السبت، 3 أغسطس 2019

(متساكن جديد في مدينة الكتب) "الجزائر نحو جمهورية جديدة" لـ نور الدين خبابه

صدر حديثاً في فرنسا كتاب "الجزائر نحو جمهورية جديدة" للإعلامي الجزائري نور الدين خبابه، على أن ينشر على الإنترنت بالمجان، لتمكين الجزائريين والجزائريات من مطالعته لا سيما في هاته الظروف التي تمر بها الجزائر.
والكتاب هو عصارة أفكار وتراكمات معرفية وتجارب صاغها المؤلف في 5 فصول.
في الفصل الأول يُقدِّمُ الكاتب من خلال الإشكالية التي يطرحها، بحثاً موضوعياً مُفصّلاً، يغوص من خلاله في أغوار ودهاليز الأزمة الجزائرية، الممتدّة إلى ما قبل الاحتلال الفرنسي، مُستعمِلًا في ذلك المعاينة والتشخيص.
كما يشرح الكاتب ضمن هذا الفصل عملية الاختراق التي تعرض لها المجتمع الجزائري، منذ معركة نافارين التي أستُدرِجَ إليها الأسطول الجزائري وحُطِّم، وكان ذلك مقدّمة لاحتلال الجزائر، وإلى غاية صدور الكتاب، عبر محطّات تاريخية وتسلسل منهجي سلس، وكذا انطلاق الجمهورية الجزائرية على أسُسٍ خاطئة، وتراكمات سلبية ورّثت جملة من الصراعات والصدامات والأحقاد، وولّدت احتقاناً يكاد يحرق الجزائر.
في الفصل الثاني، يشرح كيفية تطويق الأزمة الجزائرية وطمأنة الشعب الجزائري من خلال بعث الأمل، حتى لا تضيف الأزمة أزمات أخرى، الشعب في غنى عنها، وترهن مصير أجيال المستقبل.
ويشرح كيفية الوصول إلى وعي عامّ في الجزائر عن طريق اقتراح مشروع مجتمع، كبديل حضاري يتلاءم مع طبيعة الشعب، تدفع إليه مؤسّسة وقناة المصالحة المستقلة، بغرس ثقافة الحوار وتبادل الأفكار والاهتمام بالأسرة، وتبنّي ضحايا المأساة الجزائرية، وفتح برامج توعوية وتنموية تنافسية، ونوادي المصالحة في الداخل والخارج، وتهدف إلى إعادة اللُّحمة داخل المجتمع الجزائري والحرارة الأسرية التي غابت، وبناء جسور التواصل، وإحياء القِيّم والأخلاق والفضائل، ومحاربة الرّذائل والآفات الاجتماعية المختلفة.
وفي الفصل الثالث يشرح خيارات التغيير، وما يحمله كل خيار من مخاطر على أمنِ واستقرار البلاد والمنطقة بصفة عامة، ويُبيّن الخيار الأمثل والأسلم الذي يليق بالجزائر دولة وشعبا، يحفظ وحدتها، ويحصن تاريخها وحاضرها، ويصنع مستقبلها الزاهر.
في الفصل الرابع يُقَدِّمُ المؤلّف كيفية معالجة الأزمة الجزائرية، وبناء جزائر الغد المنشودة، لتحقيق التنمية المستدامة، عبر محطة تاريخية فاصلة، تهيئ المناخ لمستقبل واعد، وتدفع بالجزائر نحو الأحسن. وهذا بعقد مؤتمر الجزائر، الذي يصادق فيه المؤمنون بالتغيير المرحلي التوافقي على ميثاق وضمانات، ويُفضِي الى تشكيل حكومة وطنية تشارك فيها الكفاءات في الداخل والخارج. ويكون مؤتمر الجزائر مُنطلقا لتأسيس جمهورية جزائرية جديدة عبر مراحل، تُحقّقُ حُلم الأجيال، وتُجسّدُ تضحيات الشهداء المتعاقبة، في إطار مشروع مجتمع جديد، يحفظ الذاكرة الجماعية، وهوية الشعب. ويؤسّس لمصالحة وطنية حقيقية، كسلوك حضاري يُنهي عصر الضغائن، ويؤسّسُ لعصرٍ جديد يهدف إلى نهضة شاملة، تجعل من الجزائر بلدا كامل السيادة، يكون رأس مالها الإنسان، كما يضع مؤتمر الجزائر معالم للأجيال اللاحقة.
وفي الفصل الخامس والأخير يُقَدِّمُ اقتراحات لحل النزاعات في المنطقة، وبناء المغرب الكبير، في إطار مُصالحة مغاربية، تُبنى على أسس متينة، لتُساهم في جعل المغرب قوة في المنطقة. ويدفع إلى مصالحة عربية تُساهم في رأب الصدع، وتقضي على الحروب والنزاعات، وتسُدُّ النزيف الدموي الحاصل، وتفتح الآفاق بين الشعوب، لإرساء دعائم الأمن والسِّلم والتعايش في العالم، في ظل بيئة جديدة، بعيدة عن الحروب؛ بل للإعمار والاصلاح في الأرض، والتّنافُس على خدمة الإنسانية جمعاء، في إطار مؤتمر عالمي، وميثاق دولي جديد.
ويكشف الكاتبُ في الملحقات وثائق رسمية متعلقة بالثورة الجزائرية، تُميطُ اللثام عن قضايا كانت ضمن المحظور. الكتاب يحتوي على 212 صفحة.


المصدر: ضفة ثالثة

الجمعة، 2 أغسطس 2019

(المؤلّف يقدّم نصّه) كاميرات وملائكة لـ حسن فالح: بغداد على محكّ الديستوبيا

* توحي النبذة التي تقدَم رواية "كاميرات وملائكة" (منشورات سطور) بأنك اتخذت من مستقبل بغداد موضوعاً. لماذا هذا الاختيار؟
رواية "كاميرات وملائكة" هي آخر عمل روائي لي، إذ صدرت في عام 2018، وانبثق هذا العمل بعد ساعات من انفجار حي الكرادة عام 2016 الذي أودى بحياة أكثر من 400 شخص، عندها وحين كنت أشاهد هذا الكم الهائل من الدمار والخراب والضحايا فكّرت لو استمرّ الحال على ما نحن عليه. فكرّت أنه قد لا يبقى منا أحد وقتذاك، وأن سيكون حال بغداد كحال المدن التي اختفت في السابق ولم يبق منها سوى أطلالها، ربما لن يبقى منها سوى القصص التي ربما ستتحول فيما بعد إلى قصص تندرج ضمن غلاف ألف ليلة وليلة، وربما سيكتب عن شعبها أنه شعب كان يحلم بالسلام، لكن حلمه لم يتحقق. أما عن قصدية اختيار هذا الموضوع، ربما يحمل الروائي مخيلة تمرّنت على إضفاء الخيال على الواقع للوصول بالمتلقي أو القارئ إلى ما لا يمكن اعتباره مجرّد تدوين لمذكرات المدينة، لذا أضفت ما يمكن اعتباره رؤية يمكن تصنيفها على أساس الواقعية السحرية في الكتابة السردية، وتحميل النص أسماء الأمكنة الحقيقية وبقائها على ما هي عليه داخل المدينة التي ارجو ان تبقى بسلام دائم.



* لو تحدثنا عن تراكم فكرة هذا العمل؟ وهل توجد خيارات أسلوبية وسردية معينة يمكن الإشارة لها؟
عام 2016 تم ترشيحي لورشة كتابة جائزة البوكر بالاشتراك مع مؤسسة عبد الحميد شومان في الأردن- البتراء، وكنت ضمن مجموعة من الكتاب الشباب من بلدان عربية مختلفة، وكان على كل واحد منا قراءة نص سردي مكتوب، ومن ثم يستمع جميع الحاضرين من مدراء للورشة وكتاب إلى النص ويعطون الملاحظات لتطويره ومن ثم يتم التعديل عليه، وكان نص "كاميرات وملائكة" عبارة عن قصة كتبتها بعد أحداث انفجار حي الكرادة ببغداد، قرأت بعضه في الورشة ومن ثم تم تطويرها داخل ورشة العمل بعد تلقي الملاحظات من اللجنة المشرفة، لتتحول فيما بعد إلى عمل روائي في 144 صفحة. اعتمدت طريقة الكاميرات بدل الفصول التي تعوَّد القارئ عليها في الروايات، ويمكن أن يكون هذا الأسلوب تجريبياً بعيداً عن رتابة الإخراج الفني للرواية المتبع عادة، والذي يعتمد على الفصول المتتالية التسلسل داخل العمل السردي.



* هل يمكن القول بأن الرواية تحمل نظرة تشاؤمية عن مستقبل العراق، وربما البلاد العربية بشكل عام؟
فيما يخص الخيارات الأسلوبية او الأسلوب السردي للرواية والنظرة التشاؤمية فقد كتبت بما يمكن أن نطلق عليه الأسلوب الديستوبي ويعد هذا النوع من الأدب (الديستوبيا) أدب مخيالياً لا ينتمي للمنظومة الكلاسيكية في السرد فهو أدب المدينة الفاسدة أو أدب الواقع المرير والنهايات، وهو أيضا ادب مخيف غير مرغوب فيه يوضّح ملامح القبح والخراب من خلال الكتابة، لذا
توضح الرواية مستقبل بغداد من وجهة نظر سماوية وعبر ما سجلته كاميرات الملائكة التابعين لغرفة رئيس الكونترول المسؤول عن كل شاردة وواردة في هذا العالم وهي بذلك تقترب للروايات التي كتبت من قبلها، ففي عام 1863 قدم الكاتب الفرنسي الكبير جول فيرن رواية "باريس في القرن العشرين"، وضمنها ظهرت باريس في عصر تتقدم فيه التكنولوجيا كثيرا وتتراجع الثقافة. كما قدم رائد الخيال العلمي هربرت جورج ويلز روايته "آلة الزمن" عام 1895، وهي مصدر إلهام للعديد من الروايات في ما بعد، حيث أعطت صورة متقنة لمستقبل بالغ الشناعة ينقسم فيه البشر إلى صنفين: الصنف الأول "مورولوك" وهم الطبقة العاملة التي تسكن الأنفاق وتحيا حياة بائسة، والصنف الثاني "الإيلوي" الذين ينعمون برغد العيش، ويعتمدون اعتماداً كلياً على الآلات والتكنولوجيا. لذا فالديستوبيا ليست اتجاها فنيا فحسب بل واقع نعيشه عبر التاريخ الإنساني، حيث يعد القرن العشرون العصر الذهبي للديستوبيا الحقيقية على ارض الواقع، ديستوبيا دول فاسدة وحروب ودمار.



* كيف وجدت استقبال الرواية، وبشكل عام كيف ترى مقروئية الرواية العراقية في العراق نفسه وفي الوطن العربي؟
بداية يمكن القول إن الرواية العربية بشكل عام حققت في 150 عام ما لم يحققه الشعر في 2000 عام، وذلك باعتبار أن العرب امة شعرية منذ القدم، لكن ولأن الرواية التي دائما ما أصفها بأنها جنس أدبي يفترس كل ما يقع أمامه من شعر، قصة، أسطورة، خرافة، مقال ونثر لذا فهو جنس متطور يسع كل شيء، وحقق حضورا على مستوى عالمي لا سيما بعد وصول كتاب عرب لنيل جوائز عالمية وإقليمية ومحلية. وفيما يخص الرواية العراقية فقد سجلت حضورها في المشهد العربي والعالمي وذلك من بعد عام 2003 الذي أعطى حرية في الكتابة من غير قيود على الكاتب، لا سيما أن هذه الفترة شهدت أكثر من 700 عمل روائي عراقي وبذلك حققت هذه الفترة إنجازاً لم تحققه في الفترات السابقة. وربما يرى البعض أن هذا الرقم هو رقم كبير بالنسبة لنوعية الرواية وجودتها وهناك استسهال في إصدار الروايات لكن يمكن الإجابة على ذلك بأن فرنسا في العام الواحد يصدر فيها أكثر من 700 رواية لكتاب من كلا الجنسين وبأعمار مختلفة. وبخصوص رواية "كاميرات وملائكة" فهي عملي الأخير وقد سبقته رواية "تكسي كراون" عام 2015، ورواية "قارئ الطين" في 2016، ومجموعة قصصية بعنوان "حدائق الصمغ" صدرت في 2017. ألاحظ أن رواية "كاميرات وملائكة" تحقق مبيعات جيدة في شارع المتنبي الذي يعد شارع الثقافة ببغداد.

(مادة خاصة بالمدوّنة)

الخميس، 1 أغسطس 2019

(متساكن جديد في مدينة الكتب): "العُبور الخَطِر" لـ أمِيا كومار باغتشي

صدر عن سلسلة "ترجمان" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب العبور الخطر: الجنس البشري والصعود العالمي لرأس المال، وهو ترجمة عمر سليم التلّ العربية لكتاب أمِيا كومار باغتشي بالإنكليزية Perilous Passage: Mankind and the Global Ascendancy of Capital.
يجمع هذا العمل التأريخي الشامل بين أفكار مؤرخي الحرب وأفكار المنظّرين الماركسيين ومنظّري النظام العالمي، ويصف ظهور الرأسمالية وعملها كنظام تحركه السوق بدلًا من العمل بشكل أصيل على مبدأ الأسواق الحرة، موسّعًا فهمنا لطبيعة الرأسمالية وتاريخها.


قضايا مفاهيميةيتألف هذا الكتاب (683 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من أربعة أقسام. جاء القسم الأول منها بعنوان "قضايا مفاهيمية: التنمية البشرية والنمو الرأسمالي"، واحتوى على ثلاثة فصول.
في هذا القسم، يعارض باغتشي في الفصل الأول منه والمعنون "تاريخ التنمية البشرية بوصفه موضوعًا للتاريخ"، وجهة النظر التي تعتبر أوروبا والسوق الحرة بمنزلة المخطط الوحيد للتقدم المحرَز في إمكانية العيش بمستوى معيشة مرتفع عبر تعزيز النمو الاقتصادي، فثمة إنجاز إنساني أهم من تحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع، وأوروبا لم تكن المصدر الوحيد للقيم أو طرق التنظيم التي ساهمت في تحقيق التنمية الإنسانية.
ويرى في الفصل الثاني بعنوان "بناء مفهوم المعجزة الأوروبية"، أن البناء المفهومي لقصة المعجزة الأوروبية يعتمد على الاستعمال الانتقائي للتاريخ الأوروبي، "وعلى إغفال جزء كبير من تاريخ أكثرية البشرية، وعلى التوصيف المخادع لكيفية تنشيط ما يسمّى الأسواق الحرة للحضارة الأوروبية وتمكينها من غزو العالم. كما أنه يتجاهل دور الغزو بقوة السلاح في تمكين دول أوروبا الغربية وملحقاتها السياسية التابعة لها وراء البحار من أن تصبح القوى الاقتصادية والسياسية المهيمنة في العالم".
ويكشف في الفصل الثالث الموسوم بـ "السعي وراء الربح في ظل الرأسمالية القائمة فعلًا والتنمية البشرية"، عن علاقة صعود الرأسمالية بشنّ الحروب، وكيف ارتبطت النزعة القومية بالفوز في المنافسة على الأسواق والموارد، وبهذا أصبحت الحرب أداة في استراتيجية الأعمال التجارية للدول والرأسماليين؛ إذ من أجل شن الحروب، كان هناك حاجة إلى أيديولوجيا ملازمة بوصفها وسيلةً لتدريب الحكام، لكن أيضًا بوصفها أساسًا منطقيًا من أجل إخضاع العمال والرعايا المستعمَرين لهيمنة القوة المستعمِرة.


التنافس الرأسمالي والتنمية البشرية في أوروباأما القسم الثاني من الكتاب فحمل عنوان "التنافس الرأسمالي والتنمية البشرية في أوروبا"، وشمل خمسة فصول.
يقول باغتشي في الفصل الرابع "التسابق على السيطرة بين البلدان الأوروبية الغربية منذ القرن السادس عشر"، إن الحرب كانت المرافق الدائم لعملية التحضر؛ فالحرب والنفقات العسكرية والضرائب التي تسعى إلى تغطيتهما والدمار الناتج من التحركات العسكرية من الأسباب الرئيسة للركود الديموغرافي في أوروبا القرن السابع عشر. وكان شبح الحرب حاضرًا دائمًا في تدابير الحكومة المالية، وفي تجنيد القوى العاملة للجيش والبحرية، وفي انخفاض مستويات التغذية، وفي خطر الاستسلام للأمراض بوجود فشل موسم الحصاد أو انتشار الأوبئة.
وفي الفصل الخامس "نمو السكان ومعدل الوفيات بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر: نظرة أولى"، يوضح المؤلف أن عدد السكان في أوروبا وفي المستعمرات الاستيطانية الأوروبية في القرن التاسع عشر ازداد أكثر ممّا ازداد في أي منطقة أخرى في العالم. ومع ذلك، ليس ثمة أرضية صلبة تسمح بسحب هذا التباين على القرون التي يُفترض أن الدول الأوروبية أحرزت فيها تقدمًا على القارات الأخرى.
ويبحث باغتشي في الفصل السادس المعنون "هولندا: صعود قوة مهيمنة وسقوطها"، في صعود هولندا وانحطاطها في العصر الذهبي، ويرده إلى أنها تُظهر كيف أسقط التنافس بين الرأسماليات اقتصادًا كان مسيطرًا على تجارة أوروبا في العالم في القرن السابع عشر؛ وتشير إلى صعوبات إعادة الإنتاج الاجتماعية لقوة العمل في عصر رأس المال التجاري؛ وتُظهر دور المستعمرات في استدامة التراكم في الاقتصادات الرأسمالية؛ وتُظهر كيف تؤدي التراكمات الرأسمالية أو تعثراتها إلى تزايد التفاوت في الدخل والثروة.
أما في الفصل السابع والذي حمل عنوان "تأخُّر الانتقال إلى نظام يتسم بانخفاض معدل الوفيات في أوروبا وأميركا الشمالية"، فيقول باغتشي إن الحرب العالمية الأولى اندلعت في أوروبا قبل تحسين الصحة، وتحسين السيطرة على المخاطر البيئية، وقبل تحقيق التعليم للجميع حتى في عقر دار الرأسمالية.
وورد الفصل الثامن في الكتاب بعنوان "محو الأمية في أوروبا الغربية منذ القرن السادس عشر"، وفيه يعرض المؤلف تقدم محو الأمّية بين الرجال والنساء والأطفال، ومدى بطء هذا التقدم في معظم بلدان أوروبا قبل القرن التاسع عشر.


العالم خارج نطاق أوروبا في عصر ظهور الهيمنة الأوروبيةاحتوى القسم الثالث الذي عُنوِن بـ "العالم خارج نطاق أوروبا في عصر ظهور الهيمنة الأوروبية"، على عشرة فصول.
يبين باغتشي في الفصل التاسع المخصص لبحث "التنمية الاقتصادية في الصين ونوعية الحياة فيها بين القرنين السادس عشر والثامن عشر"، كيف أن المنظومة الإدارية التي أصبحت السِّمة المميزة للدولة الصينية في ظل الإمبراطوريات المتعاقبة سهلت نمو موارد الصين الاقتصادية وسكانها.
ويتساءل باغتشي في الفصل العاشر الذي أفرده للحديث عن "الهند في ظل حكم المغول وما بعده"، لماذا يوجّه المؤرخون الاقتصاديون السائدون النقد إلى الهند المغولية؟ ويقول إن من أسباب ذلك ثقل الدعاية الإمبريالية المحضة، التي صَوَّرت الهند قبل استيلاء البريطانيين عليها أرض بؤس لا ينقطع للناس العاديين، وعجرفة الجهل لدى كثير من المؤرخين الاقتصاديين الأوروبيين.
ويسأل أيضًا في الفصل الحادي عشر، "مزاولة التجارة في آسيا قبل مجيء الأوروبيين وبعده"، ما نوع التأثير الذي أحدثه رأس المال الأوروبي المسلح في التنمية الآسيوية قبل الغزو البريطاني للهند؟ ففي رأيه، كان لظهور البرتغاليين، الذين لحقت بهم القوى الأوروبية الأخرى، تأثير في مصائر المناطق الآسيوية الرئيسة بأربع طرق رئيسة: توسيع التجارة الدولية أو إعادة هيكلتها؛ التدفقات الداخلة من المعادن الثمينة؛ إعادة تنظيم الترتيبات السياسية بإدخال تكنولوجيات عسكرية جديدة؛ إعادة تخصيص الموارد في المناطق التي كانت منخرطة في التجارة مع الأوروبيين.
يرى المؤلف في الفصل الثاني عشر، "إعادة النظر في الاستثنائية اليابانية"، أن فرضية الاستثنائية اليابانية تتخذ أشكالًا عدة: ادعاء أن نمو اليابان الاقتصادي كان أسرع من النمو في الصين والهند في الفترة التي سبقت جلوس ميجي على العرش، وكان أسرع خلال عهد إيدو؛ ادعاء أن حقوق الملْكية في اليابان كانت من النوع الذي وضع أنموذجه منظّرو حقوق الملْكية الخاصة؛ مساهمة ارتفاع درجة التتجير أيضًا في زيادة نمو اليابان الاقتصادي؛ ارتباط النمو الاقتصادي بمستوى معيشي أعلى للسكان العاديين؛ تهيؤ اليابان للقيام بانطلاقة تصنيعية.
ويقول في الفصل الثالث عشر المخصص للحديث عن "التنافس الرأسمالي، والاستعمار، والرخاء المادي لدى الأمم غير الأوروبية"، إن الرأسمالية الصناعية وفرت مع بداية القرن العشرين المعرفة ومعظم التكنولوجيا من أجل تحسين طول العمر لدى البشر ونوعية حياتهم. مع ذلك، ظلت فوائد ذلك التقدم مقصورة على الأراضي التي استقر فيها البيض، وحتى هناك وزّعت الفوائد وفقًا للطبقة والجنوسة والعرق.


المهمة الحضارية والعَرقنة: من السكان الأميركيين الأصليين إلى الآسيويينأما في الفصل الرابع عشر "المهمة الحضارية والعَرقنة: من السكان الأميركيين الأصليين إلى الآسيويين"، فيجد باغتشي أن من أكثر صياغات أساليب الحكم الأوروبي تأثيرًا في المجموعات السكانية الأفريقية، ومعها أساليب التحضير المرتبطة بها، تلك الموجودة في كتابات فريدريك، اللورد لوغارد، الحاكم الإمبريالي في نيجيريا الواقعة تحت الحكم البريطاني. فقد وضع لوغارد نظرية الحكم غير المباشر، وهو ما مارسه الحكام البريطانيون مسبقًا في الأراضي الواقعة تحت الحكم الاسمي لمن يسمَّون أمراء الهند الأصليين، وفي معظم أجزاء الريف الهندي.
بينما يعدّد المؤلف في الفصل الخامس عشر، "المهمة الحضارية في الأراضي التي انتزعها المستوطنون الأوروبيون من سكانها الأصليين"، أسباب اختلاف القوى الأوروبية من حيث انتزاعها الأراضي للمستوطنين في الأميركتين وأستراليا واستراتيجياتها للسيطرة على موارد السكان الأصليين في الهند والصين وجنوب شرق آسيا. لعل أهمها أن البلدان الآسيوية كانت تتمتع ببنى حكومية أكثر تطورًا، وكانت أكثر كثافة سكانية. وانتزاع الأرباح منها باستخدام البُنى السابقة وتكييفها كان أكثر وجاهةً من اللجوء إلى الذبح الجماعي.
وفي الفصل السادس عشر، "تدفقات الموارد العابرة للقارات التي أدامت صعود القوة الأوروبية"، يقول باغتشي إنه لم يكن لدى الأوروبيين حتى نهاية القرن الثامن عشر الكثير ليبيعوه للآسيويين، لكنهم كانوا يرغبون في المنسوجات الهندية وفي الشاي الصيني. وجرى تسديد بعض المدفوعات من الأرباح المتحققة من التجارة البينية الآسيوية، إلا أن جزءًا كبيرًا من تلك المدفوعات كان لا يزال يُسَدَد فضةً وذهبًا.
ويؤكد في الفصل السابع عشر الذي يتناول "الإتاوات والأرباح الاستعمارية، من سبعينيات القرن التاسع عشر فصاعدًا"، أن انتزاع الفائض من المستعمرات التابعة كان يتحقق من خلال الحفاظ على أسواق منقوصة التنافسية، مع تدخّل حكومي مباشر يحول دون ظهور أسواق حرة في الأرض والعمل ورأس المال.
وفي آخر فصل من فصول القسم الثالث، أي الفصل الثامن عشر بعنوان "الكوارث الديموغرافية في المستعمرات وأشباه المستعمرات في أوج الاستعمار الأوروبي"، يتناول باغتشي المجاعات والحروب والخسائر الديموغرافية في الصين في القرن التاسع عشر، والخسائر الديموغرافية في الهند تحت الحكم البريطاني في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إضافة إلى الخسائر الديموغرافية في البلدان الأخرى المسكونة بغير البيض في أواخر القرن التاسع عشر.


الصراعات والحروب والتحديات غير النظامية لرأس المال العالميعنون المؤلف القسم الرابع في كتابه بـ "القرن العشرون: الصراعات والحروب والتحديات غير النظامية لرأس المال العالمي"، وضمّنه ستة فصول.
ففي الفصل التاسع عشر "تهيئة الساحة للحروب الكبرى"، يقول باغتشي إنه بنهاية القرن التاسع عشر، كانت القوى الرأسمالية الكبرى قد هزمت جميع دول وإمبراطوريات ما قبل الرأسمالية. كانت اليابان سريعة في تعلّم الفنون العسكرية والصناعية من البرابرة، ثم انتشرت التكنولوجيا العسكرية المتقدمة بين جميع القوى الكبرى من خلال رعاية الدولة المحلية مصانع الأسلحة الخاصة وتجارة الأسلحة. وكان لا بد للدافع نحو مزيد من القوة والربح من أن يفضي إلى نزاع مسلح بين قوى تسعى إلى حماية مستعمراتها، وقوى تطمع في حصة أكبر في النهب الاستعماري.
ويرى المؤلف في الفصل العشرين المعنون بـ "الثورة، والنازية، والنزعة العسكرية اليابانية، والحرب العالمية الثانية"، أنه كانت وراء صعود الفاشية والنازية تقاليد السلطوية والنزعة العسكرية السابقة والأزمة التي تشهدها الرأسمالية الدولية والخوف من الشيوعيين. وكان من شأن هزيمة ألمانيا في الحرب، وتبادل اللوم إزاء تلك الهزيمة، وقبول معاهدة فرساي المفروضة على ألمانيا أن سهلت ظهور الفاشية الألمانية.
في حين يرى في الفصل الحادي والعشرين الذي تكلم فيه عن "الإمبريالية والحروب في أواخر القرن العشرين"، أن الإمبريالية والرأسمالية تتطلبان أيديولوجيات تسوغ امتياز القلة؛ "إذ رأينا كيف أن الداروينية الاجتماعية والعنصرية العلمية كانتا بمنزلة دعامتين للسياسات التمييزية التي تعزز السيطرة والاستغلال الرأسماليين. ولا يزال الجهد المبذول لإنشاء قواعد جديدة للأيديولوجيتين، من خلال ربط الذكاء بالوراثة، متواصلًا".


الرأسمالية والتنمية، التدمير والتناقضات  بحسب باغتشي في الفصل الثاني والعشرين الموسوم بـ "الرأسمالية والتنمية غير المتكافئة في القرن العشرين"، واجهت أنظمة الحكم التي جاءت إلى السلطة في إثر نضالات كبرى مجاعات كبيرة. كانت الأنظمة التي أطاحتها تتربع على مستويات منخفضة من الإنتاجية، وهوامش ضئيلة بين المجاعة والبقاء في قيد الحياة. وكان من شأن أي صدمة كبيرة أن ترجح كفة التوازن نحو الوفيات الجماعية. كما واجهت أنظمة الحكم التي جاءت بعد الثورة معارضة شديدة من الدول الرأسمالية.
وينتقل بعد ذلك إلى الفصل الثالث والعشرين، "التدمير والتجديد في النظام النيوليبرالي العالمي"، الذي قال فيه إن العملية الديمقراطية عانت في كثير من الدول الأخرى الديمقراطية تخريبًا مارسته سطوة المال والإعلام الذي تسيطر عليه الأقلية الحاكمة، بالاشتراك أحيانًا مع الأصولية المسيحية أو الأصولية الهندوسية والعنصرية ونظام الطوائف الاجتماعية المغلق.
أما خاتمة الفصول في هذا الكتاب فهو الفصل الرابع والعشرون، والذي عُنوِن بـ "التناقضات والتحديات والمقاومة"، إذ تمثلت إحدى الخصائص المُعرِّفة للرأسمالية، وفقًا للمؤلف، في التناقض بين مزاعمها الشمولية وتحقيق مكاسب جوهرية لقطاعات من السكان فحسب، ما يترك الآخرين في حالة حرمان. كما كان حكم القانون يعني قوانين متحيزة لمصلحة مالكي العقارات. لكن الوعود أصبحت جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة المحرومين، وزودتهم بأهداف ليكافحوا من أجلها.


المصدر: موقع الناشر

الاثنين، 29 يوليو 2019

(صوت القارئ) عن "قصة حب مجوسية" لـ عبد الرحمن منيف - محمود أغيورلي

عبد الرحمن منيف في "قصة حب مجوسية" يتحدث عن مراحل تطوّر الهوس العاطفي لدى الذكر حين تمر به إنثى في مرحلة فارغة في حياته، خالية من كل شيء، إذ يقوم بطل العمل بتطوير حالة هوسية "طفولية" بامرأة متزوجة لم ير منها سوى بضع نظرات صدفة في رحلة خارج المدينة، فيقوم بصنع صنم كبير لهوسه ذاك ويطوف حوله بحوارات داخلية مصطنعة يأخذ فيها جميع الأدوار، ينتصر حينا ويهزم أحياناً أخرى.
وحين يعود إلى المدينة، يشرع بالبحث عن محبوبته في كل مكان، في محطات القطار، في الشوارع، في المسارح، في دور السينما، متخيلاً في كل لحظة تلك اللحظة التي يلتقي بها مرة أخرى.
قد يستحضر القارئ في انتظار البطل قصيدة درويش "انتظرها" حين يقول: في الانتظار يصيبني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة/ ربما نسيت حقيبتها الصغيرة في القطار/ فضاع عنواني وضاع الهاتف المحمول/ فانقطعت شهيتها وقالت لا نصيب له من المطر الخفيف.
العمل بصورة عامة يبدو هزيل فكرياً مقارنة مع أعمال منيف الأخرى ويمكن ان نقول أنه هزيل بصورة عامة كعمل أدبي، إذ أنه لا يعدو كونه سرداً لآلام قلب يلهث خلف وهم كبير. ولكن العمل مرر بضعة أفكار جميلة مثل حديثه عن المدن حين قال بطل الرواية: "المدن هي البشر، العلاقات بين البشر". وافكار أخرى عن نزاع رجال الدين مع العشاق في وصف / وصم الحب بما يرونه.
أما ما توقفت عنده في هذا العمل فكانت الصدفة المستحيلة التي جمعت العاشق بمعشوقته في آخر صفحات الرواية في محطة القطار حين كان يهم بالرحيل عن المدينة التي هو فيها. وكانت هي كذلك, صدفها هناك، بعد كل الأيام والأماكن والليالي المئات التي قضاها يبحث عنها في كل مكان ولم يجدها، تلك الصدفة التي جمعتهما ربما هي ما أراده منيف من كل العمل فهي إشارة لسخرية القدر وعبثيته. إجمالاً، أرى فيه تصفية حساب قام بها منيف مع ذكرى كانت تؤرقه لا أكثر.



المصدر:
https://www.goodreads.com/book/show/3660598

الأحد، 28 يوليو 2019

(متساكن جديد في مدينة الكتب) "مجتمع القرن الرابع في مؤلّفات أبي حيّان التوحيدي" لوداد القاضي

عن دار "المشرق"، صدر حديثاً كتاب "مجتمع القرن الرابع في مؤلّفات أبي حيّان التوحيدي"، للأكاديمية
وداد القاضي بتحرير بلال الأرفه لي.

 يدور الكتاب حول الصورة التي رسمها أبو حيّان التوحيدي لمجتمعه في القرن الرابع الهجريّ/ العاشر الميلادي، وهي صورة شديدة الحيويّة، مليئة بالتفاصيل الدقيقة التي يتفنّن صاحب "الإمتاع والمؤانسة" في وصفها، قد باتت مرجعاً بالنسبة للمؤرخين على الرغم من أن مؤلفها لم يكن يبتغي وضع كتاب في التاريخ. ووفقاً للكاتبة، فقد ساعد التوحيدي على رسم تلك الصورة سفرُه بين مدن العراق والحجاز وبلاد فارس.


المصدر: العربي الجديد

(منتخبات صحفية) "رأس المال، سيرة كتاب".. التحفة الخفية لشاعر الديالكتيك - زياد عبدالله


قراءة كتاب "رأس المال – سيرة كتاب" لفرانسيس وين (ترجمة: ثائر ديب – دار فواصل 2019) شيّقة بلا أدنى شك، مضافاً إلى ذلك قدرة الكتاب على إيقاظ نواحٍ شخصية على اتصال بعلاقتي مع كتاب ماركس المفصلي، وهذا يمتد ربما ليشمل كل قارئ قرأ "رأس المال" أو سعى إلى قراءته، أو حتى عجز عن قراءته من أول ثلاث صفحات! ولأضيف على ما تقدّم الجانب الأدبي في هذا الكتاب الذي لطالما آمنت به، لا بل إن قراءتي لبعض فصوله – من دون أن أتمكن من قراءته كاملاً رغم اعتقادي بأنه سيكون محزناً أن يموت المرء ولم يقرأه- كان على الدوام متأتياً من أسباب أدبية وفنية أتبين فيها منابع بريشت و"التغريب"، وايزنشتين و"المونتاج المتوازي"، والفصول المتعلقة بـ "صنمية السلعة" و"فتشية السلعة" التي لطالما كانت وما زالت تعتمل في رأسي كما القصائد العظيمة التي لا تكف عن توليد المعاني.
يرد في كتاب وين الكثير مما يتعلق بهذا الخصوص، إذ يقول ماركس في تذييل الطبعة الثانية من رأس المال "ما من أحد يمكن أن يشعر بنواقص رأس المال الأدبية بالقوة التي أشعر بها"، والإشارات التي حملتها رسائله إلى انجلز بأنه "يقدّم عملاً من أعمال الفن"، لا بل يصل الأمر بوين إلى اعتبار رأس المال "رواية غوطية يستبعد أبطالها ويستنزفهم وحش خلقوه بأنفسهم"، ولترد توصيفات لـ "رأس المال" من قبيل "ميلودراما فيكتورية"، و"هزلية ساخرة سوداء" تفضح "الواقع الشبحي الذي تتسم به السلعة بغية تبيان الفارق بين المظهر البطولي والواقع المخزي".
أعترف بأن ما استعرضته فيما تقدّم هو جانب من الكتاب، الذي تمثُل أهميته أولاً في تحرره من أي مقاربة كلاسيكية أو قدسية أو دوغمائية لـ "رأس المال"، وليتبدّى ذلك من مدخله المعنون بـ "التحفة الخفية" حيث تظهر مخاوف ماركس من صنيعه في "رأس المال" أشبه بالرسام فرينهوفر في قصة بلزاك "التحفة الخفية" الذي أمضى عشر سنوات وهو يعيد رسم لوحة لدرجة لم يبق فيها شيء.
سنعايش في الفصل المعنون "الحمل" آلام المخاض الطويلة التي عايشها ماركس وهو يؤلف "رأس المال" والمسودات تتراكم من كل حدب وصوب على مدى 13 عاماً، وبكثير من التفاصيل المتعلقة بحياته ومعاناته جنباً إلى جنب مع مخاض "رأس المال" والكتب الأخرى التي صدرها، وهوسه بالكمال واستقدامه على الدوام "ألواناً جديدة إلى لوحته" كما هو فرينهوفر، وبالتالي خوضه رحلة مترامية من الحذف والإضافة إلى ما لا نهاية، مما لم يتح المجال لأن يطبع في حياته سوى الجزء الأول من كتاب "رأس المال"، وليبقى كتاباً مفتوحاً كما هي الرأسمالية حسب كتاب وين.
إن تتبع فصول كتاب وين المكثف والوجيز بدءاً من "الحمل" وصولاً إلى الفصلين الآخرين "الولادة" و"الحياة اللاحقة" سيجعل من "بيوغرافية" الكتاب عنصراً من عناصره بحيث تغلب عليه نقدية عالية سواء لـ "رأس المال" بحد ذاته وأخذه إلى مساحة شعرية مغيّب عنها في شتى المقاربات التي تناولته، وصولاً إلى من تلقفوا "رأس المال" في توجيه سهام نقد حادة ومسمومة تقول لنا معشر القراء بأن كلّاً من لينين وستالين وتروتسكي وماو وألتوسير وغرامشي وآخرين لم يكونوا حيال صنيع ماركس أو أنهم كانوا مقابل فيل لا يعرف المرء ما الذي يفعل به، مؤكداً في الوقت نفسه بأن الماركسية كما مارسها ماركس نفسه "لم تكن أيدلوجيا بقدر ما كان عملية نقدية وحجاجاً ديالكتيكياً متواصلاً،" ولا بل إن كتاب فرانسيس وين حافل بكل ما ينزع عن الأنظمة الشيوعية صلتها بماركس وما من عبارة تدلل على ذلك أكثر من أن "أحقّ إنجاز ماركسي أنجزه الاتحاد السوفياتي كان انهياره."
في ختام الكتاب يُترك المجال لمقاربة أعداء الماركسية لـ "رأس المال"، وقد انحلّت عرى هذه العداوة مع انهيار جدار برلين كما يشير الكتاب، وليجد كثير من المفكرين والاقتصاديين الرأسمالين ضالتهم في "رأس المال" وهو يفتح مغاليق الكثير من أزمات الرأسمالية ومآزقها، فهو جدير بالقراءة طالما بقيت الرأسمالية وصولاً إلى الخلاصة التي يختتم فيها كتاب وين والتي تقول بأن ماركس هو "المفكر الأكثر نفوذاً في القرن الواحد والعشرين." وكما لو "رأس المال" ظلّ تحفة خفية لما يقرب القرن والنصف من الزمن!


المصدر: موقع أوكسيجين
https://urlz.fr/ag1I

السبت، 27 يوليو 2019

(كتب العالم) غويدو تونيللي.. صياغة علمية لـ"سِفر التكوين" - يوسف وقاص

"في البداية، وأوّلاً، كانت الفوضى..."، تُنسَب هذه العبارة إلى الشاعر اليوناني هسيودوس (القرن الثامن قبل الميلاد)، إلّا أن هناك دائماً، عبر كل التاريخ الإنساني، من يحاول تفسير، وبالتالي ترتيب، جزءٍ من هذه الفوضى، وجعلها بمتناول الجميع.
ذلك تحديداً هو ما فعله الفيزيائي الإيطالي غويدو تونيللي (1950) في كتابه "سفر التكوين: القصّة العظيمة للأصول" (منشورات فيلترينيللي، 2019)، يروي فيه بأسلوب شائق تاريخ الأرض منذ نشأتها: الانفجار الكبير، والأنوار التي أضاءت الظلام البدائي، والنجوم، وفي النهاية الإنسان، من زمن رجل نياندرتال إلى الفلاسفة اليونانيّين.
العملُ روايةٌ علمية تعبّر عن المفاهيم المعقّدة بطريقة واضحة وبسيطة، وذلك بفضل الحكايات والقصص والإشارات إلى الأساطير الإغريقية، فكما يقول الكاتب: "لا توجد حضارة، صغيرة كانت أم كبيرة، يمكنها أن تقف على قدميها بدون القصّة العظيمة للأصول، أو البدايات".
أصل الكون، في كتاب "سفر التكوين"، الذي تربّع فور صدوره في بداية هذا العام على رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، هو قصّة علمية كُتبت لتتيح الفرصة للجميع ليستوعبوا بطريقة سهلة قصّة التكوين العظيمة التي يعلّمنا إياها العلم الحديث، ففي النهاية، هي قصّتنا الخاصة، ويجدر بنا أن نفهم جذورها بشكل أعمق لنتمكّن من العثور على أفكار جديدة لمواجهة المستقبل. هذا هو هدف تونيللي، العالم الفيزيائي ورئيس مجموعة الباحثين في واحدة من التجربتَين الأساسيتَين في مصادم سرن في جنيف، لاكتشاف "بوزون هيدجز"، وهو جُسَيْم أوّلي يُعتقد أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها.
"لقد تزامنت كلُّ نقطة من كلّ واحد منّا، مع كلّ نقطة من النقاط الأخرى، في نقطة واحدة تزامن فيها الجميع"، هكذا يصف إيتالو كالفينو الكونَ في مجموعته القصصية "الكونيات الهزلية"، وهي قصص ومفارقات تتعلّق بالكون وتطوُّر الزمن والفضاء. وليس من أُطلق على تونيللي لقب "النموذج الأخير" من ذلك التقليد الاستثنائي الإيطالي الذي بدأ مع غاليليو غاليلي، ليتواصل بعد ذلك من خلال علماء مثل إنريكو فيرمي، وبرونو بونتيكورفو، وكارلو روبيا.
وليس من قبيل الصدفة أن يستشهد بكاتب بارز مثل كالفينو، بينما يروي كيف أنه "من تلك النقطة التي تزامن فيها الجميع" ، تطوّر الكون الهائل؛ حيث جميعنا لا نشكّل فيه أكثر بقليل من جزيئات صغيرة، ولكننا قادرون على التفكير والكتابة. إن العلم قصّة رائعة، لأن "البحث هو المعرفة والقدرة على إنتاج الأدوات والأشياء والآلات".
علاوة على ذلك، تمنحك القصة العظيمة لأصل التكوين القوّة للنهوض عندما تكون محبطاً، مما يوفر حوافز لتحمل أحلك لحظات اليأس، لأننا أمام قصة عمرها 13.8 مليار سنة. يقول تونيللي بهذا الصدد: "إنّ ربط أنفسنا في سلسلة طويلة من الأحداث، مترسّخة الجذور في الماضي البعيد، يتيح لنا تخيُّل المستقبل". ولهذا السبب "ما زلنا هنا، منذ آلاف الأجيال، لمنح قيمة للفن والفلسفة والعلوم، ولأننا ورثة هذا الانتقاء الطبيعي. يتمتّع الأفراد والمجموعات الأكثر قدرة على تطوير عالم رمزي، بميزة تطوُّرية كبيرة، ونحن ننتمي إلى ذلك النسل".
من جهة أخرى، يلقي تونيللي أيضاً الضوء على البرامج "متعدّدة التخصصات" التي يعمل فيها "الآلاف من العلماء"، والتي تهدف إلى فهم دماغ هذا "الإنسان العاقل" القادر على دراسة كيفية تشكّل المجرّات والنجوم والكواكب، بما في ذلك كوكب الأرض وتابعه القمر. وفي حالات مختلفة "لفهم بعض الآليات الأساسية التي تنتجها شبكات المحاكاة الإلكترونية للخلايا العصبية وتفاعلاتها".
لكن تونيللي يؤكّد في نفس الوقت، أنه من بين علماء الأعصاب أنفسهم، أصبح استخدام المعرفة المكتسبة للحصول على دماغ اصطناعي، أقلّ شعبية اليوم أكثر من أي وقت مضى. إنها ليست مجرّد مسألة صعوبات تقنية ومادية كبيرة، إنما "حتى لو استطعنا بناء جهاز إلكتروني يعيد إنتاج بنية عقولنا بالضبط، فلا يزال يفتقر إلى عنصر أساسي، ألا وهو التفاعل مع العقول البشرية الأخرى، بواسطة اللغة والجسد والعلاقات العاطفية".
ومن خلال هذا الأساطير والرموز، يخبرنا تونيللي أننا نبسّط الأمور كثيراً عندما نعتقد بأننا نولد بشراً فقط بسبب العوامل الفيزيائية والبيولوجية التي تسمح بدخولنا إلى العالم، إنما بدلاً من ذلك، "يصبح المرء إنساناً في عيون الآخرين عبر تبادل المشاعر والتفاعل معهم في ما يتعلّق بنا في المجموعة الاجتماعية".
وفي مكان آخر، يخاطب الأشخاص ممن يمارسون فن رواية القصص، أو الكتّاب بشكل عام، قائلاً: "أولئك الذين يستمعون ويتخيّلون، يعيشون التجارب المتراكمة لمن سبقهم؛ فالقصّة تكثّف التعاليم التي تمّ جمعها عبر سلسلة طويلة من الأجيال التي سبقتنا، تتيح لنا أن نفهم ونجرّب، وتسمح لنا أن نعيش حيوات كثيرة. لذلك، فإن ما ننجزه ونفعله في حياتنا اليومية، ليس مجرّد مسألة بقاء، بل مسألة وجود أفضل، حتى في الحالات الأكثر مأساوية".
وفي خاتمة كتابه، يستنكر تونيللي "المراحل البعيدة" من تاريخنا التي شهدت الكثير من الحروب والمجازر المروّعة، عبر أمثلة كثيرة، منها على الأخص محاكم التفتيش وعمليات الإبادة الجماعية في كثير من بقاع العالم، التي كان يمكن للبشرية أن تكون بغنى عنها. ومن
هنا، كان ثمّة من تساءل بعد صدور هذا الكتاب: هل سيكون العلم هو المنقذ بدلاً من الأدب؟ وربما هذا السؤال بالضبط، هو ما دفع تونيللي لتأليف كتابه هذا ومنحه عنوان "سفر التكوين"، حتى يتمكّن أي شخص من أن يؤلّف كتابه الخاص عن القصّة العظيمة لوجودنا التي يشرحها لنا العلم الحديث بطريقة شائقة، وإيجاد الأفكار التي تسمح لنا بمواجهة المستقبل بثقة أكبر.



المصدر: العربي الجديد

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...