داخل الخارطة الدّوليّة... على نحو ما كنّا نتصوّره منذ سنوات ببيت الحكمة بقرطاج، أو برامج الجمعيّات التي أسّسنا ونشتغل فيها. كما يجب أن نحيّي بعض النشرات الجامعيّة والمجلاّت العربيّة المختصّة التي يسهم فيها النّاقد العربي. وها نحن، على سبيل المثال، في مجلّة فنون (التي أسّسها الكاتب البشير بن سلامة سنة 1983 وقد نجحنا في إرجاعها سنة 2012) نحاول جميعا النّهوض بالأصوات النّقديّة وترويج الثقافة الجماليّة (التّفاعليّة) فضلا عن الثقافة الفنيّة التي تقوم على إبراز إبداعيّة الأعمال الفنيّة. والأمثلة موجودة الآن في العالم العربي، رغم قلّتها، في المغرب أيضا والأردن والعراق وسوريا ومصر وبيروت والخليج العربي طبعا، الشّارقة والدّوحة ومسقط والكويت... فضلا عمّا يوجد بالمهجر من مبادرات.


مادة خاصة بمدونة "منشورات"/ أجرت الحوار: بثينة غريبي

(متساكن جديد في مدينة الكتب) "أطروحة للحياة" لـ بوران شريعتي رضوي

يصدر قريباً عن دار "الانتشار العربي" في بيروت كتاب "أطروحة للحياة" لمؤلفته بوران شريعتي رضوي (1934-2019)؛ زوجة المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي، وهو من ترجمة خليل العصامي.
نشرت رضوي الكتاب رداً على الهجوم الذي شنته صحيفة "15 خرداد" والتي اتهمت علي شريعتي بالعمالة وتحدّثت فيه الكاتبة عن محنة زوجها ومسألة الحريات عموماً.
كانت حياة بوران حافلة بالنشاط السياسي والثقافي والاجتماعي، وإلى جانب هذه الأبعاد تتناول الكاتبة شؤون الحياة اليومية مثل مهمات الأمومة وحماية أبنائها عن دوامات السياسة.



المصدر: العربي الجديد

السبت، 24 أغسطس 2019

(شمعة منشورات) أم الزين بن شيخة: الفلسفة في اكتشاف الجمال


لعلها من بين أبرز المتخصّصات عربياً في فكر الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط حيث طوّعت جهازه المفاهيمي في قراءة الفن العربي الحديث. إنها الباحثة والكاتبة التونسية أم الزين بن شيخة المسكيني، والتي لم تتقيّد باختصاصها الفلسفي بل انفتحت على كتابة المقال (الثورة البيضاء وهنا تُباع الشعوب خلسة.. مقالات في التهكّم الأسود، مع الفيلسوف فتحي المسكيني) والشعر (اضحك أيّها الدهر الشرقي) والرواية (جرحى السماء، 2012 - لن تُجنّ وحيدا هذا اليوم، 2014).
قبل ذلك لا بدّ أن نعدّ كتابات فلسفية أساسية في الفكر الجمالي العربي مثل "الفنّ يخرج عن طوره" 2011، و"تحرير المحسوس" (2014) و"الفن في زمن الإرهاب" (2016). ولها أيضاً كتاب "كانط والحداثة الدينيّة، 2015 والذي سبق وأن صدر قبل ذلك بعنوان "كانط راهنا أو الإنسان في حدود مجرد العقل".
حازت على تكريمات عدة، آخرها من "مؤسسة ابن رشد للفكر الحر في ألمانيا، ولها مساهمات عدة في الحياة المدنية والإعلامية في تونس. في عيد ميلادها، تتنمى لها "منشورات" مزيداً من التألق والإبداع الفكري والأدبي.





مادة خاصة بالمدونة



الجمعة، 23 أغسطس 2019

(ناشر في الضوء) جعفر العقيلي: أكثر من تلقّي المخطوطات وطباعتها

على الرغم من كونهم شركاء في إنجاز كل عمل إبداعي، إلا أن الناشرين كانوا دائما بعيداً عن بقعة الضوء التي يجلس فيها المؤلف وحده عادة. مدونة "منشورات" تدعوهم لحديث في الضوء


* كيف أصبحت ناشراً؟

كان ذلك بمحض الصدفة ودون قرار مسبق، وذلك على إثر شعوري بالغبن بسبب ناشر أحد كتبي. كان تقصيره في أداء مهمته واضحاً، بالنسبة لي على الأقل! وفي تلك الفترة –أتحدث عن صيف عام 2013- كان تقصير الناشرين بعامة مدار حديثي أنا وثلة من الأصدقاء الذين ساندوا مقترحي فكانت "الآن ناشرون وموزعون" مشروعاً ثقافياً في الأساس يسعى إلى أن يقدم للمؤلفين ما عجز عن تقديمه ناشرون لنا. وللتوضيح فإن الشركاء المؤسسين معي هم أدباء ونقاد ومترجمون، ويبلغ عدد إصداراتنا نحن الشركاء أكثر من 80 إصداراً أي خضنا تجارب متعددة مع ناشرين محليين وعرب قبل ان نقدم على هذه الخطوة الحميدة.

* هل تعتبر أن النشر مهنة مُهدَّدة؟

لا يمكن الموافقة على هذا الرأي تماماً، فكثير من الحرف والمهن مهددة بشكل أو بآخر ولكن لن يتوقف القراء عن القراءة، ولن يتوقف الكتّاب عن الكتابة، ولن تتوقف المطابع عن العمل، وهذا يعني أن الناشر سيظل موجودا وإن تغير أسلوب عمله، الناشر مطالب دائما بتحديث أدواته وبولوج العصر الرقمي والاستفادة من منتجاته وثورته. أنا على يقين أن الكتاب الورقي سيظل موجودا أبد الدهر، ولن يتخلى عنه القراء حتى ولو كانت نسبة الاقبال على الكتاب الإلكتروني في تزايد. هما شكلان للتلقي والمرافقة والمصاحبة، ولك منهما مريدوه ومحبوه.

* ماهي الخصوصية التي ترى أنها تميّز "الآن ناشرون وموزعون" ضمن المشهد العربي؟
يمكن القول بكثير من الثقة إن "الآن ناشرون وموزعون" مشروع ثقافي لم يضع في حسبانه بعد البعد التجاري، لهذا فإن توسّعَه عموديا وأفقياً وانتشاره في الأفق العربي هو قرار لا حياد عنه، وليس خياراً، بدافع من رسالة المشروع التي أطلقناها منذ تدشينه قبل ست سنوات. وقلنا بصريح العبارة في بيان الإشهار: المشروع تنويري لا يقتصر عمله على تلقي المخطوطات وطباعتها، بل ينتقي من الكتب ما يراه منسجماً مع رؤيته المعرفية وما يغذي العقل ويثير الساكن، وفي الوقت نفسه ينفتح على البعد الإنساني بانفتاحه على لغات عدة أذكر من بينها البوسنية والروسية والفرنسية والألبانية والكردية والباكستانية والاسبانية والانجليزية.
من أهم سمات تجربتنا في النشر حرصنا على تقديم المحتوى بشكل يليق به، وهذا يعني مستوى مهني واحترافي في التدقيق والتحرير، وكذا في التنسيق الداخلي وتصميم الغلاف (وهذا يتم بالتشاور مع المؤلف) ثم تكون الطباعة بناء على مواصفات واضحة ومحددة بالتنسيق مع المؤلف أيضاً. ولاحقاً نحتفي بالكتاب وبصاحبه بما يليق بهما، ونتعاون مع المؤلف في الإعداد لحفل توقيع أو ندوة نقدية أو أي فعالية أخرى تتعلق بالكتاب، فضلاً عن أننا نوصل الكتاب إلى نقاط توزيع في مدن عربية ونشارك في المعارض، ونتيح للكتاب للراغبين باقتناء نسخة إلكترونية عبر منصات ومواقع مشهورة على غرار أمازون. وأود أن أشير إلى أننا نقوم بعمل تشبيك حقيقي بين الكتاب والنقاد ونقترح على النقاد الكتب التي نرى أنها قد تلقى اهتمامهم، وهذه المبادرة تلقى ثناء من كتابنا وتشعرهم بالرضا وبأن خيارهم بالانضمام إلى أسرتنا الكبيرة في مكانه، بخاصة أنها تؤتي ثمارها على شكل دراسات نقدية لإصداراتهم، أو حوارات معهم، أو دعوات لمهرجانات وملتقيات عربية.

* كيف تختار المؤلفين؟ وهل توجد فئة منهم تفضّل عدم التعامل معها؟
غالباً ما تكون المبادرة من طرف المؤلف ولكننا حريصون على متابعة الأصوات اللافتة من خلال وسائل الإعلام واللقاء بهم في معارض كتب، وأيضاً من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. عندها تبدأ أحاديث بيننا قد تنتهي باستقطابهم للنشر من خلالنا، وقد حدث هذا عشرات المرات خلال العمر القصير لهذه الدار. ليس هناك من قائمة سوداء مسبقة بأسماء كتاب لا نحبذ التعامل معهم، ولكنني عموماً أفضل عدم التعامل مع أصحاب الأنا المتضخّمة والغرور المؤذي.

* هل تتابع ما يكتب عن كتب الدار في الصحافة العربية؟ وما هو تقييمك لهذه الكتابات؟
طبعاً نحن نتابع جميع ما يكتب عن إصدارات الدار، ومن حسن الحظ أن الشركاء المؤسسين لهذه الدار جاءوا من خلفية إعلامية، وتحديدا الاعلام الثقافي، وهذا ما وفر لنا شبكة واسعة من الإعلامين العرب المتحمسين للتجربة، والذين يمدون أذرعهم عوناً لها. الى جانب التناول الخبري أو المتابعات الصحفية الكثيرة التي تحظى بها إصداراتنا‘ هناك تناول نقدي يمكن تقييمه بالجيد، ولكن لنعترف أن حال النقد العربي لا يسر كثيرا، وأن النقاد لم يعودوا قادرين على مواكبة المنجز الأدبي.

* ماذا تشعر حين يقرصن كتاب أصدرته الدار؟
أشعر بالغيظ لأنه سطو على حق الناشر المادي وحق المؤلف المادي والمعنوي، هذه سرقة موصوفة ونحن نعاني منها ورغم أن هناك تشريعات سنت في بعض الدول العربية لتجريم هذا السلوك إلا أن إجراءات التقاضي معقدة وتتسم بالبيروقراطية، فضلاً عن أن العرب لم يصلوا بعد إلى مرحلة يعترفون فيها بالحق المعنوي مثلما يعترفون بالحق المادي.
ظاهرة القرصنة واستنساخ الكتب في حالة تزايد مستمرة عربياً ولم تعد تقتصر على دولة بعينها، وحجج المقرصنين واهية لكن أياديهم طويلة، ولديهم من المخارج الكثير مستعينين بالثغرات القانونية وبخبرات المحامين الذي يترافعون عنهم بالقضايا المتصلة بالملكية الفكرية. ولأكن صريحا، نحن بحاجة إلى جهود جبارة لمحاصرة هذه الظاهرة التي تهدد صناعة الكتاب العربي وتجعلها في مهب الريح. 

* ما نوع الكتب التي تقرأها بعيداً عن العمل؟
أقرأ بشكل يومي في الفلسفة، والفكر، والسرد، بخاصة اليوميات والمذكرات. أنا أصلاً كاتب صدر لي 15 كتابا في الشعر والقصة وحوارات الأدب والثقافة والبحث والدراسات.



إضاءة على الدار 
"الآن ناشرون وموزعون"، دار نشر وتوزيع، تأسست في الأردن بمبادرةٍ من عدد من الكتّاب والمثقفين والإعلاميين في أواخر عام 2013، وهي تمثل مشروعاً ثقافياً يُعنى بالثقافة المدنيّة، والتنوير، والحوار مع الآخر، والتشارك الإنساني.
تسعى الدار للارتقاء بصناعة النشر، وتعميم القراءة، وتوطين المعرفة، من خلال شبكة للتواصل مع المؤلفين والمثقفين العرب، وبناء جسور مع القراء في البلدان العربية، والقراء العرب في بلاد الاغتراب والمهجر.
تُولي الدار عنايةً فائقة بإصداراتها شكلاً ومضموناً، وتتولّى من خلال فريق من المحترفين جميع مراحل صناعة الكتاب، بدءاً من تقييم المحتوى ومراجعته وتطويره، مروراً بالتدقيق والتحرير اللغوي، وليس انتهاءً بالتنسيق والإخراج الفنّي وتصميم الغلاف، بما يحقق جودةً تروم منافسة الكتاب العالمي.
وتنطلق الدار في مشروعها الثقافي التنويري من إدراكها لأهمية فعل القراءة ورقياً وإلكترونياً، إذ تصنع شراكة مع المؤلف، تعرّف به وبمنتجه، وتوثق ارتباطه بالقراء والشريحة المثقفة والإعلاميين، كما تعرض أعماله على موقعها الإلكتروني، وعلى المواقع الثقافية الصديقة، وتضيء تجربته عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال المعارض ونقاط البيع والتوزيع، وتقنيات الاتصال الحديثة، ووسائل الإعلام بوسائطها المتعددة.
تعنى الدار بالتجارب المبشّرة والواعدة، وقضايا المرأة وأدب الطفل، والكتابة المتخصصة في الحقول المعرفية المختلفة، وتسعى لتسليط الضوء على القضايا المهمة من خلال الحوار والتركيز على الفعل النقدي، بإشراك المثقفين في ندوات ومؤتمرات لقراءة الظواهر الثقافية والاجتماعية والفنية علمياً ومعرفياً. وهي تتواصل مع وسائل الإعلام المقروءة والبصرية والسمعية، للترويج للكتاب ومؤلفه معاً، وتوظّف قاعدة بيانات واسعة لهذه الغاية.
وتنوّع الدار في إصداراتها لتشمل طيفاً واسعاً من العلوم والمعارف الإنسانية، وتفتح باباً على الترجمة من وإلى أكثر من لغة، كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والبوسنية والصربية، وتطلق مشاريع معرفية وتنويرية تُجمَع خلاصاتُها في كتبٍ ضمن سلاسل متخصصة.
تشارك الدار بفعاليات ثقافية، ومعارض عربية ودولية، إلى جانب معارض الرصيف الشعبية. وقد وقّعت اتفاقيات شراكة وتعاون لتبادل الإصدارات وتوزيع الكتب، مع مؤسسات عربية متخصصة في سلطنة عُمان، وفي جمهورية مصر العربية، وفي فلسطين، ويذكر أن عددا من الكتب الصادرة عن الدار نالت جوائز محلية ودولية في مجالات مختلفة.
"الآن ناشرون وموزعون" عضو فاعل في اتحاد الناشرين الأردنيين، وعضو في اتحاد الناشرين العرب.

الثلاثاء، 20 أغسطس 2019

(كتب العالم) "بيتهوفن.. الثائر بلا هوادة" لـ جون كلوب

في عام 1816، رفع الموسيقار الألماني لودفيج فان بيتهوفن (1770 – 1827) دعوى للحصول على حضانة ابن شقيقه الراحل، وحين التبس اسمه على القضاة عُرضت القضية أمام محاكم النبلاء، قبل أن يكتشف الأمر ويحوّل مرّة أخرى إلى محكمة العامّة في ظلّ قانون لم تكن فيه المواطنة متساوية بين الجميع.
لم تشكّل هذه الحادثة سبباً أساسياً في رفض صاحب "السيمفونية التاسعة" للأنظمة الملكية في أوروبا آنذاك نتيجة اضطهادها السياسي والطبقي، بل كان تمردّه أسبق بكثير عبر تأييده للعديد من التيارات الثورية في عصره، وانعزاله في فترة متأخرة من حياته صالونات الطبقة البرجوازية.
"بيتهوفن: الثائر بلا هوادة" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن منشورات "دبليو. دبليو. نورتون آند كومباني" للباحث والمؤرخ الفني جون كلوب، الذي يعود إلى سنوات الشباب الأولى من حياة الموسيقار في مدينته بون حيث طغت الأفكار الراديكالية على حديث المقاهي والجامعات في تلك الفترة.
من الأجواء الليبرالية التي عاشتها بون إلى حدٍ كبير، آنذاك، انتقل صاحب "سوناتا ضوء القمر" إلى مدينة فيينا المحافظة. التي كانت عاصمة إمبراطورية هابسبورغ التي كان حكّامها يمارسون القمع السياسي تجاه معارضيهم ويفرضون رقابة شديدة على جميع سكّانها.
يربط المؤلّف بين موسيقى بيتهوفن وبين إيمانه بالتنوير ومبادئ الثورة الفرنسية وإعجابه بشخصية نابليون بونابرت وصعوده المتسارع في مواجهة الملكيات التي كان مؤمناً بزوالها وبزوغ جمهوريات تحترم مواطنيها على أساس من العدالة، لكن السعي إلى تأمين لقمة العيش حال دون أن يعبّر عن آرائه.
يحلل كلوب أفكار الموسيقار الألماني من أفكاره من خلال موسيقاه، وتحديداً السيمفونية الثالثة (أو سيمفونية البطولة) التي ألفها عام 1803، وتشير العديد من الروايات أنها كانت مخصّصة في البداية لنابليون، وكذلك العمل الأوبرالي الوحيد الذي ألّفه تحت عنوان "فيديليو" عام 1805.
كلا القطعتين تعتبران مؤلّفات ثورية في موضوعها وبنيتها الموسيقية قياساً إلى تلك الفترة، وبحسب العديد من المعطيات وتحليل بعض الحوادث، يخلص الكتاب إلى أن بيتهوفن توازي أفكاره الثورية ما قدّمه كلّ من فريدريك شيلر ويوهان غوته وجورج غوردون بايرون وألفيكونت دوشاتوبريان وفرانشيسكو غويا.


المصدر: العربي الجديد

الثلاثاء، 13 أغسطس 2019

(شمعة "منشورات") عبد الهادي سعدون: بغداد - مدريد، ذهاباً وإياباً

كأن جسوراً قد قُطعت بين الجزيرة الإيبرية والعالم العربي منذ سقوط غرناطة نهاية القرن الخامس عشر. كل طرف التفت إلى اتجاه في التاريخ والجغرافيا واللغة والأدب.
بقي الحال كذلك إلى زمن قريب، مع اكتمال جهاز الترجمة لينقل شيئاً مما يُكتب بالإسبانية إلى العربية، والعكس. من بين أبرز هؤلاء المترجم العراقي عبد الهادي سعدون، فبفضله بات الشعر الإسباني المعاصر، خصوصاً، متاحاً للقارئ العربي. لنذكر له أنه ترجم "الأغاني الغجرية" لـ فيدريكوغارثيا لوركا، ومختارات من شعر بيثنته ألكساندر صدرت بعنوان "الحجر ليس بريشة"، دون أن ننسى "مائة قصيدة وقصيدة من الشعر الإسباني الجديد"، و"رقة ماء يتبدد بين الأصابع - أنطولوجيا شعرية: 66 شاعرة إسبانية معاصرة".
وإذا كان الأدب الإسباني يتميّز بأعمال شعرية جميلة للغاية، فإنه يقترح أيضاً نصوصاً رائعة في السرد، بألعاب تخييلية رائقة وبنى تختلف عما تقترحه الآداب الأخرى. وإذا كان عبد الهادي سعدون المترجم قد ركّز على الشعر، فإنه لم يحرم القارئ العربي من النهل من عيون السرد المكتوب بالإسبانية، بشيء من الترجمة، ولكن خصوصاً حين كتب بنفسه أعمالاً سردية، تلك التي يستطيع قارئها أن يميّز نكهتها الخاصة.
ومن نتاجه السردي نذكر: "اليوم يرتدي بدلة ملطخة بالأحمر" (مجموعة قصصية)، ورواية "مذكرات كلب عراقي". ما أجمل أن نقرأ لكاتب في عيد ميلاده. 

مادة خاصة بمدونة "منشورات"

الاثنين، 12 أغسطس 2019

(شمعة "منشورات") طارق إمام.. عوالم بطعم الابتكار الأدبي

من خلال إضاءة سريعة، تشعل مدونة "منشورات" شمعة لكاتب عربي في يوم عيد ميلاده، عسى أن يشاركه قرّاؤه ومحبّون لحظة في حياته الشخصية كما يشاركونه عوالمه التخييلية



منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، بدأت ملامح جيل أدبي جديد تظهر في الساحة السردية في مصر. أصوات قريبة من أدوات الكتابة الحديثة التي نشأت في الأصل كاستجابة للتعبير عن تحوّلات الواقع وتعقيداته. 
ضمن هذا الإطار، ظهر طارق إمام من خلال جنس القصة القصيرة أولاً؛ "طيور جديدة لم يفسدها الهواء" (1995)، وهو جنس أدبي اختار أن يستمر فيه لفترة قبل أن يخوض التجربة الأوسع مع رواية "شريعة القطة" (2003)، وبعدها راكم الإصدارات، لعلّ أبرزها: "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس" (2012)، و"مدينة الحوائط اللانهائية" (2018)، وقد نالت معظم هذه المؤلفات بجوائز، ولعلّ ما يحسب لطارق إمام يعرف أنه عرف كيف يكون كاتباً متجدداً على الرغم من موقعه كصاحب العديد من الجوائز الأدبية، والتي كثيراً ما كانت سبباً في طمأنينة البعض بالتوقف عن البحث عن أدب مختلف، عن الآخرين.. وعما كتبه بنفسه سابقاً. 
يحتفل اليوم طارق إمام بعيد ميلاده، كما يحتفي بإطلاق رواية جديدة منذ أيام، بعنوان "طعم النوم"، ورغم أنها مولود جديد إلا أنه صوتها عرف كيف يشقّ طريقه بين زحمة الروايات، نسمعه (أو بالأحرى نقرأه) في ردود أفعال إيجابية كثيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن القرّاء الأوائل الذين يدعوننا إلى خوض تجربة العالم التخييلي الذي يقترحه إمام. ولعلّ أفضل ما نقدّمه لكاتب يوم عيد ميلاده أن نقرأه.

مادة خاصة بمدوّنة "منشورات"

(صوت القارئ) عن "تأملات عن الأدب الروسي" لـ فلاديمير ياكوفليفيتش لينكوف - عبدالله عواجي


أحب في البداية أن أنتهز هذه الفرصة في مقدمة المراجعة لتقديم جزيل الشكر و العرفان للمترجمين و عملهم، فمع أن النص هو نص الكاتب و لكن اللغة هي لغة المترجم (أي: العربية). أعمال الترجمة تبقينا على صلة واتصال بآخر النتاجات الثقافية العالمية فهي بذلك مهنة تستحق الإشادة و الدعم.
لماذا اخترت هذا الكتاب؟ السبب في اختياري قراءة "تأملات عن الأدب الروسي"* هو رغبتي في أن ألم بصورة موجزة عما وراء النصوص -بمجرد عن كونها نصوص أدبية / روائية و ما يقف خلفها من خلفية فكرية أدت لظهورها إلى السطح بهذا الشكل وبهذه التركيبة.
لأنّ قراءة الأدب قد تكون أحياناً قراءة عابرة تكتفي بالظاهر من النص الأدبي وتستمتع بالقصة وأحياناً ننتقل لأبعاد أكثر عمقاً فنحلل النص من ناحية لغوية بلاغية ونطيل التأمل في الحبكة  الأبطال والعقدة والحل؛ وتارةً نرغب في التعمق لدراسة الأيديولوجيا الفكرية التي تقف خلف النص وعقلية كاتبه وهذا ما رغبت فيه بالنسبة للأدب الروسي، خصوصاً لكوني لست منغمساً في القراءة الفعلية لهذا الأدب.
يتبع الكتاب منهجية تحليلية تفكيكية و تسلسلاً تاريخياً يبدأ من أقدم الأدباء الروس في القرن التاسع عشر وهو غوغول، و ينتهي بـ بونين، يحلل النصوص الأدبية للكتاب من خلال اقتباس أهم المقتطفات من الروايات التي كتبوها ثم يمزج ذلك بالعقيدة الفكرية التي كان يعتنقها هؤلاء وكيف أثرت على الحبكة الروائية لديهم ونوعية الحوارات وشخصيات الأبطال الرئيسية.
أهم ما يمكن استخلاصه من الكتاب هو تأثر نوعية الأدب بالأوضاع الفكرية والاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك في روسيا وانعكاس لتفكير النخب و العامة. لا يمكن فصل ذلك عن النصوص الأدبية التي ظهرت سواء في "الحرب و السلم" أو "الإخوة كارامازوف" كأهم عملين رئيسيين لتلك الحقبة - عن الحوارات المجتمعية و المخاضات الفكرية العسيرة التي كان يمر بها المجتمع الروسي آنذاك و التي بلا شك شكلت منعطفاً فارقاً بالنسبة للأيديولوجيات التي سيتبناها المفكرون الروس و من بعدهم السياسيون و عامة الناس في القرن اللاحق لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الجغرافي لروسيا وكيف أن متاخمتها لحدود أوروبا الشرقية هي ما عجّل بانتقال الأفكار الأوروبية التي تم تداولها في عصر الأنوار في القرن الثامن عشر و في فلسفة هيغل وغيره من الفلاسفة الرائدين في ذلك العصر.
من ناحية ثانية كان الأدب آنذاك انعكاساً للأوضاع الاجتماعية من حيث الطبقية الموجودة و النظرة الدونية للآخر الأقل في المال والمقام وهذا واضح في مختلف الروايات. على سبيل المثال روايتي"*الفقراء" أو "مذلون مهانون" أو رواية "المغفلة" لتشيخوف. وتعرّض تولستوي في عمله الرئيس "الحرب و السلم" للطبقة الارستقراطية الروسية بشيء من التفصيل. كل ذلك يعكس العقلية المجتمعية الروسية آنذاك التي كانت الطبقية فيها شيئاً واقعياً و متقبلاً وكوضع طبيعي قائم كانت الروايات تشرحه مع بعض التلميحات لعدم صوابيته.
بوشكين الشاعر الفذ المنحدر من أصول أرستقراطية امتلك الشجاعة لينتقد الطبقية في أعماله الشعرية وفي رواياته التي اختار لزيجاته أبطالاً من طبقات غير متساوية كرواية "ابنة الضابط".
يدور أيضاً في المخاض الفكري الروسي العنيف كما يبدو والذي أظهره الأدب التقلبات بين الشك والايمان واليقين واللايقين كنتيجة للتأثر بالأفكار التي هبت من الشرق وهي أفكار عصر الأنوار كما أسلفنا، أفكار التمرد ضد الكنيسة واستبدادها والخروج من عباءتها و طرح السؤال حول حقيقة الإيمان مقابل فلسفة الوجودية / العدمية.
لقد حاول الكتاب الروس في تلك الفترة التصدي بالمعالجة لتلك الأفكار كما فعل ذلك تولستوي ودويستوفسكي اللذان حاولا أن يطعموا قصصهم ببعض الشذرات الدينية أو الأخلاقية. لا ننسى طبعاً أن فكرة أنه ليس بالضرورة أن يكون للأخلاق أساس ديني كانت حاضرة بقوة في تلك الفترة.
من الجيد أن نذكر و نضع هذا الجانب لمزيد من التحليل والتأمل أثر الأدب في سيرورة التاريخ بما يحمله من قوة تأثير على الفكر ومن ثم على السلوك وعلى خط التاريخ. لاحظنا كيف استطاعت الماركسية و الشيوعية التي استفادت كثيراً من العمل الأدبي أن تكون قوة ضاربة غيرت وجه التاريخ. كذلك بالمثل غيرها من الأفكار التي شكلت المخاض الفكري في القرن التاسع عشر.
إن الأفكار المنتصرة ستغير سيرورة التاريخ و سيكون الأدب وقودها في بعض الأحيان كما في حالة المجتمع الروسي.

* نقل هذا الكتاب إلى العربية المترجم العراقي تحسين رزاق عزيز، وقد صدر عن "ابن النديم" و"الروافد الثقافية" ضمن سلسلة "نديم الترجمة"

المصدر: غودريدز
غودريدز

الأحد، 11 أغسطس 2019

(ضيف منشورات) حيدر جمعة العابدي: مرايا للسرد العراقي

بعمليه اللذين صدرا في 2017؛ "الأنساق الواقعية والرمزية في الرواية العراقية ما بعد 2003"و"التمثلات الدلالية في القصة العراقية ما بعد 2003"(منشورات دار الفؤاد)، كأنها وضع الباحث العراقي حيدر جمعة العابدي موسوعة للسرد في عراق العقدين الأخيرين. كان العابدي قد نشر قبل ذلك بحوثاً ودراسات عديدة في مجالات علم  الاجتماع والمسرح والشعر والنقد الأدبي والثقافي، وهو إلى ذلك عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وعضو اتحاد الصحفيين العراقيين، ومسؤول القسم الثقافي في المركز الثقافي العراقي في اليونان. مدوّنة "منشورات" استضافته في هذا الحديث.

* كيف تقدّم انشغالاتك كمؤلف؟
يمكن القول بأن الواقع الثقافي بشقيه المعرفي والجمالي في العالم العربي هو ما يشغلني، ومن وراء ذلك الواقع السياسي لما يشكله من تأثير اجتماعي ونفسي واضح على حياة الشعوب التي تعاني هي الأخرى من تمركزها خلف أنساق ثقافية ماضوية متحجرة أنتجت لنا نخباً سياسية غير قادرة على إنتاج واقع سياسي وثقافي سوي وفاعل لذا بات واقعاً يكتنز بالإشكاليات الثقافية والاجتماعية.

* لو تقدّم عمليك الذين صدر كلاهما في 2017؟
في كتاب "الأنساق الواقعية والرمزية للرواية العراقية ما بعد 2003" بينت أبرز الخصائص الفنية والجمالية والثقافية الجديدة التي ظهرت بها الرواية العراقية ما بعد 2003، وفيه ناقشت 25 عملاً روائياً. أما كتاب "التمثلات الدلالية للقصة العراقية الحديثة ما بعد 2003" فقد تناولت من خلاله 16 مجموعة قصصية حديثة بينت من خلاله التمثلات الدلالية الجديدة وكيفية تشكلها.

* كيف ترى هذين العملين اليوم؟
ربما شعرت في لحظة إصدارهما بالسعادة لكن سرعان ما تبدد هذا الإحساس وانتابني القلق من سؤال معرفي  أساسي في حياة كل كاتب يمتهن الثقافة المعرفية وهو وماذا بعد ذلك؟ لا اعتقد أن الوصول إلى درجة تلرضا مهما حقق العمل من نجاح عامل صحة للكاتب.

* هل تفكّر في كتاب قادم؟ 
غالبا سيكون في إطار البحث والتحليل عن المرجعيات الأدبية الحديثة للرواية العراقية والعربية.  

* هل تعتقد بوجود شخصية ثقافية أثرت فيك؟
هناك شخصيات كبيرة ومهمة أثرت بشكل مباشر على طريقة تصوري للثقافة إضافة إلى كونها شخصية تمكنت من تغيير وتطوير الوعي الإنساني والمعرفي، إنه أبو العلاء المعري. هو أكثر الشخصيات غموضا وأكثرهم حضورا أدبيا ومعرفيا من خلال شعريته التي تمزج الأدب في الفلسفة كما أن إرادة الحياة فيه تتجلى من خلال رؤيته المعرفية التي تخطت ضعفه. أعتبره أيقونة ثقافية لكل العصور. 

* إلى ماذا تتطلع من خلال جهدك الثقافي؟
أن تعي وتفهم كل شعوب العالم أن خلاصها هو هويتها الإنسانية الجامعة العابرة للحدود المادية والاجتماعية وملاذها الأخير من وحشية وأطماع المصالح البشرية الشخصية لذا أحلم بعالم بلا عصبيات عرقية ودينية وهو حلم ليس من الصعب تحقيقه لو علمنا حجم التطور المعرفي الحاصل.    

مادة خاصة بمدونة "منشورات"

(متساكن جديد في مدينة الكتب) "مجتمع القرن الرابع في مؤلّفات أبي حيّان التوحيدي" لـ وداد القاضي / دار المشرق

عن "دار المشرق"، صدر حديثاً كتاب "مجتمع القرن الرابع في مؤلّفات أبي حيّان التوحيدي"، للأكاديمية وداد القاضي بتحرير بلال الأرفه لي. يدور الكتاب حول الصورة التي رسمها أبو حيّان التوحيدي لمجتمعه في القرن الرابع الهجريّ/ العاشر الميلادي، وهي صورة شديدة الحيويّة، مليئة بالتفاصيل الدقيقة التي يتفنّن صاحب "الإمتاع والمؤانسة" في وصفها، قد باتت مرجعاً بالنسبة للمؤرخين على الرغم من أن مؤلفها لم يكن يبتغي وضع كتاب في التاريخ. ووفقاً للكاتبة، فقد ساعد التوحيدي على رسم تلك الصورة سفرُه بين مدن العراق والحجاز وبلاد فارس.

المصدر: العربي الجديد

الأربعاء، 7 أغسطس 2019

(النص من يد مترجمه) سعيد بوكرامي عن "رسائل السجن" لأنطونيو غرامشي

تحاول "منشورات" إضاءة تلك الغرفة المعتمة التي يشتغل فيها المترجم حيث تعود إليه لتسأله عن خياراته وتجربته مع هذا النص أو ذاك. هذه المرة نقدّم ترجمة سعيد بوكرامي مع "رسائل السجن" التي صدرت منذ سنوات عن "طوى" وتصدر لها طبعة جديدة قريباً عن "صفحة سبعة".



* كيف فكّرت في ترجمة هذا الكتاب؟
لم أكن أخطط في البداية لترجمة رسائل غرامشي، لكن بعد قراءتها واستغرابي غياب ترجمتها، قررت ترجمة الرسائل التي كان يرسلها إلى أمه. وبعدها بدأتُ بترجمة الرسائل الأخرى.

* كيف وجدت المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي من خلال رسائله؟ 
تعرّض غرامشي في 1926 للاعتقال من طرف النظام الفاشي الايطالي ووضع  أولا في سجن ريجينا كولي وبعده في سجن أوستيكا في عزلة تامة. ثم نقل في الأخير إلى تورينو وفورميا ليتنهي ميتاً في إحدى مصحات كويزيانا. خلال هذه الفترة كان يكتب رسائله، كانت قدراته الفيزيولوجية هشة، لكن روحه النبيلة وذهنه الوقاد كانا شعلتين من العطاء الفكري والانساني.

* كيف تقيّم حضور أعمال غرامشي في العربية؟
هناك حضور قوي لكتابات غرامشي، وترجمات قديمة وحديثة لدفاتره السياسية. كما أنجزت حول أعماله دراسات عديدة.

* هل تفكّر مستقبلاً في الترجمة لغرامشي من جديد؟قام المترجم السوري أمارجي بترجمة رسائل غرامشي عن الإيطالية. وأعتقد أنها أعفتني من مواصل ترجمة الرسائل الموجهة لأفراد عائلته وأصدقائه. أعتقد أنها ستكون جيدة، وبذلك فما من داع للاشتغال عليها مرة أخرى.

* كيف تقيّم تلقي القارئ العربي لرسائل غرامشي؟كانت التلقي رائعاً، كما أن ترجمتي نبّهت إلى وجود رسائل أخرى لغرامشي. وبذلك فقد حفزت الناشرين والمترجمين على استكمال ترجمتها وفي ذلك فائدة للقراء والدارسين المهتمين بكتابات غرامشي.


مادة خاصة بمدوّنة "منشورات"

(متساكن جديد في مدينة الكتب) "تهمة اليأس" لـ أرتور شوبنهاور بترجمة الطيب الحصني / صفحة سبعة

بسبب "تهمة اليأس"، ربما، كثيراً ما نفر القرّاء من كتابات الفيلسوف الألماني أرتور شوبنهاور (1788 - 1860)، لكن بالخصوص بسبب صرامة أفكاره وبناءاتها المعقدة والمتينة، قطيعتها مع الفكر الأكاديمي والتعليمي.
في كتاب حمل عنوان "تهمة اليأس"، تحديداً، نتعرّف على وجه آخر لصاحب "العالم كإرادة وتمثّل"، ليس ذلك الفيلسوف الذي يأتي ليعيد بناء كل شيء، بل نحن أمام شخص يتحدّث ببساطة عن كل ما حوله: الانتحار، المرأة، المجتمع، النفسيات البشرية وتلوّناتها، الخلود وغير ذلك. إنه عمل فلسفي، لكن علينا أن نفهم  الفلسفة باعتبارها تأمّلاً في الحياة، وليس بالضرورة صناعة (ثقيلة) للمفاهيم على ما يذهب إليه المفكر الفرنسي المعاصر جيل دولوز.
العمل من ترجمة الطيب الحسني، ولعله فرصة للقارئ العربي كي يكتشف هذا الفيلسوف الألماني الذي طالما بقي في ظلّ من أثّر فيهم: فريديرك نيتشه، ليون تولستوي، خورخي لويس بورخيس، فرانتس كافكا، إيميل سيوران (...).
العمل صدر مؤخراً عن "صفحة سبعة للنشر"، ولعله من الجيّد أن تختار دور النشر الناشئة مؤلفين غير مكرّسين، فتشقّ لهم طريقاً نحو القارئ العربي. كما لا يفوتنا التنويه بالخيارات التصميمية الموقفة من صورة الغلاف إلى توليفة الخطوط المعتمدة فيه.

مادة خاصة بالمدوّنة

(منتخبات صحفية) توني موريسون.. حين أُغمضت العين الأكثر زرقة

بعد معاناتها من مضاعفات الالتهاب الرئوي، توفيت عن 88 عاما الأديبة توني موريسون، أول امرأة أميركية سمراء تحصل على جائزة نوبل للآداب عام 1993، والتي عرفت بمواقفها المناهضة للعنصرية والاضطهاد والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وتعد موريسون واحدة من أعظم روائيي أميركا، وفازت روايتها "محبوبة" بجائزة بوليتزر عن فئة الأعمال الخيالية عام 1988، قبل خمس سنوات من منحها جائزة نوبل في الآداب، وحصلت على وسام الحرية الرئاسي عام 2012، وهو أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة من قبل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
وأسهمت موريسون بأعمالها الأدبية في رفع التعددية الثقافية الأميركية للمسرح العالمي، وإعطاء دفعة كبيرة لما يطلق عليه "أدب السود"، وكشفت عن حقبة مظلمة لماضي بلدها، وتناولت تاريخ السود في الولايات المتحدة في أعمالها التي مزجت فيها الأدب الأفريقي وفولكلور العبيد مع نصوص الإنجيل والدراما القصصية.
وبخلاف "محبوبة" التي ترجمت إلى العربية والفرنسية والإسبانية والألمانية والإيطالية، كتبت موريسون أيضا روايات: "العين الأكثر زرقة" و"أغنية سليمان" و"طفل القطران" و"سولا"، وعملت على تحرير مذكرات الملاكم الأميركي المسلم محمد علي كلاي.
وقالت في محاضرة تكريمها بجائزة نوبل إن السرد لم يكن مجرد ترفيه بالنسبة لها، بل "هو في اعتقادي إحدى الطرق الرئيسية التي نستوعب بها المعرفة".
وعملت موريسون في كتابة قصص الأطفال وتحريرها، واعتبرت واحدة من النساء السوداوات القلائل في صناعة النشر، وتبنت الدفاع عن مؤلفي الروايات الناشئين وساعدت في تعريف القراء الأميركيين إلى الكتاب الأفارقة، مثل أديب نوبل الشاعر النيجيري وول سولينكا.
وعرفت موريسون بمواقفها المناهضة للعنصرية، وفي مقابلة لها قالت "أنا لا أكتب انتقاما من العنصرية بل لتغيير اللغة إلى لغة لا تنتقص من الناس"، ووصفت إسرائيل في رسالة وقّعت عليها عام 2006 مع كتاب آخرين، بأنها "دولة فصل عنصري".
ونددت الرسالة بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين، مؤكدة أن العدوان الإسرائيلي احتلال غير شرعي، واعتبرت الرسالة -بلغتها الحازمة- واحدة من أقوى المواقف التي وقع عليها نخبة من المثقفين والكتاب.
وفي تغطيتها لخبر وفاة الروائية الأميركية، اعتبرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية أن موريسون اشتهرت بالحديث عن آرائها في عدة موضوعات، بما فيها ازدراؤها لسياسات الحكومة الإسرائيلية.
ولفتت الصحيفة الإسرائيلية النظر إلى أن بيان 2006 الذي وقعت عليه أديبة نوبل الراحلة كان ينتقد المعايير المزدوجة للغرب الذي يصمت على وجود ما يقرب من عشرة آلاف فلسطيني في السجون الإسرائيلية، بينما يغضب فقط لخطف حماس الجندي جلعاد شاليط.
وانتقد البيان الذي وقعت عليه موريسون "الاحتلال العسكري غير الشرعي للضفة الغربية، والاستيلاء المنهجي على مواردها الطبيعية -ولا سيما المياه- من قِبل قوات الدفاع الإسرائيلية"، واعتبر أن "الهدف السياسي لإسرائيل هو تصفية الأمة الفلسطينية".
اعتبرت موريسون واحدة من المؤلفين الأميركيين النادرين الذين حققت أعمالهم نجاحات أدبية ونقدية وتجارية على حد سواء، إذ بقيت رواياتها بانتظام في قائمة أكثر الكتب مبيعا لدى صحيفة نيويورك تايمز، وكانت موضوع دراسات نقدية كثيرة.
وكأكاديمية وعضوة هيئة تدريس في جامعة برينستون، حاضرت موريسون على نطاق واسع، وشوهدت كثيرا على شاشات التلفاز بحسب الصحيفة الأميركية.
وبررت الأكاديمية السويدية منحها جائزة نوبل عن رواياتها، بأنها تميزت ببصيرة قوية واقتباسات شعرية وكشفت من خلالها عن "الحياة في جانب أساسي من الواقع الأميركي"، ويظهر في أعمالها الماضي من خلال الحاضر المروع، في عالم مليء بتفاصيل الإدمان والخمور والاغتصاب وسفاح المحارم والقتل.
وفي رواياتها، تعتمد موريسون على تقنية تعدد الأصوات الأدبية، وتختلط فيها أصوات الرجال والنساء والأطفال وحتى الأشباح، ويتشابك في أدبها الواقع المؤلم مع الأساطير السحرية والخرافات، ولهذا جرى تشبيهها بمدرسة الروائيين اللاتينيين من كتاب الواقعية السحرية، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.
وكانت الراحلة قد كتبت روايتها الأولى "العين الأكثر زرقة" عام 1970 في أوقات بينية مسروقة من وظيفتها محررة وحياتها الاجتماعية أما لابنين شابين، وقالت عن هذه الفترة إنها اعتادت على الكتابة على قصاصات الورق وأوراق الفنادق وفي السيارات.
وفي العقدين الأخيرين، ركزت على الكتابة للأطفال، وظهرت في الحياة العامة وفي الحملات الانتخابية لتدعم المرشحين الديمقراطيين ضد خصومهم الجمهوريين، واعتبرت وصول ترامب للبيت الأبيض مؤشرا على عدم تعافي الولايات المتحدة من العنصرية.

المصدر: الجزيرة

(منتخبات صحفية) "الكتّاب في السياسة" لـ نغوجي وا ثِيُنْغو: أي فريق تختار أيها الكاتب؟ - نوال العلي

يضمّ عمل الكاتب الكيني نغوجي وا ثِيُنْغو (1938) "الكتّاب في السياسة: إعادة إشراك قضايا الأدب والمجتمع" مجموعة من المقالات التي كتبها بين عامي 1970 و1980 وتعكس بعض القضايا التي شغلته في سبعينيات القرن الماضي، والتي يمكن تلخيصها في سؤال واحد: ما علاقة الأدب بالحياة؟ سؤال شغل وا ثِيُنْغو وقاده إلى حقول شتى من الثقافة إلى التعليم واللغة والأدب والسياسة.
وخلال ذلك نتعرّف على بعض من يوميات الكاتب في نقاشاته في جامعة نيروبي التي كان يعمل بها، أو انغماسه في الحياة الثقافية وعلاقته بالعمال والفلاحين في ليمورو. بالنسبة إلى وا ثِيُنْغو حمل عقد السبعينيات تغيرات كبيرة في بلاده، وحين مرّ منها كان قد اتخذ قراره بأن يتحوّل من أستاذ إلى تلميذ لدى الفلاحين والعمال. وكانت النتيجة هجرة فكرية قام بها وا ثِيُنْغو من كلية الأدب ومن الثقافة الأفروسكسونية معيداً التواصل مع جذوره الوطنية والتقاليد المحلية، ومعيداً أيضاً قراءة الأدب الوطني والثقافة الشعبية المتجذرة في كينيا.
بترجمة عهود المخيني، صدر مؤخراً هذا الكتاب بالعربية عن داري "الروافد الثقافية" و"ابن النديم". يصدّر الكاتب عمله بإهداء إلى الشاعر الكوري كيم شي ها، أحد أبرز شعراء كوريا الجنوبية، والذي سُجن لمدة 39 عاماً نتيجة لأفكاره السياسية وقصائده التي كانت تستفز النظام. كما يهدي العمل أيضاً إلى كل كتّاب كينيا وإلى أي مكان آخر رفض أهله الخوف والصمت اللذين تفرضهما ما يُسميه "الثقافة الكولونيالية الجديدة".
يلفت الكاتب إلى أن ذاك التغيير الذي حدث في السبعينيات، انعكس بشكل كبير على كتاباته، وكان قد بدأ تلك الفترة في كتابة روايته "أزهار الدم" بالإنكليزية كما أنجز ثلاثية مسرحية بعنوان "محاكمة ديدان كيماتهي" المستلهمة من سيرة الثائر النيروبي الذي سجنته القوات الكولونيالية البريطانية في كينيا في الخمسينيات وأعدم سنة 1957.
وفي ذلك العقد، عاش الكاتب نفسه تجربة الاعتقال والسجن. بعض المقالات التي يتضمنها الكتاب كانت موجهة لأساتذة الأدب في المؤسسات الأكاديمية في نيروبي سنة 1973 والتي كانت تتناول تدريس الأدب في المدارس، وبعض المقالات تتناول المسرح ولغته في كينيا، والمعركة الأيديولوجية بين مناصري الإمبريالية الثقافية ومن يناصرون الثقافة الوطنية الكينية والتي كانت تؤثر بشكل مباشر على العمل المسرحي.
شهدت الفترة نفسها اغتيال السياسي الاشتراكي الكيني جي. إم. كاريوكي. وشهدت اعتقال مئات العمال والكتّاب والطلاب والمثقفين الوطنيين، وكان القلق كبيراً من صعود اليمين السياسي في كينيا. وحين كتب وا ثِيُنْغو هذه المقالات كان يأمل من خلالها مواصلة الصراع من أجل ثقافة وطنية تعكس اهتمامات كينيا وتقف في وجه المصالح الإمبريالية وانعكاساتها على الثقافة التي تتبنى الخطاب الغربي.يشير صاحب "النهر الفاصل" إلى أنه لا ينبغي النظر إلى الصراع في كينيا بمعزل عمّا يحدث في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية بل وفي العالم بأكمله. فصراع الشعب الكيني ضد الهيمنة الغربية في الاقتصاد والسياسة والثقافة هو جزء مكمل وكفاح مماثل لما تعيشه بلدان العالم الثالث في كل مكان، لذلك نجد الكاتب يتناول في مقالاته كوريا الجنوبية وأميركا اللاتينية كي يُظهر ذلك الرابط الذي يجمع بين صراعات هذه الشعوب المختلفة.
يقول وا ثِيُنْغو إنه أطلق على عمله عنوان "الكتّاب في السياسة" لأن الأدب لا يستطيع الهروب من الأيديولوجية والطبقية والسياسات الاقتصادية التي تصوغ الحياة اليومية. بالنسبة له فإن الكاتب ليس لديه خيار في أن يكون متورطاً في السياسة سواء أكان مدركاً لذلك أم لا. لكن ما يمكن للكاتب أن يختاره حقاً هو إلى أي جانب من المعركة ينتمي، هل هو في صف الشعوب أم أنه في صف من يحكمون الشعوب. وما لا يمكن للكاتب أن يقوم به وفقاً لـ وا ثِيُنْغو هو أن يكون محايداً. كل كاتب هو كاتب في السياسة. والسؤال الذي يطرح في هذه المقالات يتوجه إلى أي سياسة ينتمي الكاتب وسياسة من؟
يأتي كتاب وا ثِيُنْغو في ثلاثة أجزاء، في الأول يتناول الأدب والتعليم والصراع من أجل ثقافة وطنية ويضمنه عدة مقالات: "الأدب والمجتمع"، "الأدب في المدارس"، "الثقافة الكينية: الصراع الوطني من أجل البقاء"، كما يتضمن مقالات تحت عناوين: "أصفاد من أجل مسرحية"، "العودة إلى الجذور"، "حاشية: عن الحاضر".
أما الجزء الثاني فيتناول الكتّاب في السياسة وفيه مقالات عن جي. إم. كاريوكي ومقال بعنوان "يولد من جديد: ماو ماو بدون أغلال" ومقال آخر بعنوان "تويجات الحب". أما بالنسبة إلى الجزء الأخير الذي يعنونه بـ"ضد الاضطهاد السياسي"، فنقرأ فيه مقالات عن الاضطهاد في كوريا الجنوبية وصراع الشعب الكوري الذي يعتبره صراع كل الشعوب المضطهدة ومقالاً بعنوان "السارق والمسروق" يتناول فيه تجارب من الأدب الأفروأميركي.
في تجربة ترجمة كتاب وا ثِيُنْغو التفاتة إلى حقول لطالما تجاهلتها دور النشر العربية بوصفها كتابات ينتجها الهامش، إذ تنشغل دور النشر والمؤسسات العربية بالعموم في تقديم الفكر الغربي منحازة إلى الهيمنة الثقافية الغربية التي يصارعها وا ثِيُنْغو منذ بداياته، ومن جهة أخرى، فإن النقاشات التي يطرحها، وعلى الرغم من كونها تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، إلا أنها تبدو راهنة تماماً، خصوصاً في العالم العربي، حيث أن سؤال التحرر الثقافي من الكولونيالية بقي غير محسوم، ولعلّ البلاد العربية تمثّل فضاء لهذا الصراع حيث تقاوم العربية اللغات الأجنبية في قطاعات عدة وتراوح الكتابات بين بحث عن الأصالة وبحث عن تقليد نماذج غربية.
يُذكر أن الكتاب صدر أول مرة عام 1981 وفي عام 1997 أعاد مؤلفه طباعته مضمّناً إياه مقالات أخرى كتبها ضمن حملة للدفاع عن ناشطين نيجيريين من بينهم كين سارو وياو.


المصدر: العربي الجديد

السبت، 3 أغسطس 2019

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يوم الثبات الانفعالي" لـ سهير المصادفة: البيت المهجور وسكّانه الذين رحلوا

* "يوم الثبات الانفعالي" يبدو عنوانًا من غير المتعارف عليه في تسمية الروايات، كيف فكّرت فيه؟
أظن ذلك، ورغم أني وضعت عنوانها بمجرد وضع نقطة نهايتها إلا أنني ترددت قليلًا؛ لمعرفتي أنه قد يكون غريبًا. لكن في الواقع أحداث الرواية أيضًا ليست عادية، وعوالمها جديدة. كما أنني أعتقد أن عنوان الرواية، بل الرواية نفسها ينبغي أن تكون غير متعارف عليها أو مسبوقة في الأدب.


* متى بدأت التفكير في هذه الرواية وكيف تبلورت؟
منذ عامين تقريبًا، كنت أسير على كورنيش النيل في القاهرة، ورأيت بيتًا واقفًا في الظلام بمفرده، كان مهجورًا من أهله وجيرانه ومن كل مظاهر الحياة، فطاردني هو وسكانه الذين رحلوا، وحكاياتهم وآلامهم وضحكاتهم، فتساءلت: ولكن، أين تذهب الذكريات؟ كنت بالفعل أستعيد أصواتهم المعلقة في الفضاء، فغرقت في محبتهم تمامًا، وكتبتهم. 

* أين تضعين هذا العمل ضمن منجزك الروائي؟
دائمًا العمل الأخير لي هو الأقرب لقلبي، ربما لأن طاقة الحماس والمشاعر والأجواء ما زالت ماثلة في كياني كله، وربما لوسوسة أبطال جدد في أذني، فأتيقن أنني سأغادر مسرح أحداث هذا العمل، فأحبه أكثر، قبل أن أودع أبطاله وأسرّحهم إلى مصائرهم، وألقي على المكان الذي شيدته نظرتي الأخيرة، وأستمع إلى آخر موسيقى الفترة الزمنية التي تناولتها.

* كيف وجدت تلقي الجمهور في الأيام الأولى؟جمهور قرائي دائمًا كريم معي، فهم يحتفون بصدور كل رواية لي، منذ صدور روايتي الأولى: "لهو الأبالسة"، بينما أضع أنا يدي على قلبي وأقف مستندة إلى أقرب حائط، وأنا أدعو أن أكون عند حسن توقعاتهم.

* هل تضعين في الاعتبار التعليقات في الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي؟بالطبع، فهم القراء الأعزاء أنفسهم، فلقد انتقل المشهد الثقافي من الواقع الذي نعرف إلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ ولذلك أهتم كثيرًا بالتعليقات والأسئلة، وأحاول جاهدة الرد على كل تعليق وكل رسالة.

* تطلقين هذه الرواية في الصيف، ألا يشكل ذلك مغامرة من حيث أن الجمهور يكون أقل إقبالاً على القراءة في هذه الفترة من السنة؟في الواقع، لا أعرف هل هذا جيد أم لا تسويقيًّا، ولكن أراهن على أن العمل الجيد يُقرأ في الصيف وفي الشتاء، وأثق تمامًا في "منشورات إبييدي" وقرار رئيسها الدكتور عماد الدين الأكحل بأن يطلق الرواية في هذا التوقيت بالذات.





السيرة الأدبية للمؤلفة:
كاتبة مصرية، من أعمالها:   
- ديوان "هجوم وديع" 1997
- ديوان "فتاة تجرب حتفها" 1999
- رواية "لهو الأبالسة" 2003 - نالت جائزة اتحاد كتّاب مصر
- رواية "ميس إيجيبت" 2008
- رواية "رحلة الضباع" 2013
- رواية "بياض ساخن" 2015
- رواية "لعنة ميت رهينة" 2017
- رواية "يوم الثبات الانفعالي" 2019



مادة خاصة بمدوّنة "منشورات"

(كتب العالم) "الثقة في النفس" لـ شارل بيبين: ليس سلسلة من الوصفات - عبدالرحمن إكيدر

من أين تأتي الثقة في النفس؟ لماذا بعض الناس أكثر ثقة من الآخرين؟ هل هي مسألة مزاج أم هي ثمرة عمل على النفس ؟ ما علاقة الثقة في النفس مع الثقة في الآخرين، ومع الثقة في الحياة نفسها ؟ هي أسئلة يحاول الفيلسوف المبرز تشارلز بيبين الخوض فيها بالاعتماد على النصوص العظيمة في الفلسفة والحكمة القديمة وعلم النفس، ولكن أيضا في تجربة بعض الرياضيين والفنانين أو حتى مجهولي الهوية، ليشرح لنا سر الثقة في النفس في كتابه “الثقة في النفس: فلسفة”(la confiance en soi : une philosophie  الصادر عن دار النشر ألري Edition Allary سنة 2018).
إن الثقة في النفس هي أن تفتح النفس على ما تعبر عنه فينا، وأن نعرّضها لمفاجآت الحياة، وبعبارة أخرى، “أن نذهب”، على عكس أساليب التطوير الشخصية أو المدربين الذين يصرون على أساليب التمكن. ولم يجعلها الفلاسفة موضوعًا معينًا للدراسة، لكنهم قد اقتربوا منها بشكل غير مباشر. فالوجودية القائمة على السارترية، على سبيل المثال، تستند إلى الثقة التي يتمتع بها كل فرد بمفرده، أما نيتشه فيؤكد على أن كل فرد يمتلك شخصية أصلية. يقول المؤلف “هذا ليس موضوعا فلسفيا معتادا”، إذ “لا يتحدث الفلاسفة عنه إلا بشكل غير مباشر”، مشيدا في هذا الصدد بالفيلسوف الأمريكي رالف والدو إيمرسون الذي ربما يكون  الفيلسوف الوحيد الذي أخذ على محمل الجد موضوع الثقة في النفس، والذي كرس له مقالة قصيرة سنة 1841.
يشير المؤلف إلى أن “ما تسعى إليه الفلسفة هو إظهار أسس الثقة بالنفس”، ويضيف “يقول لك جميع علماء النفس: إذا كنت ترغب في اكتساب الثقة في نفسك، فما عليك إلا أن تتصرف وتنتقل إلى الأجرأة”، في حين يؤكد الفلاسفة على العمل، ويظهرون أن العمل ليس مجرد أرضية تدريب لبناء الثقة في النفس، ولكنها فرصة للالتقاء بالعالم، وللقاء الآخرين، ومقابلتهم”. آنذاك تغدو الفلسفة ممارسة للحياة ووسيلة للعيش بشكل جيد وسعيد في المقام الأول وليست مجرد خطاب نظري صرف.
بالنسبة إلى تشارلز بيبين فإن الثقة في النفس، وعلى عكس ما نعتقد، تأتي أولاً وقبل كل شيء من الآخرين وعلاقتنا ببيئتنا. ومع ذلك، “فإنني أشارك المدربين عندما ينصحون بالعمل، وممارسة اتخاذ القرار بشأن الأشياء الصغيرة. فالعمل كيفما كان يساعد على كسب الثقة”، فالثقة في النفس هي عملية جماعية وليست شخصية، يقول في هذا الإطار “أعتقد أن الثقة في النفس محققة بالفعل في العلاقة مع الآخرين وفي العلاقة مع العالم، دعونا نأخذ على سبيل المثال: طفلا صغيرا قلقا جدا (…) كيف نريد أن يثق هذا الرجل الصغير في نفسه؟ إن الثقة ستأتيه من الآخرين. سوف يطمئنونه، ويحبونه، ويحمونه، ويقدمون له النصيحة، إنهم يفعلون شيئين مختلفين: أولاً، يضعونه موضع ثقة، وثانيا، يثقون فيه”. ففي عصرنا الحالي الذي يركز على الفردية والأنا، نريد أن يعتقد الناس أنهم بحاجة إلى تطوير مهاراتهم الخاصة لاستعادة الثقة في النفس. لكن فوق كل شيء نحن كائنات عاقلة. فالطفل بمجرد أن يأتي إلى العالم يصبح كائنا تابعا، يأخذ الثقة في نفسه فقط شريطة الحصول أولاً على الثقة في المحيطين به. وكما قالت آن دوفورمانتيل وهي محللة نفسية “لا يوجد نقص في الثقة بالنفس، وعندما نفكر في أننا نفتقر إلى الثقة في أنفسنا، فإن ما ينقصنا فعلاً هو الثقة في الآخرين”.
إن أفضل طريقة لتحرير الطفل الصغير من القلق هي حمايته وتأمينه وحبه. وهذا يعني، منحه الأمن الداخلي، تلك الهدية التي هي أساس كل شيء. سوف يضعه الوالدان بشكل تدريجي في الثقة، ثم يثقون فيه، يمكنهم أن يعطوه مهمات للقيام بها، وسواء أنجح في المهمة الموكولة إليه أو فشل فيجب تشجيعه، وهنا يبدأ في اكتساب الثقة. وفي بعض الأحيان، فإن الأمر يتطلب مجرد معلم ملهم وكل شيء سيتغير.
وبالمثل، فإن إخبار الطالب الذي حصل على نتائج سيئة “أعطيك ثلاثة أشهر لتصويب المسار وأنا أثق فيك، وأنا أعلم أنك ستصل إلى ذلك”، فإن لذلك وقعا إيجابيا نحو تحقيق الأفضل. ويقترح تشارلز بيبين تأملاً حول هذا المورد الذي نفتقر إليه أحيانًا في حياتنا. فبدلاً من التفكير في الثقة في النفس كمسألة تتمحور حول الفرد، يوسع الفيلسوف دائرة هذه القضية لتشمل المقربين من الآباء والمدرسين والأصدقاء… إن الثقة في النفس هي أيضا الثقة في الآخر، والثقة في قدراته، وأخيرا الثقة في الحياة. إن هذه المصاحبة تعمل على تطوير الأمن الداخلي للفرد مما يفضي إلى المزيد من الجرأة في حياته. ولكن إذا كان بناء هذا الأمن الداخلي غير موجود في سنواتنا الأولى، فإنه يمكن أن يحدث ذلك لاحقًا بفضل ثقة الآخرين.
يعرض المؤلف لمجموعة من هذه الحالات، خصوصا المغنية الأميركية مادونا التي عانت صعوبات جمة في طفولتها: لا مبالاة الأب ووفاة الأم بالسرطان. غير أن معلم رقص الباليه شجعها وبيّن لها مدى تميزها وموهبتها في الرقص والغناء. هذه النظرة سوف تغيّر حياتها، وفي نهاية عرض السنة، تكتشف الطالبة نفسها أمام جمهور مدهش، لقد وُلدت نجمة الروك. بالإضافة إلى هذه القصة يستشهد المؤلف بقصص أخرى لمجموعة من المشاهير الذين حققوا نجاحات مبهرة من قبيل المجموعة الغنائية البيتلز وعدد من الكتاب مثل جورج ساند، ولعدد من الرياضيين كالشقيقتين ويليامز، ومتسلق الجبال إريك ديكامب.
لا يقدم كتاب تشارلز سلسلة من الوصفات التي يجب تطبيقها بحذافيرها، وإنما نصائح عملية ومن خلال أمثلة ملموسة تقودنا إلى التأمل، وتُظهر لنا كيف يمكننا أن نحصل على ثقة أنفسنا، ومجابهة تحديات الحياة ومفاجآتها غير المتوقعة والتخلص من مخاوفنا وهواجسنا التي تقيد الطموح وتكبح رغباتنا. يقول المؤلف “إن الثقة في الحياة هي الرهان على المستقبل، والإيمان بالقوة الخلاّقة للعمل، والتعبير عن عدم اليقين بدلاً من الخوف منه…”. إن الثقة في النفس لا تكمن في الثقة بأن “الأنا” قوية للغاية وخالية من أيّ عيوب. بل على العكس، فإن الذات التي نتحدث عنها هنا هي استسلام ذاتي لسر العالم، ذلك أن الثقة في النفس هي الثقة في الحياة.
وفي المقابل فإن الحكم على النفس نهائيًا أمر سيء بالنسبة إلى ثقة المرء في نفسه. فقد تكون للفشل فضائل لا تحصى، فمواجهة الفشل والتصريح به يعد جرأة محمودة، والحياة مغامرة محفوفة بالمخاطر، لذا على المرء أن يثق في نفسه لتجربة المغامرة. وما على المرء إلا أن يفكر، على صورة سارتر أو فرويد أو لاكان أو رواقيّي العصور القديمة بأن الثقة في النفس تعتمد أيضًا على معرفة أنفسنا ورغبتنا في سعينا للسير قدما في هذه الحياة.
“الثقة في النفس: فلسفة” كتاب مثير للتفكير، منير لأسرار الثقة في النفس. ولكن أيضًا للحياة وطريقة فهمنا لها. فهو يساعد على إثارة الكثير من المواقف الإيجابية. يستكشف فيه الفيلسوف تشارلز بيبين ينابيع الثقة في النفس، متوسلا بنصوص الفلاسفة والحكماء والمحللين النفسيين وتجارب الرياضيين والفنانين، ليبين لنا كيف نثق في قدراتنا على الرغم من صعوبات الحياة ومشاقها.

المصدر: العرب

(متساكن جديد في مدينة الكتب) "الجزائر نحو جمهورية جديدة" لـ نور الدين خبابه

صدر حديثاً في فرنسا كتاب "الجزائر نحو جمهورية جديدة" للإعلامي الجزائري نور الدين خبابه، على أن ينشر على الإنترنت بالمجان، لتمكين الجزائريين والجزائريات من مطالعته لا سيما في هاته الظروف التي تمر بها الجزائر.
والكتاب هو عصارة أفكار وتراكمات معرفية وتجارب صاغها المؤلف في 5 فصول.
في الفصل الأول يُقدِّمُ الكاتب من خلال الإشكالية التي يطرحها، بحثاً موضوعياً مُفصّلاً، يغوص من خلاله في أغوار ودهاليز الأزمة الجزائرية، الممتدّة إلى ما قبل الاحتلال الفرنسي، مُستعمِلًا في ذلك المعاينة والتشخيص.
كما يشرح الكاتب ضمن هذا الفصل عملية الاختراق التي تعرض لها المجتمع الجزائري، منذ معركة نافارين التي أستُدرِجَ إليها الأسطول الجزائري وحُطِّم، وكان ذلك مقدّمة لاحتلال الجزائر، وإلى غاية صدور الكتاب، عبر محطّات تاريخية وتسلسل منهجي سلس، وكذا انطلاق الجمهورية الجزائرية على أسُسٍ خاطئة، وتراكمات سلبية ورّثت جملة من الصراعات والصدامات والأحقاد، وولّدت احتقاناً يكاد يحرق الجزائر.
في الفصل الثاني، يشرح كيفية تطويق الأزمة الجزائرية وطمأنة الشعب الجزائري من خلال بعث الأمل، حتى لا تضيف الأزمة أزمات أخرى، الشعب في غنى عنها، وترهن مصير أجيال المستقبل.
ويشرح كيفية الوصول إلى وعي عامّ في الجزائر عن طريق اقتراح مشروع مجتمع، كبديل حضاري يتلاءم مع طبيعة الشعب، تدفع إليه مؤسّسة وقناة المصالحة المستقلة، بغرس ثقافة الحوار وتبادل الأفكار والاهتمام بالأسرة، وتبنّي ضحايا المأساة الجزائرية، وفتح برامج توعوية وتنموية تنافسية، ونوادي المصالحة في الداخل والخارج، وتهدف إلى إعادة اللُّحمة داخل المجتمع الجزائري والحرارة الأسرية التي غابت، وبناء جسور التواصل، وإحياء القِيّم والأخلاق والفضائل، ومحاربة الرّذائل والآفات الاجتماعية المختلفة.
وفي الفصل الثالث يشرح خيارات التغيير، وما يحمله كل خيار من مخاطر على أمنِ واستقرار البلاد والمنطقة بصفة عامة، ويُبيّن الخيار الأمثل والأسلم الذي يليق بالجزائر دولة وشعبا، يحفظ وحدتها، ويحصن تاريخها وحاضرها، ويصنع مستقبلها الزاهر.
في الفصل الرابع يُقَدِّمُ المؤلّف كيفية معالجة الأزمة الجزائرية، وبناء جزائر الغد المنشودة، لتحقيق التنمية المستدامة، عبر محطة تاريخية فاصلة، تهيئ المناخ لمستقبل واعد، وتدفع بالجزائر نحو الأحسن. وهذا بعقد مؤتمر الجزائر، الذي يصادق فيه المؤمنون بالتغيير المرحلي التوافقي على ميثاق وضمانات، ويُفضِي الى تشكيل حكومة وطنية تشارك فيها الكفاءات في الداخل والخارج. ويكون مؤتمر الجزائر مُنطلقا لتأسيس جمهورية جزائرية جديدة عبر مراحل، تُحقّقُ حُلم الأجيال، وتُجسّدُ تضحيات الشهداء المتعاقبة، في إطار مشروع مجتمع جديد، يحفظ الذاكرة الجماعية، وهوية الشعب. ويؤسّس لمصالحة وطنية حقيقية، كسلوك حضاري يُنهي عصر الضغائن، ويؤسّسُ لعصرٍ جديد يهدف إلى نهضة شاملة، تجعل من الجزائر بلدا كامل السيادة، يكون رأس مالها الإنسان، كما يضع مؤتمر الجزائر معالم للأجيال اللاحقة.
وفي الفصل الخامس والأخير يُقَدِّمُ اقتراحات لحل النزاعات في المنطقة، وبناء المغرب الكبير، في إطار مُصالحة مغاربية، تُبنى على أسس متينة، لتُساهم في جعل المغرب قوة في المنطقة. ويدفع إلى مصالحة عربية تُساهم في رأب الصدع، وتقضي على الحروب والنزاعات، وتسُدُّ النزيف الدموي الحاصل، وتفتح الآفاق بين الشعوب، لإرساء دعائم الأمن والسِّلم والتعايش في العالم، في ظل بيئة جديدة، بعيدة عن الحروب؛ بل للإعمار والاصلاح في الأرض، والتّنافُس على خدمة الإنسانية جمعاء، في إطار مؤتمر عالمي، وميثاق دولي جديد.
ويكشف الكاتبُ في الملحقات وثائق رسمية متعلقة بالثورة الجزائرية، تُميطُ اللثام عن قضايا كانت ضمن المحظور. الكتاب يحتوي على 212 صفحة.


المصدر: ضفة ثالثة

الجمعة، 2 أغسطس 2019

(المؤلّف يقدّم نصّه) كاميرات وملائكة لـ حسن فالح: بغداد على محكّ الديستوبيا

* توحي النبذة التي تقدَم رواية "كاميرات وملائكة" (منشورات سطور) بأنك اتخذت من مستقبل بغداد موضوعاً. لماذا هذا الاختيار؟
رواية "كاميرات وملائكة" هي آخر عمل روائي لي، إذ صدرت في عام 2018، وانبثق هذا العمل بعد ساعات من انفجار حي الكرادة عام 2016 الذي أودى بحياة أكثر من 400 شخص، عندها وحين كنت أشاهد هذا الكم الهائل من الدمار والخراب والضحايا فكّرت لو استمرّ الحال على ما نحن عليه. فكرّت أنه قد لا يبقى منا أحد وقتذاك، وأن سيكون حال بغداد كحال المدن التي اختفت في السابق ولم يبق منها سوى أطلالها، ربما لن يبقى منها سوى القصص التي ربما ستتحول فيما بعد إلى قصص تندرج ضمن غلاف ألف ليلة وليلة، وربما سيكتب عن شعبها أنه شعب كان يحلم بالسلام، لكن حلمه لم يتحقق. أما عن قصدية اختيار هذا الموضوع، ربما يحمل الروائي مخيلة تمرّنت على إضفاء الخيال على الواقع للوصول بالمتلقي أو القارئ إلى ما لا يمكن اعتباره مجرّد تدوين لمذكرات المدينة، لذا أضفت ما يمكن اعتباره رؤية يمكن تصنيفها على أساس الواقعية السحرية في الكتابة السردية، وتحميل النص أسماء الأمكنة الحقيقية وبقائها على ما هي عليه داخل المدينة التي ارجو ان تبقى بسلام دائم.



* لو تحدثنا عن تراكم فكرة هذا العمل؟ وهل توجد خيارات أسلوبية وسردية معينة يمكن الإشارة لها؟
عام 2016 تم ترشيحي لورشة كتابة جائزة البوكر بالاشتراك مع مؤسسة عبد الحميد شومان في الأردن- البتراء، وكنت ضمن مجموعة من الكتاب الشباب من بلدان عربية مختلفة، وكان على كل واحد منا قراءة نص سردي مكتوب، ومن ثم يستمع جميع الحاضرين من مدراء للورشة وكتاب إلى النص ويعطون الملاحظات لتطويره ومن ثم يتم التعديل عليه، وكان نص "كاميرات وملائكة" عبارة عن قصة كتبتها بعد أحداث انفجار حي الكرادة ببغداد، قرأت بعضه في الورشة ومن ثم تم تطويرها داخل ورشة العمل بعد تلقي الملاحظات من اللجنة المشرفة، لتتحول فيما بعد إلى عمل روائي في 144 صفحة. اعتمدت طريقة الكاميرات بدل الفصول التي تعوَّد القارئ عليها في الروايات، ويمكن أن يكون هذا الأسلوب تجريبياً بعيداً عن رتابة الإخراج الفني للرواية المتبع عادة، والذي يعتمد على الفصول المتتالية التسلسل داخل العمل السردي.



* هل يمكن القول بأن الرواية تحمل نظرة تشاؤمية عن مستقبل العراق، وربما البلاد العربية بشكل عام؟
فيما يخص الخيارات الأسلوبية او الأسلوب السردي للرواية والنظرة التشاؤمية فقد كتبت بما يمكن أن نطلق عليه الأسلوب الديستوبي ويعد هذا النوع من الأدب (الديستوبيا) أدب مخيالياً لا ينتمي للمنظومة الكلاسيكية في السرد فهو أدب المدينة الفاسدة أو أدب الواقع المرير والنهايات، وهو أيضا ادب مخيف غير مرغوب فيه يوضّح ملامح القبح والخراب من خلال الكتابة، لذا
توضح الرواية مستقبل بغداد من وجهة نظر سماوية وعبر ما سجلته كاميرات الملائكة التابعين لغرفة رئيس الكونترول المسؤول عن كل شاردة وواردة في هذا العالم وهي بذلك تقترب للروايات التي كتبت من قبلها، ففي عام 1863 قدم الكاتب الفرنسي الكبير جول فيرن رواية "باريس في القرن العشرين"، وضمنها ظهرت باريس في عصر تتقدم فيه التكنولوجيا كثيرا وتتراجع الثقافة. كما قدم رائد الخيال العلمي هربرت جورج ويلز روايته "آلة الزمن" عام 1895، وهي مصدر إلهام للعديد من الروايات في ما بعد، حيث أعطت صورة متقنة لمستقبل بالغ الشناعة ينقسم فيه البشر إلى صنفين: الصنف الأول "مورولوك" وهم الطبقة العاملة التي تسكن الأنفاق وتحيا حياة بائسة، والصنف الثاني "الإيلوي" الذين ينعمون برغد العيش، ويعتمدون اعتماداً كلياً على الآلات والتكنولوجيا. لذا فالديستوبيا ليست اتجاها فنيا فحسب بل واقع نعيشه عبر التاريخ الإنساني، حيث يعد القرن العشرون العصر الذهبي للديستوبيا الحقيقية على ارض الواقع، ديستوبيا دول فاسدة وحروب ودمار.



* كيف وجدت استقبال الرواية، وبشكل عام كيف ترى مقروئية الرواية العراقية في العراق نفسه وفي الوطن العربي؟
بداية يمكن القول إن الرواية العربية بشكل عام حققت في 150 عام ما لم يحققه الشعر في 2000 عام، وذلك باعتبار أن العرب امة شعرية منذ القدم، لكن ولأن الرواية التي دائما ما أصفها بأنها جنس أدبي يفترس كل ما يقع أمامه من شعر، قصة، أسطورة، خرافة، مقال ونثر لذا فهو جنس متطور يسع كل شيء، وحقق حضورا على مستوى عالمي لا سيما بعد وصول كتاب عرب لنيل جوائز عالمية وإقليمية ومحلية. وفيما يخص الرواية العراقية فقد سجلت حضورها في المشهد العربي والعالمي وذلك من بعد عام 2003 الذي أعطى حرية في الكتابة من غير قيود على الكاتب، لا سيما أن هذه الفترة شهدت أكثر من 700 عمل روائي عراقي وبذلك حققت هذه الفترة إنجازاً لم تحققه في الفترات السابقة. وربما يرى البعض أن هذا الرقم هو رقم كبير بالنسبة لنوعية الرواية وجودتها وهناك استسهال في إصدار الروايات لكن يمكن الإجابة على ذلك بأن فرنسا في العام الواحد يصدر فيها أكثر من 700 رواية لكتاب من كلا الجنسين وبأعمار مختلفة. وبخصوص رواية "كاميرات وملائكة" فهي عملي الأخير وقد سبقته رواية "تكسي كراون" عام 2015، ورواية "قارئ الطين" في 2016، ومجموعة قصصية بعنوان "حدائق الصمغ" صدرت في 2017. ألاحظ أن رواية "كاميرات وملائكة" تحقق مبيعات جيدة في شارع المتنبي الذي يعد شارع الثقافة ببغداد.

(مادة خاصة بالمدوّنة)

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...