الأحد، 29 سبتمبر 2019

(المؤلف يقدّم نصّه) علي ثويني عن "العمارة والمكان"

نجد أثر اختصاصات متنوعة في عملك الأخير "المكان والعمارة". إلى أي حد ترى أن هذا التنوع بات ضرورة للبحث المعماري؟ يظن كثير من الناس بأن العمارة علم واختصاص دقيق والخروج عن (هندازه) أو حدوده، أو ربطه بسياقات خارجيه أمر غير وارد..لكن الحقيقة تشير إلى أن العمارة والتخطيط الحضري في تماس مع علوم أخرى حتى شكلت حافات التماس علوم أخرى مثل العلاقة بين الجغرافية والعمارة التي تمخضت عن التخطيط الحضري، وبينها وبين الفن الجميل ولدت علوم الفنون المعمارية، وثمة تدخلات في العمق مع علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات..الخ، والأهم في ذلك المجتمع ، أي أن تلك العلاقة المرهفة ولدت مفهوم متداخل أسمه (عمارة/ثقافة Architecture\culture) ،وحسبي أن المعمار الذي لا يفهم المجتمع فهو محدود الملكات والمواهب، لا بل تنقصة الحصافة وبعد النظر، ومنتجه واهن، وبعيد عن فرص النجاح، فليكوربوزييه السويسري الفرانكوفوني مثلا أشاع الكثير من الأفكار، كثير منها سقيم وغير واقعي كونه لم يكن شخصا اجتماعيا واعتمد التقانة الصلبة أكثر من الوعي المرهف الطري.. ثمة حقيقة مفادها أننا معشر المعماريين نبني للناس وإذا لم نفهم هؤلاء فإن ثمة حوار طرشان يسري بيينا، يجعلنا في برج عاجي لا يتلمس الواقع والوقائع، ويبني بحسب الحاجات..
العمارة ثوب يرتدى على المقاس كما جاء في تراثنا العربي، وهو من صنع الإنسان الذي تعلمه من الحيوان واضاف له لبابته وعمق تفكيره وتدبيره. والعمارة عملية ذات مردود متعاكس أي أن الإنسان يبني العمارة"أي نعم"، لكن العمارة بدورها تبني الإنسان من ناحية ذوقه وراحته ومزاجه ومشاعره وحتى مديات إدراكه.. لذا فالعملية المعمارية ليست كما يعتقدها البعض، قلم وورق ووضع مربعات و"تسفيط" عناصر إنشائيه هندسية، تحشى بوظائف معمارية، ثم تقام لها الواهات وتضاف إليها ممارسات فنية تكمل دورها الرباعي(الوظيفة-المتانة-الإقتصاد-الجمال)، وأحيانا تكون تلك الممارسة مقصد في تغطية وهن المحتوى كحالة نفسية متعددة التطبقات..أي أن المبالغات الفنية والتزويقية تعكس وهن داخلي في حبكة التصميم الوظيفي.. لذا كل تلك العمليات المعقدة والدقيقة والمعادلات تحتاج إلى وعي متعدد المرجعيات غير الإنسان والنفس والثقافة، يتعلق بالهندسة والإنشاء والحيل (الميكانيك) وخامت البناء وفيزياءها وخصوصية أدائها ومناسبة توظيفها في مجمل تلك الحبكة للوصول إلى ذروة المعادلة بين (فكر/عمارة).
كل ذلك يحتاج إلى وعي ثقافي يتعلق بالموروث التراكمي  والعقلية والأعراف والطبيعة البشريه والإقتصاد والسياسة والفن، وكلها روافد للطروحات الثقافية التي تحرك ساكن أو آسن الوعي وتثير التساؤل النقدي الذي نسعى له في مرحلة مابعد الإنبهار والصدمة الثقافية والتقليد الأعمى الذي أخذ منا قرن من السنين التي تهنا بها وتخبطنا، ومازلنا، ونحن في حالة إنقياد أكثر من قيادة..
هذا يعني أن كتابي "المكان والعمارة" هو إحدى محاولاتي لربط الوعي المعماري بالوعي الثقافي العام والخاص ويشمل كل ثقافة محلية.. فحدود الثقافات وخصوصيتها معلومة ومرسومة، وأن التقت في نقاط فهو إثراء لتوسيع مشتركاتها وأنساق تواصلها مثلما الإسلام واللغة العربية وبعض أعرافنا، التي هي ميراثنا المشترك وجامعنا، ومذلل تواصلنا. فإن أحتفظت الثقافات ببعض ملامح تخصها فإن الأمر يحتاج من المعمار أن يكون مطلع عليها ومحلل لمعطياتها، وينبي لكل ثقافة عمارتها ولا يملي عليها كما هو واقع(المركزية الغربية) التي أرادت إلغاء الآخر وتكريس ذاتها المتعالية المغرورة على حساب الثقافات ولكن لم ولن تفلح، ليس عنادا أو سلبية، ولكن لكل ثقافة معطيات أملتها بيئاتها الإجتماعية والجوية والأرضيه..وهذه الإملاءات تعني العمارة مجازا.



ماهي أبرز أطروحات هذا الكتاب؟
ثمة إشكالية في مفهوم المكان الذي يعني الجغرافية والتي قال عنها المعمار العراقي المرحوم محمد مكيه(1914-2015) بأنها الصفر المعماري، أي منها تنطلق العمارة وإليها تعود، فلا تبنى العمارة بالخيال والأساطير والهواء. فالأرض (جيو-جوه في اللغات الأكدية والكنعانية المورثة للعربية)، هي المكان والأم التي مازال وقع مفهومها مبهم في الثقافة العربية التي أخذت من البداوة حصتها الراسخة والمتشعبة والمتوارثة، فالبدوي لا يحب المكان كونه يكبله ويحد من حريته في الترحال وراء الكلأ والماء والمطر.. وهذا ما خلق لديه عقليه كارهة للانتماء المكاني، ونشط لديه الانتماء الزماني والخيال الشعري على حساب المكاني والمعماري. وهذا ما جعله في تناشز مع الحضارة التي ناقشتها الجدلية الخلدونية الحصيفة التي أسست لوعي مازلنا لم نستوعبه بعد ستة قرون، بأن البدوي يكره المدينة ويزدريها، بل وطمع بها وتاقت نفسه للاستحواذ عليها وحكمها مع حذر مشوب بخوف من الانغماس بها. فهاجمها وفرض سطوته وعقليته عليها، و خلخل توازنها البنيوي، وهذا ما لمسناه من أثر السلطات البدوية التي انقظت بالانقلاب العسكري والتحايل والعمالة للأجنبي، على سدة السلطات في البلدان العربية، وفرضت عقليتها المزدرية والمحتقرة للمكان المديني وأهله، ضمن تراكمات وأعراف متواترة جاءت بها من أصولها ، جعلتها بالنتيجة تفرض حلها الشمولي الذي عاد وبال على المجتمعات الحضرية . وهذا الفتق لم يرتق بين مجتمعات تواقة للارتقاء وسلطات كابحة له. ومكث الإشكال الأكثر إبهاما هو أن تلك السلطات دعت للوطنية الشاملة، لكنها مارست الإنتماءات الصغرى كالدينية والمذهبية والعرقية والعشائرية والجهوية والفئوية...الخ.. وهذا دحض فكرة الانتماء للأرض الشاملة والعامة، والتي تعني بكلمة أخرى (المواطنة). ونجد حتى دول الخليج والجزيرة العربية التي نشأت من نظام مشايخ بدوية فإنها جنحت في العقود المتأخرة لأن تكرس مفهوم المواطنة المملى في جمع الناس، فالتشرذم أدى إلى وبال وهدد السلطات نفسها، وأضعف شوكة الدولة التي هي وسيلتهم وغايتهم.
وبعيدا عن السياسة والاجتماع، فإن مفهوم المكان جوهري في الإدراك والموائمة المعمارية. فللمكان ذاكرة وروح لا يمكنها قبول الدخيل عليها، لذا نعد العمارة المؤتمن الأهم على سلامة وصيانة ثقافة المجتمعات واستدامتها ، بل أمست سدها المنيع أمام جارف التغيير الفوضوي وغير محسوب الخطى والتداعيات. ويحضرني في هذا السياق ما كتبه الصوفي الأندلسي /الدمشقي محيي الدين بن عربي(المكان إذا لم يكن مكانة لا يعول عليه).
وبعيدا عن الفقه الديني وشجونه التأويلية المؤرقة وتجاذباته المسيسة، لكن ثمة حقيقة تشير إلى أن  الإسلام كان في جوهره دين حضري دحض البداوة وحارب شعرائها الذين شطحوا بخيالاتهم الزمانية وافتخروا بالعشيرة وأمسوا سمة خطابها الخيلائي، فتحول هذا الخطاب إلى مغاز مكانية لوحدة الجماعة تسنى لها أن تبني حضارة مرنة تحترم الثابت الثقافي في الأقطار، وبالنتيجة أنتجت مدن عامرة كدمشق وبغداد والقاهرة والقيروان وفاس وقرطبة. ومكث (إعمار المكان) المقصد الثاني في المقاصد الإسلامية، وهذا إستثناء في الخطاب الديني العام لكل ما أنتجته البشريه من أديان.. وتحضرني مقولة تنسب للنبي عيسى(ع) ذكرها إبن حزم الأندلسي: (الدنيا قنطرة فاعبرها ولا تبني عليها). أو حتى الرسالة الموسوية التي نحت نحو رفض البناء على عكس الإسلام، وهذه حقيقة لا يدركها حتى المتاجرين بالدين الذين فضلوا الحل البدوي على النزعة المدينية للدين. لذا فإن ميراثنا الإسلامي لا يمكن إلغاءه كونه لا يروق لنفر من المتفذلكين المتدينين والعلمانيين المسيسين والسائرين في ركب المصالح ولعق أصبع من قصعة مريبة المصدر..
إن مادة الكتاب متضمنة شجون للبحث عن العاطفة التي ربطت الإنسان بالمكان، فالبدوي لم يكترث أن يدفن أباه وأمه في خلاء الأرض دون شاهد يعرفه ليعود إليه أو يجعله دائب الزيارة له في متسع أرض البادية. وهكذا روج لمقولة مفتراة عن النبي محمد (ص) قوله (خير القبور الدوارس) وهو محض مغالطة منهجية جوهرها معاشي وإقتصادي يتعلق بوجود الإنسان وإستدامة نوعه. لذا نجد عمائر القبور والأضرحة عند المجتمعات الفلاحية تكتسي حضوة وتعني في بواطنها العميقة تبجيل للأرض التي وهبت الإنسان الغلة وأدامت وجوده. لذا فالقبور وقدسيتها هي تبجيل للمكان من عمق المفهوم أكثر من ظاهرها المتداول والساذج.
تناولت كذلك المكان البيئي ونحن في حالة سجال بشأن البيئة، التي قوضنا ملكاتها بأنانية مفرطة ورعونة جلية، فالتراث العربي كان حريص على مرهف العلاقة بين الإنسان والعمران وشجون البيئة، التي عاملها كروح أكثر من مادة وخامات وإستغلال مفرط. وأن معاملتها بعنف يصنف ضمن الكفر الذي أهمله "المتدينون" . وناقشت في الكتاب مفهوم التراث المكاني وإمكانيات إستغلال ملكاته في التنمية الإقتصادية. وموقفنا من التراث وتطويره والمحافظة عليه كونه ملك للأجيال وليس حكر على جيلنا ومن سبقه أو تلاه..فالإنسان بطبيعته كائن (تراثي) أي أنه يستلم ما ورث من سابقيه ويعمل ليترك تراث لمن يأتي من بعده، وهذا يتطلب منه الحيطة والإنتباه لما ينجز ويترك خلفه.
كذلك ناقشت الثمن الأغلى الذي يدفعه التراث في حالة الإحتراب الداخلي والخارجي ، فما حدث بالعراق وسوريا وليبيا واليمن يعد جرائم بحق التراث الذي أستبيح من طرف عناصر جاهلة. وفي تونس شهدت أن بن علي بنى مسجده على أطلال قرطاج وكأنه يريد أن يخلد كما هو حال الطغاة مثل صدام الذي بنى قصره المنيف فوق تلة لأطلال بابل الخالدة. لذا فموضوع المحافظة على الموروث وعي لا يرتقي له المتناطحون على اشلاءه. وأبديت وجهة نظري بما تؤول إليه مفاهيم التراث وكيف تتصاعد. فإسبانيا يؤمها أكثر من 60 مليون سائح سنويا، نصفهم يذهب لما تبقى من الأرث المعماري والعمراني الإسلامي، رغم ان الأندلس  كانت هامش جغرافي إسلامي، لكن الإسبان كانوا أكثر حصافة من العرب في تسويقه ميراثها كسلعة، وروجوا له، بل أمسى هويتهم المعلنة في لجة تنافس الثقافات للجذب والإنتباه، ومصدر رزق لملايين من شعبهم.



كيف ترى واقع التأليف ضمن التنظير المعماري في العالم العربي بشكل عام؟
التنظير الثقافي "على العموم" شحيح في  الثقافة العربية، ولذلك أسباب تتعلق بالأوضاع القلقة في بلدان تلك الثقافة وخشية السلطات من المثقف أصلا، وتسابق المتهافتين والانتهازيين واللاعقين لتبوأ مقدمة الصفوف ارتزاقا. وهذا ناتج من طبيعة الأنظمة السياسية التي بنت مجتمعات هشة أخلاقيا، السبق فيها لأصحاب المواهب "البهلوانية" والعيارين. ولدينا في العراق البعثي نموذج وقبلها مصر الناصرية، حيث طفت فقاعات من قليلي الوعي لتبوأ المشهد، كونهم تزلفوا للسلطة التي آثرت الولاء على الموهبة، لذا لا يمكن أن تكون الظاهرة الثقافة عندنا صحية حينما تسلك منهجا لا أخلاقي.
وحسبي ان السلطات السابقة للشمولية البعثية والناصرية و(الزينية) في تونس، كانت قد أفرزت طبقات من المبدعين أكثر حصافة وواقعية وأعمق أثر. ففي العراق مثلا لم تنتج ثقافته مثقف عضوي  حقيقي غير علي الوردي الذي لجمه البعثيون وحجموه، بعدما كان دالة حركت آسن الوعي في مرحلة مخاض ثقافي مفصلي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وأنتجت حراك فكري حقيقي.
لذا وفي قراءة المشهد العام للثقافة العربية،  فإن الغث زاد على السمين، والحشو كثر على الصلب والهامش كثر على المتن.. وحسبنا أن لا يعول كثيرا على المنتج النشري إذا لا يكن له تأثير في حراك وعي الناس. وحسبي أن الثقافة العربية تمر بمخاض خطير على كيانها ووجودها اليوم يسترعي الحيطة لما يراد لها من طمس رغم ثراء مكنونها.
أما المنتج التنظيري المعماري فهو شحيح حتما في ثقافة تعاني الكسل والتخبط وفشل في إختيار المسلك المناسب. فالتأليف يحتاج إلى محفزات معنوية ومادية غير متوفرة في بلداننا على عكس الدول الغربية ، وانشغال المثقف (بمعمعة القفه) يشغله ويشتت تركيزه ، ولا يهبه الجو المناسب للكتابة بعمق. وثمة ظاهرة التلاص المعرفي أي السرقات من المبدعين التي تمارسها جهات عدة. ففي إحصائية قرأتها قبل عامين بأن 90% مما ينشر في مصر هو محض سرقات أدبية، اي أخذ منتج الآخرين وإبدال أسم المؤلف وعنوان الكتاب، أو حتى شراء منتجه من صاحبه الفقير بباخس المال. وثمة ظاهرة  السرقات دون رقيب أو قانون يحمي المؤلف. وحدث لي شخصيا أن تركت سويعات لنص (معجم العمارة الإسلامية) الذي عملت عليه لست سنوات (1999-2005) عند دار نشر تدعى(حوران) في دمشق ولم أتفاهم بعيدها مع الناشر، فسحبت نسختي وسافرت للسويد، لكن فاجأني بانه نشر كتابي وشارك به في معارض الكتاب دون العودة لي أو الإتفاق معي.. وهكذا هو حال الكثيرين بغياب القانون الرادع، وما يتداعى من حالة إحباط وخيبة أمل لدى المؤلف. أقول التنظير المعماري يحتاج إلى جهود كبيرة ووعي من المعماريين وليس الصحفيين والمدبجين والحشويين، بل أصحاب الشأن، الذين لديهم ما يدلوه في هذا الموضوع الهام الواقع في صلب الثقافة.



كيف تجد تعامل دور النشر مع المؤلفات التي تبحث في المعمار؟
لم تظهر في كل الثقافة العربية دار نشر باختصاص واضح ومؤطر.. فكتب الفن والعمارة تحتاج إلى ناشر حصيف متخصص يستشعر قيمة الكتاب ويعرف أين يسوقه، وهذا ما لم نجده في الثقافة العربية للأسف. أتذكر بأنه كان شخص يعمل مع زوجته فقط في بيروت، وتوفى إلى رحمة الله قبل أربع سنين اسمه (مصطفى القبيسي) ودار النشر التي ملكها أسمها (قابس) وأختص بالكتب المعمارية حصرا، وطبع لي أحد كتبي (مبادئ التصميم المعماري) 2010، والذي وجد صداه، وسوقه الرائجة. ورغم أن الرجل تاجر، اي يفكر في الربح والخسارة، ويشترط الاقتضاب في النصوص كي تكون مربحة له، لكنه بادر وقدم وجزاه الله خيرا. لذا أتمنى أن تأتلف مجموعات من المثقفين العرب من منظري العمارة والفنون في تجمع غير ربحي لطبع منتجهم وما يجود به زملائهم وتعميمه وتسويقه، فهو مشروع يجد صداه لدى الكثيرين.. كون أعداد المعماريين والمهتمين بالثقافة المعمارية تتوسع دائرتهم، وهو مؤشر رائع، لذا لابد من الاستفادة من تلك المعطيات لترسيخ عملية نشر معماري واعي، وتوعوي لتحريك ساكن الفكر وخلق تيارات نقدية، يمكنها أن تشكل مرشح للحكم على مانينيه اليوم. فنحن نبني ونسوق العمائر دون أن يعرف الناس جودتها وقيمتها وسط تهافت المال وتسابق مؤشرات أسواقه والمتاجرات والبحث عن الربح السريع. لذا لا بد من تصاعد الوعي المعماري الذي أعده مؤشر لوعي الناس ومستواهم الحضاري في كل مراحل التأريخ.



ماهي تطلعاتك التأليفية المقبلة؟ 
حقيقة أدائي التأليفي لم يكسبني المال لكنه أكسبتني الجاه ومحبة الناس والتواصل والرجاء والقناعة بالأداء وراحة الخاطر، وحسبي أنه الأهم في حياتنا كبشر نسعى ونؤدي مهامنا ونحن مسافرون في حياة قصرت أو طالت ، لكنها تبقى عابرة، ويهمنا أن نترك الأثر النافع لمن يرد بعدنا. وهذا هو هاجسي في الكتابة الذي أعده تفريغ لتراكمات معرفية وهبني الله إياها ،حينما أكسبني الغربة التي هي ثراء معرفي ،و الحياة الكريمة وكتب لي السلامة حينما كان ومكث  بلدي يحترق منذ أربع عقود على الأقل .
لقد أخرجت 12 مؤلف في الاختصاص المعماري وخارجه كان أهمها (معجم العمارة الإسلامية) بغداد 2005، وهو مادة معجميه على 1000 صفحة. ثم كتبت ناقدا الحداثة (العمارة الإسلامية...سجالات في الحداثة -2009 بيروت). وكتبت عن المدائن العراقية وعن علي الوردي وثمة مؤلف لي عن (الألسنة العراقية) وهو جرد لتطور الظاهرة اللسانية في الثقافة التراكمية، كونها تشكل دالة على اقدم محاولة بشرية في نقل الكلام إلى رموز ترقن لتبقى تحتفظ بأطر الفكر وتوضح طرائق الحياة .فقد شهد العراق أقدم كتابة حوالي 3200 ق.م وهو زمن مبكر في الارتقاء البشري من الوحشية للحضارة، لأجردها في سفري المتواضع، خلال الانتقالات اللسانية بين الأكدية والآشورية والبابلية ثم الآرامية(النبطية) ثم العربية حتى دارجة اليوم، وهي سلسلة تصاعدية لأصل لساني واحد مشترك.
لدي نصوص جاهزة اليوم أهمها أربع: اللغة والعمارة وهي علاقة محسوسة وغير ملموسة في تداخل اللغة والعمارة في الثقافة العربية. والثاني هو (التأريخ المعماري.. المدرك والمستدرك) ويتعلق بطرق الثابت والمتغير المعماري ،وكشف الزيف والمبالغات وحتى الكذب الذي أملته المركزية الغربية على ثقافتنا وصداها عند بعض العرب، ولاسيما في مصر والشام، ولاسيما كشف عمليات تزوير التأريخ المعماري. وأتمنى أن تكون مادته بعد النشر مسار ودالة توعوية لدارسي تأريخ العمارة والمثقفين، ودحض لتوجهات  ذوي نزعة (عقدة الخواجة) الذي زرعوا الدعة فحصدوا الضياع .
الكتاب الثالث هو (الفنون في العمارة الإسلامية) وهو رصد تحليلي لمنبع الفنون التي مورست في عهود الإسلام وجذورها الأعمق في كل الثقافات التي أمست إسلامية فيما بعد. ويحمل الكتاب الكثير من شجون تنظيريه وتطبيقية في هذا المجال. والكتاب الرابع هو (الأخلاق والعمارة)، كون العمارة ممارسة ثقافية واجتماعية ينعكس عليها واقع أخلاق القوم، لذا وفي حالتنا ونحن نبتعد من المكارم، حري بنا أن نرصد هذا النأي من خلال رصد المنتج أو الممارسة المعمارية.
ولدي مسودات لكتب أخرى تتعلق بالمدينة وشجونها والاستشراق والعمارة وكذلك علم الجمال المعماري الذي لم يطرق ولاسيما في ثقافتنا العربية.. والله ندعوه السداد والتوفيق لكم ولنا.



* علي ثويني: دكتور معمار عراقي مغترب منذ 44 عام. يقيم في السويد منذ 30 عام. مواليد بغداد 1957 ويعمل في الإنتاجية المعمارية والتنظير والتدريس كخبير لليونسكو في الترميم الحضري والمعماري، وعمل في الجزائر والعراق والأردن والسويد وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية. درس العمارة في بوخارست وباريس وستوكهولم وبودابست وله عدة مؤلفات.


مادة خاصة بمدونة "منشورات"/ حاورته: بثينة عبد العزيز غريبي

هناك تعليق واحد:

  1. ممتع يحلّق بك في سماء العمارة ودلالاتها وشواهدها ورموزها وتفاعلاتها مقال متميّز بل مفرد بكل المقاييس فشكرا على هذا الامتاع والمؤانسة مع العمارة

    ردحذف

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...