الاثنين، 12 أغسطس 2019

(صوت القارئ) عن "تأملات عن الأدب الروسي" لـ فلاديمير ياكوفليفيتش لينكوف - عبدالله عواجي


أحب في البداية أن أنتهز هذه الفرصة في مقدمة المراجعة لتقديم جزيل الشكر و العرفان للمترجمين و عملهم، فمع أن النص هو نص الكاتب و لكن اللغة هي لغة المترجم (أي: العربية). أعمال الترجمة تبقينا على صلة واتصال بآخر النتاجات الثقافية العالمية فهي بذلك مهنة تستحق الإشادة و الدعم.
لماذا اخترت هذا الكتاب؟ السبب في اختياري قراءة "تأملات عن الأدب الروسي"* هو رغبتي في أن ألم بصورة موجزة عما وراء النصوص -بمجرد عن كونها نصوص أدبية / روائية و ما يقف خلفها من خلفية فكرية أدت لظهورها إلى السطح بهذا الشكل وبهذه التركيبة.
لأنّ قراءة الأدب قد تكون أحياناً قراءة عابرة تكتفي بالظاهر من النص الأدبي وتستمتع بالقصة وأحياناً ننتقل لأبعاد أكثر عمقاً فنحلل النص من ناحية لغوية بلاغية ونطيل التأمل في الحبكة  الأبطال والعقدة والحل؛ وتارةً نرغب في التعمق لدراسة الأيديولوجيا الفكرية التي تقف خلف النص وعقلية كاتبه وهذا ما رغبت فيه بالنسبة للأدب الروسي، خصوصاً لكوني لست منغمساً في القراءة الفعلية لهذا الأدب.
يتبع الكتاب منهجية تحليلية تفكيكية و تسلسلاً تاريخياً يبدأ من أقدم الأدباء الروس في القرن التاسع عشر وهو غوغول، و ينتهي بـ بونين، يحلل النصوص الأدبية للكتاب من خلال اقتباس أهم المقتطفات من الروايات التي كتبوها ثم يمزج ذلك بالعقيدة الفكرية التي كان يعتنقها هؤلاء وكيف أثرت على الحبكة الروائية لديهم ونوعية الحوارات وشخصيات الأبطال الرئيسية.
أهم ما يمكن استخلاصه من الكتاب هو تأثر نوعية الأدب بالأوضاع الفكرية والاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك في روسيا وانعكاس لتفكير النخب و العامة. لا يمكن فصل ذلك عن النصوص الأدبية التي ظهرت سواء في "الحرب و السلم" أو "الإخوة كارامازوف" كأهم عملين رئيسيين لتلك الحقبة - عن الحوارات المجتمعية و المخاضات الفكرية العسيرة التي كان يمر بها المجتمع الروسي آنذاك و التي بلا شك شكلت منعطفاً فارقاً بالنسبة للأيديولوجيات التي سيتبناها المفكرون الروس و من بعدهم السياسيون و عامة الناس في القرن اللاحق لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الجغرافي لروسيا وكيف أن متاخمتها لحدود أوروبا الشرقية هي ما عجّل بانتقال الأفكار الأوروبية التي تم تداولها في عصر الأنوار في القرن الثامن عشر و في فلسفة هيغل وغيره من الفلاسفة الرائدين في ذلك العصر.
من ناحية ثانية كان الأدب آنذاك انعكاساً للأوضاع الاجتماعية من حيث الطبقية الموجودة و النظرة الدونية للآخر الأقل في المال والمقام وهذا واضح في مختلف الروايات. على سبيل المثال روايتي"*الفقراء" أو "مذلون مهانون" أو رواية "المغفلة" لتشيخوف. وتعرّض تولستوي في عمله الرئيس "الحرب و السلم" للطبقة الارستقراطية الروسية بشيء من التفصيل. كل ذلك يعكس العقلية المجتمعية الروسية آنذاك التي كانت الطبقية فيها شيئاً واقعياً و متقبلاً وكوضع طبيعي قائم كانت الروايات تشرحه مع بعض التلميحات لعدم صوابيته.
بوشكين الشاعر الفذ المنحدر من أصول أرستقراطية امتلك الشجاعة لينتقد الطبقية في أعماله الشعرية وفي رواياته التي اختار لزيجاته أبطالاً من طبقات غير متساوية كرواية "ابنة الضابط".
يدور أيضاً في المخاض الفكري الروسي العنيف كما يبدو والذي أظهره الأدب التقلبات بين الشك والايمان واليقين واللايقين كنتيجة للتأثر بالأفكار التي هبت من الشرق وهي أفكار عصر الأنوار كما أسلفنا، أفكار التمرد ضد الكنيسة واستبدادها والخروج من عباءتها و طرح السؤال حول حقيقة الإيمان مقابل فلسفة الوجودية / العدمية.
لقد حاول الكتاب الروس في تلك الفترة التصدي بالمعالجة لتلك الأفكار كما فعل ذلك تولستوي ودويستوفسكي اللذان حاولا أن يطعموا قصصهم ببعض الشذرات الدينية أو الأخلاقية. لا ننسى طبعاً أن فكرة أنه ليس بالضرورة أن يكون للأخلاق أساس ديني كانت حاضرة بقوة في تلك الفترة.
من الجيد أن نذكر و نضع هذا الجانب لمزيد من التحليل والتأمل أثر الأدب في سيرورة التاريخ بما يحمله من قوة تأثير على الفكر ومن ثم على السلوك وعلى خط التاريخ. لاحظنا كيف استطاعت الماركسية و الشيوعية التي استفادت كثيراً من العمل الأدبي أن تكون قوة ضاربة غيرت وجه التاريخ. كذلك بالمثل غيرها من الأفكار التي شكلت المخاض الفكري في القرن التاسع عشر.
إن الأفكار المنتصرة ستغير سيرورة التاريخ و سيكون الأدب وقودها في بعض الأحيان كما في حالة المجتمع الروسي.

* نقل هذا الكتاب إلى العربية المترجم العراقي تحسين رزاق عزيز، وقد صدر عن "ابن النديم" و"الروافد الثقافية" ضمن سلسلة "نديم الترجمة"

المصدر: غودريدز
غودريدز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...