الجمعة، 13 سبتمبر 2019

(عودة إلى كتاب) وليد علاء الدين.. عن معادلات "كيميا"

 تعود هذه الزاوية إلى كتاب ليس حديث الإصدار فتحاول أن تقرأ تلقيه من خلال مؤلفه، ومن خلال ذلك تضيء مجدداً عوالمه والصلات التي لا تزال حاضرة بين الكتاب وصاحبه. ضيفنا اليوم الكاتب المصري وليد علاء الدين، واخترنا أن نحدّثه عن روايته "كيميا" التي صدرت في 2018 عن دار الشروق 


* "كيميا" من الروايات التي صدرت في السنوات القليلة الماضية وحققت سمعة جماهيرية لافتة. كيف ترى هذه الرواية على مسافة سنة تقريبا من إصدارها؟
سعيد بحالة التلقي الإيجابي التي حققتها "كيميا"، سواء على مستوى النقاد الذين رأوا فيها تجربة جديدة في معالجة التاريخ والجمع بين أشكال السرد المختلفة، أو على مستوى القراء –خاصة الشباب، الذين غمروني برسائلهم وتعليقاتهم المتسائلة عن كيميا وعن حالة الحلم والتخييل في الرواية .. في الحقيقة يمكنني القول إن رواية "كيميا" أعادت لي الثقة في أن الشباب يستطيعون الاهتمام بالروايات التي تحترم عقولهم شريطة أن تنجح في تحقيق معادلة الجمع بين المعرفة والجمال، فلا تكون جافة ومتعالية لمجدر أنها تطرح أفكارًا ذات قيمة، ولا تكون فارغة ولا هدف لها سوى التسلية بالمعنى الفارغ من القيمة. 


* هذا النجاح ألا يخيفك، أو يعقّد حسابات المؤلفات المقبلة على الأقل؟ليس لدي حسابات  خارج الكتابة، الكتابة كما أعرفها امتداد لحالة التفكير والانشغال، أكتب في المساحة التي تشغلني بهدف توسيع مساحة التساؤلات وأستعين بالرواية تحديدًا على وضع برنامج قراءة في المساحة التي تشغلني فكريًا، فأقرأ وأكتب. وربما يساعدني نجاح رواية "كيميا" وما دار بشأنها من نقاشات على فهم الكيفية التي يتلقى بها القراء على اختلافهم الرواية، وهو ما قد ينعكس تلقائيًا في كتاباتي المقبلة، فالكتابة وسيلة تواصل تتطور وتزداد كفاءتها من خلال الممارسة والنقاش.. وهو ما أظنه يحدث من خلال متابعة تطور حالة التلقي النقدي والعام بين روايتي الأولى "ابن القبطية" الصادرة عام 2016 ثم رواية "كيميا". هناك ما تعلمته من خلال التواصل مع النقاد والقراء في الرواية الأولى فأفادني في الثانية وهكذا.. الإفادة هنا هي التطور الضروري للكتابة في مساحة وظيفتها كوسيلة تواصل. 


* بجرأة قدّمت صورة مضادة للمتعارف عن جلال الدين الرومي، حتى أن هذه الرواية تبدو عملا مضاداً لأشهر ما كتب عن الرومي رواية "قواعد العشق الاربعون". ألم تتهيّب من هذا الدور الذي يمكن أن تلعبه الرواية؟
في ظني أن هذا هو الدور الذي يجب أن تلعبه الرواية من الأساس، وضع حد للانجراف وراء السائد والمكرور والدعوة لإعادة النظر في الأفكار الجاهزة، مسبقة الصنع، التي تم تركيبها بالأساس خارج عقولهم.. دور الكتابة هو حث الناس على إعادة التفكير في ما ظنوا طوال الوقت أنه مسلّمات وحتميات وحقائق، ليس الهدف من ذلك هدم المسلّمات أو تحطيم القناعات، بل إعادة التفكير فيها وبنائها بشكل ذاتي، حتى لو كانت النتيجة مزيدًا من الاقتناع بها، لكن الاقتناع في هذه الحالة سيصبح مبنيًا على فهم وتفكير.. دور الرواية هو تمرير المعرفة على حامل من الجمال والمتعة، والمعرفة ليست مجرد معلومات إنما المعرفة في أبسط تعريفاتها هي القدرة على استعمال هذه المعلومات من أجل تكوين رأي أو بناء وجهة نظر. و"كيميا" دعوة جمالية لإعادة النظر في الصورة الذهنية السائدة عن التصوف أو غيره من عقائد وديانات وفلسفات وصيحات فكرية كبرى في ضوء معادلة بسيطة هي أن الإنسان أهم من كل ما صُنع لأجله من ديانات وفلسفات وعقائد وخلافه.



* إذا كان الغلاف صريحا حين أشار إلى الرواية كجنس للعمل، فإن القارئ طوال العمل يظل مشتتا بين فرضيات أجناس أدبية عدة، وبين الواقع والتخييل، إلى أي حد استهوتك هذه اللعبة؟هي بالفعل لعبة، الرواية ليست معادلة كيميائية أو قانون فيزيائي نطبقه وننتظر النتيجة المتوقعة منه، إنما هي وجبة يختلف مذاقها ورائحتها باختلاف مكوناتها، ويختلف شكلها باختلاف ثقافة من يقدمها وذوقه ومعارفه.. التصنيفات تأتي لاحقة للإبداع، وهي في كل الأحوال مجرد محاولة للتنصيف من أجل الدراسة، هناك عالم يصنعه مؤلفه ويضعه بين غلافين ويدعو القارئ إلى التجول، والرهان أن يُصدق القارئ هذا العالم، بمنطق هذا العالم وليس بأي منطق آخر خارجه، العلاقة بين القارئ والروائي علاقة تواطؤ بالأساس، يقول القارئ للروائي أعرف أنك تصنع خيالًا وسوف أصدقه شريطة أن تمنحني شروط هذا التصديق وأن أستمتع برحلتي في هذا العالم، وتقول الرواية للقارئ تفضل أهلا بك في عالمي، وإن لم تجد ما يروقك فغادر. ما الذي يجعلنا نقول إن الرحلة ليست رواية، وإن الرواية ليست رحلة، ما الذي يجعلنا نقول إن السيرة الذاتية أو الغيرية ليست رواية وإن الرواية ليست سيرة؟ هذا التصنيف خارج الرواية، داخل الرواية إما أن تسقط في عالمها فتستكمل الرحلة أو تنفر فتغادر.


* هل تتابع ما يكتبه قرّاء عاديون على فيسبوك أو غودريدز، وكيف تتعامل مع هذا النوع من المراجعات؟أتابع بشغف وأهتم بكل الملاحظات والتفاصيل، ربما لطبيعتي الشخصية وربما لاهتمامي الممتد مع العمل والدراسة في مجال الإعلام ودراسات الرأي العام ورجع الصدى، وربما لأن ذلك وثيق الصلة بالدراسات الثقافية وهي مجال أكتب فيه ويستهويني، وربما لأن علم الاجتماع والدراسات النفسية مجالات لا يمكن فصلها عن الكتابة الروائية، وربما لأن قضيتي الفكرية الأساسية هي الإنسان وما يمارس ضده أو يمارسه هو بنفسه من تصنيفات كانت السبب دائما في شقائه وعذاباته. ما يجب أن أوضحه هنا أنني عندما يتعلق الأمر بالرواية أو بالمنتج الإبداعي لا أسمح لنفسي بالمناقشة أو الدفاع أو التبرير، القاعدة عندي إن لم تنجح الرواية أو القصيدة في تقديم نفسها للقارئ وضبط علاقتها معه فلا مجال لأي إيضاح أو نقاش. فقط أناقش ما يتعلق بالأفكار والتوجهات والقناعات، أما الذائقة فلا مجال للنقاش فيها، من لم تعجبه روايتي فهي سيئة بالنسبة لذائقته، ومن أعجبته فهي جيدة في حكم ذائقته. النقاش يخص الأفكار.
لـ"كيميا" تحديدا مع القراء حكايات تصلح خلفية لرواية جديدة؛ فأول رسالة وصلتني من قارئة قالت إنها رأت كيميا في غرفتها أكثر من مرة منذ أن بدأت في قراءة الرواية، واعتبرتُ ذلك وقتها خيال قارئة ذات مخيلة شفافة وحساسة. ثم كتب لي قارئ حكاية غريبة حدثت له أثناء قراءة الرواية.. وهي أنه كان يقرأ "كيميا" في المترو، فجاءته فتاة وحدثته بالفصحى وهي تمد يدها له بورقة مطوية، وقالت له، اترك الرواية واقرأ هذه الورقة.. فخاف الرجل وانتقل من مقعده، فذهبت خلفه وجلست إلى جواره وأصرت، فاضطر إلى ترك المترو. والقارئ نفسه يقول إن كيميا زارته في حلمه أو ما يشبه الحلم كما يحدث في الرواية.  وكتبت قارئة أنها خشيت من استكمال الرواية لأنها صارت تسمع صوت الفتاة وتتخيل مشهد الصوت الخارج من المقبرة .. ولكنها زارتها في الحلم وقالت لها استكملي القراءة لتتوقف الأصوات. هذه الحالة تكررت بين قراء وقارئات لدرجة دفعت أحد الزملاء الصحفيين -قرأ الرواية وحدث له أمر شبيه بما حدث مع القراء-  للتواصل معي ومناقشة الفكرة مقترحًا أن يقوم بعمل استطلاع لهذه الحالة لمعرفة إن كان تاريخ الأدب قد شهد روايات مرت بحالات شبيهة، متسائلًا بين الجد والمزاح: هل هو شبح كيميا أم لعنة الرومي؟



* ماذا بعد "كيميا"؟أنتظر صدور مسرحيتي "وِشّي في وشّك" قريبًا عن دار نشر مصرية، لتكون كتابي الرابع في فن المسرح الذي أعشقه، فقد صدر لي قبلها مسرحيات: "العصفور" الفائزة بجائزة الشارقة للإبداع العربي، و"72 ساعة عفو" الفائزة بجائزة ساويرس للإبداع المسرحي، و"مولانا المقدم".


مادة خاصة بمدونة "منشورات"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...