الجمعة، 23 أغسطس 2019

(ناشر في الضوء) جعفر العقيلي: أكثر من تلقّي المخطوطات وطباعتها

على الرغم من كونهم شركاء في إنجاز كل عمل إبداعي، إلا أن الناشرين كانوا دائما بعيداً عن بقعة الضوء التي يجلس فيها المؤلف وحده عادة. مدونة "منشورات" تدعوهم لحديث في الضوء


* كيف أصبحت ناشراً؟

كان ذلك بمحض الصدفة ودون قرار مسبق، وذلك على إثر شعوري بالغبن بسبب ناشر أحد كتبي. كان تقصيره في أداء مهمته واضحاً، بالنسبة لي على الأقل! وفي تلك الفترة –أتحدث عن صيف عام 2013- كان تقصير الناشرين بعامة مدار حديثي أنا وثلة من الأصدقاء الذين ساندوا مقترحي فكانت "الآن ناشرون وموزعون" مشروعاً ثقافياً في الأساس يسعى إلى أن يقدم للمؤلفين ما عجز عن تقديمه ناشرون لنا. وللتوضيح فإن الشركاء المؤسسين معي هم أدباء ونقاد ومترجمون، ويبلغ عدد إصداراتنا نحن الشركاء أكثر من 80 إصداراً أي خضنا تجارب متعددة مع ناشرين محليين وعرب قبل ان نقدم على هذه الخطوة الحميدة.

* هل تعتبر أن النشر مهنة مُهدَّدة؟

لا يمكن الموافقة على هذا الرأي تماماً، فكثير من الحرف والمهن مهددة بشكل أو بآخر ولكن لن يتوقف القراء عن القراءة، ولن يتوقف الكتّاب عن الكتابة، ولن تتوقف المطابع عن العمل، وهذا يعني أن الناشر سيظل موجودا وإن تغير أسلوب عمله، الناشر مطالب دائما بتحديث أدواته وبولوج العصر الرقمي والاستفادة من منتجاته وثورته. أنا على يقين أن الكتاب الورقي سيظل موجودا أبد الدهر، ولن يتخلى عنه القراء حتى ولو كانت نسبة الاقبال على الكتاب الإلكتروني في تزايد. هما شكلان للتلقي والمرافقة والمصاحبة، ولك منهما مريدوه ومحبوه.

* ماهي الخصوصية التي ترى أنها تميّز "الآن ناشرون وموزعون" ضمن المشهد العربي؟
يمكن القول بكثير من الثقة إن "الآن ناشرون وموزعون" مشروع ثقافي لم يضع في حسبانه بعد البعد التجاري، لهذا فإن توسّعَه عموديا وأفقياً وانتشاره في الأفق العربي هو قرار لا حياد عنه، وليس خياراً، بدافع من رسالة المشروع التي أطلقناها منذ تدشينه قبل ست سنوات. وقلنا بصريح العبارة في بيان الإشهار: المشروع تنويري لا يقتصر عمله على تلقي المخطوطات وطباعتها، بل ينتقي من الكتب ما يراه منسجماً مع رؤيته المعرفية وما يغذي العقل ويثير الساكن، وفي الوقت نفسه ينفتح على البعد الإنساني بانفتاحه على لغات عدة أذكر من بينها البوسنية والروسية والفرنسية والألبانية والكردية والباكستانية والاسبانية والانجليزية.
من أهم سمات تجربتنا في النشر حرصنا على تقديم المحتوى بشكل يليق به، وهذا يعني مستوى مهني واحترافي في التدقيق والتحرير، وكذا في التنسيق الداخلي وتصميم الغلاف (وهذا يتم بالتشاور مع المؤلف) ثم تكون الطباعة بناء على مواصفات واضحة ومحددة بالتنسيق مع المؤلف أيضاً. ولاحقاً نحتفي بالكتاب وبصاحبه بما يليق بهما، ونتعاون مع المؤلف في الإعداد لحفل توقيع أو ندوة نقدية أو أي فعالية أخرى تتعلق بالكتاب، فضلاً عن أننا نوصل الكتاب إلى نقاط توزيع في مدن عربية ونشارك في المعارض، ونتيح للكتاب للراغبين باقتناء نسخة إلكترونية عبر منصات ومواقع مشهورة على غرار أمازون. وأود أن أشير إلى أننا نقوم بعمل تشبيك حقيقي بين الكتاب والنقاد ونقترح على النقاد الكتب التي نرى أنها قد تلقى اهتمامهم، وهذه المبادرة تلقى ثناء من كتابنا وتشعرهم بالرضا وبأن خيارهم بالانضمام إلى أسرتنا الكبيرة في مكانه، بخاصة أنها تؤتي ثمارها على شكل دراسات نقدية لإصداراتهم، أو حوارات معهم، أو دعوات لمهرجانات وملتقيات عربية.

* كيف تختار المؤلفين؟ وهل توجد فئة منهم تفضّل عدم التعامل معها؟
غالباً ما تكون المبادرة من طرف المؤلف ولكننا حريصون على متابعة الأصوات اللافتة من خلال وسائل الإعلام واللقاء بهم في معارض كتب، وأيضاً من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. عندها تبدأ أحاديث بيننا قد تنتهي باستقطابهم للنشر من خلالنا، وقد حدث هذا عشرات المرات خلال العمر القصير لهذه الدار. ليس هناك من قائمة سوداء مسبقة بأسماء كتاب لا نحبذ التعامل معهم، ولكنني عموماً أفضل عدم التعامل مع أصحاب الأنا المتضخّمة والغرور المؤذي.

* هل تتابع ما يكتب عن كتب الدار في الصحافة العربية؟ وما هو تقييمك لهذه الكتابات؟
طبعاً نحن نتابع جميع ما يكتب عن إصدارات الدار، ومن حسن الحظ أن الشركاء المؤسسين لهذه الدار جاءوا من خلفية إعلامية، وتحديدا الاعلام الثقافي، وهذا ما وفر لنا شبكة واسعة من الإعلامين العرب المتحمسين للتجربة، والذين يمدون أذرعهم عوناً لها. الى جانب التناول الخبري أو المتابعات الصحفية الكثيرة التي تحظى بها إصداراتنا‘ هناك تناول نقدي يمكن تقييمه بالجيد، ولكن لنعترف أن حال النقد العربي لا يسر كثيرا، وأن النقاد لم يعودوا قادرين على مواكبة المنجز الأدبي.

* ماذا تشعر حين يقرصن كتاب أصدرته الدار؟
أشعر بالغيظ لأنه سطو على حق الناشر المادي وحق المؤلف المادي والمعنوي، هذه سرقة موصوفة ونحن نعاني منها ورغم أن هناك تشريعات سنت في بعض الدول العربية لتجريم هذا السلوك إلا أن إجراءات التقاضي معقدة وتتسم بالبيروقراطية، فضلاً عن أن العرب لم يصلوا بعد إلى مرحلة يعترفون فيها بالحق المعنوي مثلما يعترفون بالحق المادي.
ظاهرة القرصنة واستنساخ الكتب في حالة تزايد مستمرة عربياً ولم تعد تقتصر على دولة بعينها، وحجج المقرصنين واهية لكن أياديهم طويلة، ولديهم من المخارج الكثير مستعينين بالثغرات القانونية وبخبرات المحامين الذي يترافعون عنهم بالقضايا المتصلة بالملكية الفكرية. ولأكن صريحا، نحن بحاجة إلى جهود جبارة لمحاصرة هذه الظاهرة التي تهدد صناعة الكتاب العربي وتجعلها في مهب الريح. 

* ما نوع الكتب التي تقرأها بعيداً عن العمل؟
أقرأ بشكل يومي في الفلسفة، والفكر، والسرد، بخاصة اليوميات والمذكرات. أنا أصلاً كاتب صدر لي 15 كتابا في الشعر والقصة وحوارات الأدب والثقافة والبحث والدراسات.



إضاءة على الدار 
"الآن ناشرون وموزعون"، دار نشر وتوزيع، تأسست في الأردن بمبادرةٍ من عدد من الكتّاب والمثقفين والإعلاميين في أواخر عام 2013، وهي تمثل مشروعاً ثقافياً يُعنى بالثقافة المدنيّة، والتنوير، والحوار مع الآخر، والتشارك الإنساني.
تسعى الدار للارتقاء بصناعة النشر، وتعميم القراءة، وتوطين المعرفة، من خلال شبكة للتواصل مع المؤلفين والمثقفين العرب، وبناء جسور مع القراء في البلدان العربية، والقراء العرب في بلاد الاغتراب والمهجر.
تُولي الدار عنايةً فائقة بإصداراتها شكلاً ومضموناً، وتتولّى من خلال فريق من المحترفين جميع مراحل صناعة الكتاب، بدءاً من تقييم المحتوى ومراجعته وتطويره، مروراً بالتدقيق والتحرير اللغوي، وليس انتهاءً بالتنسيق والإخراج الفنّي وتصميم الغلاف، بما يحقق جودةً تروم منافسة الكتاب العالمي.
وتنطلق الدار في مشروعها الثقافي التنويري من إدراكها لأهمية فعل القراءة ورقياً وإلكترونياً، إذ تصنع شراكة مع المؤلف، تعرّف به وبمنتجه، وتوثق ارتباطه بالقراء والشريحة المثقفة والإعلاميين، كما تعرض أعماله على موقعها الإلكتروني، وعلى المواقع الثقافية الصديقة، وتضيء تجربته عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال المعارض ونقاط البيع والتوزيع، وتقنيات الاتصال الحديثة، ووسائل الإعلام بوسائطها المتعددة.
تعنى الدار بالتجارب المبشّرة والواعدة، وقضايا المرأة وأدب الطفل، والكتابة المتخصصة في الحقول المعرفية المختلفة، وتسعى لتسليط الضوء على القضايا المهمة من خلال الحوار والتركيز على الفعل النقدي، بإشراك المثقفين في ندوات ومؤتمرات لقراءة الظواهر الثقافية والاجتماعية والفنية علمياً ومعرفياً. وهي تتواصل مع وسائل الإعلام المقروءة والبصرية والسمعية، للترويج للكتاب ومؤلفه معاً، وتوظّف قاعدة بيانات واسعة لهذه الغاية.
وتنوّع الدار في إصداراتها لتشمل طيفاً واسعاً من العلوم والمعارف الإنسانية، وتفتح باباً على الترجمة من وإلى أكثر من لغة، كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والبوسنية والصربية، وتطلق مشاريع معرفية وتنويرية تُجمَع خلاصاتُها في كتبٍ ضمن سلاسل متخصصة.
تشارك الدار بفعاليات ثقافية، ومعارض عربية ودولية، إلى جانب معارض الرصيف الشعبية. وقد وقّعت اتفاقيات شراكة وتعاون لتبادل الإصدارات وتوزيع الكتب، مع مؤسسات عربية متخصصة في سلطنة عُمان، وفي جمهورية مصر العربية، وفي فلسطين، ويذكر أن عددا من الكتب الصادرة عن الدار نالت جوائز محلية ودولية في مجالات مختلفة.
"الآن ناشرون وموزعون" عضو فاعل في اتحاد الناشرين الأردنيين، وعضو في اتحاد الناشرين العرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...