السبت، 9 نوفمبر 2019

(ضيف منشورات) ميادة الكيالي: عن الهندسة والنسوية والنشر


1- تجمعين بين التكوين في العلوم الصحيحة والعلوم الإنسانية. إلى أي حد ينعكس ذلك في مؤلفاتك، سواء الإبداعية منها أو الأكاديمية؟
 التكوين في العلوم الصحيحة، كما أطلقت عليها إشارة إلى تخصصي في مجال الهندسة المدنية، كان السبب في قوة التكوين في اللغة العربية، عدا عن أنني كنت مشدودة للغة العربية منذ طفولتي، وهذا ساعد في أن يكون تحصيلي فيها عالياً. من حيث المبدأ في نظام الجامعات قديماً في سوريا- ولا أدري الآن- أنَّ اشتراطات دخول كلية الهندسة المدنية "المجاني" كان يتطلب معدلاً عالياً في المرحلة الثانوية في كل المواد، علاوة على ذلك تعتبر مادة اللغة العربية مادة مرسِّبة، وحدها، وبالتالي كان لا بد لأي طالب، حتى وإن اتجه للقسم العلمي وابتعد عن القسم الأدبي، كما نطلق عليه نحن، أن يكون تكوينه قوياً في اللغة العربية التي ستكمل مشوارها معه في دراسته الجامعية، حيث إنّ جميع المواد في كلية الهندسة ومصطلحاتها كانت معرّبة. العربية كانت لغتي الهندسية، وكان للهندسة المدنية أن قدمت لي أصول التفكير الرياضي، ووسّعت مداركي، وأنا مدينة لها؛ لأنها صقلت تفكيري وشخصيتي، ومنحتني ما يلائمني من أدوات التفكير، وهذا انعكس في تعاملي مع البحث في مجال العلوم الإنسانية.

2- كتابك الأخير "هندسة الهيمنة على النساء" تعودين فيه إلى تفكيك واقع المرأة في الحضارات القديمة، لماذا هذا الخيار؟بدأت هذه العودة في الكتاب الذي سبق كتابي "هندسة الهيمنة على النساء"، والذي كان بعنوان "المرأة والألوهة المؤنثة في حضارات وادي الرافدين"؛ لأنني اكتشفت حينها تاريخ المرأة وتاريخ الألوهة في حضارات الرافدين؛ حيث شهدت مهد الأديان والقوانين، وكان من المهم تسليط الضوء على المكانة المتميزة للمرأة على الصعيدين الديني والاجتماعي، وارتباط مكانة المرأة المتميزة اجتماعياً بمكانة متميزة وحضور كبير الأهمية للإلهة المؤنثة. وبعد ذلك سلطت الضوء على ما جرى من انقلاب على المرأة، إذ أسس هذا الانقلاب لنشأة مجتمع بطريركي تسيّد فيه الأب رأس الهرم في العائلة، وتفرد في القرارات، وآزره مجتمع ذكوري متمحور حول حاكم متفرد بسلطة فردية مركزية، هي العليا على رأس هرمية المجتمع الذي يشكل فيه الذكور الطبقة الأولى، وتليها، بتفاوت كبير، النساء والعبيد. في تلك اللحظة تراجعت الألوهة المؤنثة، وتراجعت مكانة المرأة في التاريخ القديم، ما أدى إلى نشوء بطريركية لا تزال تحكم حتى الآن، وإن بتفاوت حسب تطور المجتمعات، ولا زالت المرأة تعاني من نقص الحقوق، واغتصاب الأدوار، وتدني المكانة منذ أن تهندست تلك الهيمنة وتجذّرت عبر التاريخ.
 


3- كيف تجدين الكتابات البحثية حول المرأة وقضاياها في العالم العربي اليوم؟هناك العديد من الكتابات البحثية حول قضايا المرأة في العالم العربي اليوم، وقد اجتهدت "مؤسسة مؤمنون بلا حدود" في عقد ندوات وإطلاق مشاريع بحثية واسعة في هذا المجال، وبرعت في هذا الحقل أقلام نسوية متميزة قدمت أعمالاً مهمة قد لا تكون تحت عناوين مباشرة في قضايا المرأة، لكن حين يكون الحديث عن قضايا الدين والاجتماع والتاريخ وإعادة التأويل وإعادة النظر في منظومة الفقه، لا بد وأن يصبّ ذلك بالنتيجة لصالح قضايا المرأة التي يلعب الدين الدور الأساس في التأثير فيها.

4- هذا النوع من الكتابات ذات النزعة النسوية الحديثة، هل يجد عوائق في عالم النشر؟النشر بالمجمل يجد عوائق في الوطن العربي، لعدة عوامل أهمها الأوضاع الاقتصادية والاضطرابات والحروب، وتدني مستوى دخل الفرد، وكل ذلك انعكس على تدني شراء الكتاب الورقي، إضافة إلى أننا شعوب معدل القراءة لديها متدنٍ، فما بالك أن يكون فوق كل ذلك لدينا قانون حاكم اسمه قانون "الفسح" الذي بموجبه يُسمح أو يُمنع دخول بعض العناوين إلى المكتبات في الدول العربية؟ بالتأكيد في مجتمعاتنا، التي لا زالت تشكو من الذكورية، ستبقى بعض الكتابات النسوية تلاقي ربما صعوبة أكبر من غيرها في عملية الفسح، ولكن وحتى لا نتشاءم، فإنّ معارض الكتاب تحل جزءاً من المشكلة، وكذلك الكتاب الإلكتروني الذي لا يحتاج إلى فسح، ويتحدى الحدود والحواجز.

5- تشرفين على دار نشر مؤسسة مؤمنون بلا حدود، والتي تمثل اليوم أبرز المؤسسات التي تنشر الكتب في العالم العربي. ما هي أبرز التوجهات على مستوى النشر؟في الحقيقة كانت التوجهات في بداية انطلاقة المؤسسة تقوم على احتضان الأعمال المتميزة، وخاصة لجيل الشباب من المفكرين، ونجحت في ذلك على نحو كبير، كما نجحت في استقطاب المفكرين المتميزين من مختلف الأجيال. ووجد هؤلاء في المؤسسة ما يتوفر في كبرى المؤسسات الأكاديمية الغربية؛ فالكتاب عند مؤسسة مؤمنون بلا حدود، مهما كان اسم مؤلفه أو مترجمه، يخضع للتحكيم من قبل لجنة مكونة من نخبة من أهم أساتذة الجامعات في الوطن العربي، وبعد أن يحصل على الموافقة والقبول تتعهده دار النشر بفريقها الفني، الذي أكاد أجزم بأنه من الأشد تميّزاً في الوطن العربي من حيث التدقيق اللغوي والتحرير العلمي والإخراج، ثم يتم الإعلان عنه على مواقع المؤسسة المختلفة، ولاحقاً يكون مادة للحوارات، وتنشر أبحاث منه، وتثار مناقشات حوله. اليوم التوجه كبير في المؤسسة نحو الترجمة من اللغات العديدة، وفي القريب العاجل سنسعى لترجمة إصداراتنا المختلفة للغات عدة.

6- ماهي أهم انشغالاتك كقارئة في السنوات الأخيرة؟بحكم إدارتي لدار نشر مؤمنون بلا حدود، فبلا شك تشكل إصدارات الدار أولوية في القراءة، والمتابعة، إضافة إلى قراءة بعض الروايات التي وصلت إلى القوائم القصيرة في البوكر ، وقراءة المواد المختلفة على موقع مؤمنون بلا حدود.

7- كيف تجدين علاقة دور النشر بالكتب الفكرية في العالم العربي؟المراقب للمعارض سيجد أنّ دور النشر التي تتجه نحو الروايات وكتب الأطفال في تزايد، والدُور التي تشتغل في الفكر تتراجع، وهذا بسبب سوق الأولى الذي بات هو الغالب، وله حضوره وسحره عند شرائح أوسع، ولكن ومن خلال تجربة مؤمنون بلا حدود، أعتقد بأنّ الكتب الفكرية لها حضورها، وأنَّ تراجع النشر الورقي لا يعني تراجعاً في إنتاج الكتاب.



مادة خاصة بمدونة "منشورات"/ حاورتها: بثينة عبد العزيز غريبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...