الجمعة، 30 أغسطس 2019

(ناشر في الضوء) صفاء ذياب: "شهريار" والبلاغة الجديدة للكتاب

على الرغم من كونهم شركاء في إنجاز كل عمل إبداعي، إلا أن الناشرين كانوا دائما بعيداً عن بقعة الضوء التي يجلس فيها المؤلف وحده عادة. مدونة "منشورات" تدعوهم لحديث في الضوء


كيف أصبحت ناشراً؟
لم يأتِ النشر اعتباطاً بالنسبة لي، فقد اشتغلت بالكتاب لأكثر من عشرين عاماً قبل أن أبدأ بالعمل بدور النشر أولاً، ومن ثمَّ افتتحت دار شهريار. بدءاً أنا قارئ، لم يكن الكتاب مجرّد تسليةً لي، بل كان موقفاً من الحياة ومن الواقع، منذ أواخر الدراسة الابتدائية هيّأت جوّاً خاصاً للقراءة، على الرغم من العمل الذي كان يأخذ جُلَّ وقتي، غير أني لم أجد فرصة تسمح لي بالقراءة إلا واستثمرتها. هذه القراءة دفعتني في أيام الدراسة الجامعية للعمل في الكتب، فكان عملي في الشارع الأشهر لبيع الكتب والنشاطات الثقافية وهو شارع المتنبي في بغداد، كان ذلك في تسعينيات القرن الماضي، حيث أن التعامل بالكتب لم يكن بالأمر السهل، للأوضاع الاقتصادية أولاً، والأمنية ثانياً، غير أنني حينها لم أكن أعرف غير الكتاب وكيفية التعامل معه، فكوّنت عالماً خاصاً للعمل في هذا الشارع، ليستمر هذا العمل أكثر من عشر سنوات كانت ذروة التعلّم في فهم كل كتاب من جانب، وفهم القرّاء وكيفية إرشادهم للكتب الأفضل من وجهات نظر مختلفة. عشر سنوات لم تكن كافية للخبرة في الإعلان عن دار نشر، غير أن عملي في الصحافة الثقافية لسنوات طويلة، فضلاً عن عملي في دور نشر أخرى، ابتداءً من مجلة مسارات التي أسستها في العام 2005، ومن ثمَّ في دور بسيطة، وصولاً إلى دار وراقون، أهّلني للبدء بمشروع دار شهريار.
 


هل تعتبر أن النشر مهنة مُهدَّدة؟

في حوار مع أحد أصحاب دور النشر العربية، قال لي: أنت بدأت النشر الفعلي مع شروع الكثير من دور النشر الكبرى بالإغلاق.. هذه الجملة ما زالت ترنّ في أذني لأني كل شيء ثقافي مهدد في عالمنا العربي، لا سيما إذا نظرنا إلى الفارق بين دور النشر الجادّة ووضعها المادي من جهة، وبين نوعين آخرين من دور النشر: الدور الدينية، وتحديداً السلفية، والدور التجارية، التي أغلبها متمركز في الخليج ومصر.
فإذا زرنا أي معرض للكتاب، فإن قراءنا يشترون كتبنا بأكياس صغيرة، ربما لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة في كل يوم، في حين نرى أن الدور السلفية لا تبيع بالأكياس أو بالكراتين حتّى، بل تقف شاحنات كبيرة لتأخذ طبعات عدّة من كل كتاب.
الأمر نفسه مع الدور التجارية، فإذا التفتنا إلى كتب لا قيمة لها، ولا تمت للثقافة بصلة، مثل كتب علي نجم، أو أثير النشمي، أو غيرها، سنجد أن أقل كتاب سيصل إلى الطبعة العاشرة.. فضلاً عن التزوير الذي تتجاوز طبعاته العشرين أو الثلاثين.
وهذا ما يجعلنا نتساءل: ما الذي يحدث؟ هل وصل الأمر بالعقل العربي وقرائه إلى الحد الذي لا يلتفت فيه إلى إصدارات مهمة مثل طرابيشي أو طيب تيزيني أو نجيب محفوظ أو محمد خضير أو محمود درويش وغيرهم الكثير.. ويذهب راكضاً إلى كتب لا قيمة لها، لا فنياً ولا لغوياً ولا فكرياً.. وكأن الأمر مقصود تماماً في خطّة واضحة المعالم لتدمير العقل العربي.
نعم النشر العربي مهنة مهدّدة إذا لم نلتفت لها جيداً ونتعاون في نشر الكتب الجيدة التي يمكن أن تعيد بناء عقولنا.



ما الخصوصية التي ترى أنها تميّز "شهريار" ضمن المشهد العربي؟
- منذ بداية فكرة تأسيس الدار، لم أكن منافساً لأية دار أخرى، بل كان الهدف الرئيس بناء دار ذات توجّه جديد تحتفي بالكتب المعنية بالحداثة وما بعدها، وكسر التقليدية، ومن ثمَّ تبنّي الأساليب الجديدة في الإبداع العربي والغربي في الوقت نفسه. لهذا بدأنا بمشاريع كثير منها سلسلة تحليل الخطاب والبلاغة الجديدة، إذا أصدرنا أربعة كتب حتى الآن، منها (بلاغة الخطاب) و(البلاغة الثائرة)، فضلاً عن مشروع مؤسس مصطلح ما بعد الحداثة إيهاب حسن، إذ أصدرنا حتى الآن أربعة كتب له، والكتاب الخامس تحت العمل. وهكذا استطعنا وضع الدار في مسارها الذي رسمناه من البداية.
أما ما يميز دارنا، فهذا ما يمكن أن يحدّده القارئ نفسه، غير أننا ابتعدنا عموماً عن الكتب التجارية، ومن ثمَّ عن الكتب الإبداعية ذات التوجّهات التقليدية، مثل الشعر العمودي، أو الرواية التي لا يملك أي جديد على مستوى البناء والموضوع.



كيف تختار المؤلفين؟ وهل توجد فئة منهم تفضّل عدم التعامل معها؟
لا يكمن الاختيار في المؤلفين بقدر أهمية الموضوعات، نعم هناك بالضرورة بعض الأسماء التي نسعى لاستقطابها، غير أن الموضوع وما يوافق خط الدار والتناول الجيد، هو ما يدفع الدار لتبني أي مشروع. لهذا نشرنا كتباً لمؤلفين غير معروفين، لكن نتاجهم مهم جداً، فضلاً عن إصدار أول لمؤلفين كانوا بارعين في تناول موضوعاتهم وطرائق إنتاجهم لها.



ماذا تشعر حين يقرصن كتاب أصدرته الدار؟القرصنة بكل الأحوال سرقة، إن كانت سرقة حقوق أو سرقة أموال الناشر أو سرقة جهد المؤلّف، حينما يقوم أي مقرصن بسرقة الكتاب، إذ كان بنشره بصيغة إلكترونية أو عن طريق استنساخ الكتاب، فإنه يهدّد الدار بالتوقّف، لأنه بهذه الحالة يبيع الكتاب بثمن بخس بعيداً عن قيمته أولاً، وعن التكاليف التي تصرفها دار النشر ثانياً، فهو غير معني بحقوق المؤلف، ولا بالتصميم، ولا بالطباعة، ولا بالتوزيع، لهذا هو اختصر كل هذه المراحل والتكاليف المادية بنسخة واحدة يزوّرها، وهذا يهدد الدار نفسه، لأنها قد لا تبيع الكتاب فيما بعد، وبالتالي، ستعلن إفلاسها، وحينها لن يجد هذا المقرصن ما يسرقه مرّة أخرى.


ما نوع الكتب التي تقرأها بعيداً عن العمل؟
أنا معني بالجانب الثقافي عموماً، غير أني كوني شاعراً صدرت له أكثر من ست مجموعات شعرية، أهتم بالدراسات التي تبحث في الاختلاف، وطرائق إنتاج النص الجديد أولاً. وثانياً لي جانب أكاديمي أحب أن أستمر به، فموضوعي في الماجستير والدكتوراه هو الأدب الشعبي، وتحديداً السيرة الشعبية، لذا أسعى لقراءة كل ما هو جديد في هذه الموضوعات. وبالتأكيد هذا لا ينفي عدم وجود قراءات في الرواية أو الدراسات الفكرية عموماً.



مادة خاصة بمدونة "منشورات"

هناك تعليق واحد:

  1. اتمنى لك ولمشروعك المعرفي النجاح والاستمرارية

    ردحذف

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...