الجمعة، 30 أغسطس 2019

(صوت القارئ) "أنوات": رسائل إلى المشهد الأدبي أيضاً - بثينة غريبي

رواية بمؤلفين، لعلّ ذلك يمثل أول مدخل نلج منه إلى "أنوات" حيث جمعت بين محمد القاضي وآمال مختار وصدرت عن "دار محمد علي للنشر". رواية يمكن أن تكون قطيعة، أو على الأرجح تجاوزاً، مع السائد من العلاقات بين الكتّاب في تونس.
يكون التعاون في حالات التأليف المشترك في بناء العالم التخييلي أو صهراً لأسلوبين بحيث لا نفرّق بين مساهمة هذا المؤلف أو ذاك؛ ولعل أشهر نموذج عن ذلك في الأدب العربي رواية "عالم بلا خرائط" التي جمعت عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا.

لكننا في "أنوات" سنقع على وضعية مختلفة، فالعمل شكلاً ينتمي إلى ما يعرف بالأدب الرسائلي، حيث أن نصوص العمل تأتي في شكل رسائل، غير أنها ليست بين محمد القاضي وآمال مختار، وإنما بين بتول وآدم، فلا نعرف هل نرد ما تقوله الشخصيّتان إلى المؤلفين معاً أم أن كلّ واحد منهما تبنّى شخصية وطوّرها على حدة مفترضا رؤاها وردود أفعالها؟
حين نقتحم العالم التخييلي للعمل لن نجد إجابة شافية على هذا السؤال، بل إننا سنكون أمام متاهات أخرى، فهاهو آدم يفاجئنا حين يوجّه رسائله إلى أنيسا وأليسا وغيرهما، إضافة إلى بتول؛ الاسم والشخصية الرئيسية في العمل.
يقول آدم في رسالة موجهة لجميع هاته الأسماء: "أتعلمين أيتها العزيزة أنني لا أملك أن أميز بينكن إلا في حالة صحوي وما أقلها... وما الفرق بينكن في الحقيقة؟ أليس الانسان في جوهره واحدا؟ ألم تشعري مرة بأنك لست أنت؟ وأنك عشت أكثر من حياة؟ وان أشياء تولد فيك وتموت في كل لحظة؟".
فتأتي الاجابة: "أنت من أنت؟ هل أنت ما تعتقد أنه أنت من روح وكيان وجسد ومشاعر وأحاسيس أم أنت الصورة التي رسمها لك الاخرون من حولك بل قل هل أنت الصور التي رسمها كل من يراك في ذهنه وفق مخياله ومرجعياته الثقافية والاجتماعية؟".
هكذا تتحوّل الرسائل إلى أسئلة، ربما اتفق المؤلفان على تضمينها في سبيل النهوض ببعد فكري للعمل، خصوصاً وأن شكل الرسالة طالما كان مطواعاً للجدل الفكري، وهو أفق يبدو منسياً في الأدب عرف كيف يطرقه محمد القاضي وآمال مختار باقتدار.
يبقى أن هذا اللقاء يبدو غير متوقع بين المؤلفين، على الأقل في مشهد الكتابة التونسية، فقد انهمك محمد القاضي في معظم مسيرته بالترجمة والكتابات النظرية حول الأدب، وهي حقول لم تلجها آمال مختار حيث نشرت أعمالاً تخييلية بين الرواية والقصة. ألا يمثل ذلك حدثاً في حدّ ذاته؟


مادة خاصة بمدونة "منشورات"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...