الثلاثاء، 1 أكتوبر 2019

(ناشر في الضوء) النوري عبيد - دار محمد علي، تونس

 على الرغم من كونهم شركاء في إنجاز كل عمل إبداعي، إلا أن الناشرين كانوا دائما بعيداً عن بقعة الضوء التي يجلس فيها المؤلف وحده عادة. مدونة "منشورات" تدعوهم لحديث في الضوء


كيف أصبحت ناشراً؟ دخلتُ عالم النشر منذ 1983 في فترة شهدت فيها الثقافة التونسية بداية التحرر من احتكار الدولة، لكن تزامن ذلك مع إفلاس مؤسسات الدولة في النشر وغلق أغلبها، وبداية ظهور المبادرات الخاصة في الاقتصاد، وفي الثقافة أيضا. كان وقتها قد مر على تخرّجي الجامعي قرابة عشر سنوات، وقد كنت من الناشطين في قيادات الحركة الطلّابيّة. ومن هذا المنطلق آمنت بضرورة إنجاز مهمّة ثقافيّة تستفيد من التحرّر النسبي وتواكب رغبة المثقفين في المعرفة وتساهم في بلورة وعي فكري شامل، لذا قرّرت تأسيس دار نشر بإمكانيات ماليّة متواضعة. ومع أول كتاب نشرته بان أن اِدّعاء التحرّر لم يكن سوى شعار فوقع حجز الكتاب، وكان لهذا الحدث الوقع الكبير ماديا وخاصة معنويا. لكن بمرور الزمن، استطعت مقاومة كل التعطيلات الأمنية والمالية وواصلت الإنجاز والدار اليوم تعدّ أكثر من 650 عنوانا وتضمّ قائمتها أكثر من 480 مؤلفا أغلبهم نشروا مع دار محمد علي أول منشوراتهم.  

هل تعتبر أن النشر مهنة مُهدَّدة؟بعد العمل في مجال النشر أكثر من 35 سنة وبعد نشاطي النقابي ضمن اِتّحاد الناشرين التونسيين ورئاسته مدّة عشريّة كاملة (2003-2013) وضمن مسؤوليتي في مجلس إدارة اِتّحاد الناشرين العرب إلى حدّ سنة 2013 وبعد أن ترأست الاتحاد المغاربي للناشرين مدّة دورتين، وبعد عملي صُلب جمعيّة دوليّة للناشرين "الرابطة الدولية للناشرين المستقلّين" التي تضمّ أكثر من 500 ناشر من كل العالم يدافعون عن النشر المستقل ضدّ الاحتكار والهيمنة والنمطية المفروضة بالمال والجاه وتهميش بعض الشعوب وبعض اللّغات وبعض أصناف الكتابة، بعد كل ذلك أستطيع أن أقول اليوم أنّ مهنة النشر تعيش اليوم عدة تهديدات، يبقى أبرزها انحسار القرّاء، واِرتفاع الكلفة، ووجود بدائل غير سهلة المنال. وتتضاعف هذه التهديدات أمام الناشر في العالم العربي بفعل الرقابة والحدود، وضيق السوق، وغياب مجالات تدعم القراءة، وإهمال الدول دورها وتخلّيها عن أهل المهنة، وغياب أفق يساعد على ظهور مشهد اِبداعي متعدد. مع ذلك لنا أن نضيف غياب هياكل علميّة ومهنيّة تساعد على بروز ناشرين مهنيين قادرين على التطوير والاِبداع للحفاظ على المهنة، وسيطرة الحكومات والسلطة على المشهد الثقافي إمّا باحتكاره أو بتهميشه، بدل الاِيمان بأنّ النشر هو مهنة تمارسها المؤسسات الخاصة ومن واجب الدولة الاِيمان بدورها في المحافظة على الثقافة وخاصة منها الكتاب. أخيرا أشير إلى غياب قرارات دعم دخول النشر مجال النشر الالكتروني بدل مظاهر القرصنة والتزوير.

تصوير: استبرق العايدي
كيف تختار المؤلفين؟ وهل توجد فئة منهم تفضّل عدم التعامل معها؟كنت دوما أعمل مع مؤلفين قرأت لهم وأقنعوني بالإضافة، سواء كان ذلك بالاستكتاب أو بالنقاش أو بالمراجعة أو بقبول المبادرات، فأنا أؤمن بأنّ العلاقة بين الناشر والمؤلف هي علاقة خاصّة تسمح لكل منهما بالتفاعل والاقتناع بأهميّة المخطوط وقدرته على اِقناع القارئ والاشعاع. وأنا أحاول الاِطلاع على مؤلفين أجانب لتوسيع المعرفة واختبار الغير.

هل تتابع ما يكتب عن كتب الدار في الصحافة العربية؟ وما هو تقييمك لهذه الكتابات؟ أُقِرُّ أنّ ما يكتب ضعيف ولعلّه غير مهني، خاصّة في تونس. ولذلك كثيرا ما نشعر أنّ الكتاب ولد ميتا وهو أمر محزن.
  
ماهي الخصوصية التي ترى أنها تميّز مؤسستك ضمن المشهد العربي؟عملت دار محمد علي للنشر مع عدّة دور نشر عربية في مجال النشر المشترك فحقّقت بذلك مزيد التعريف بالكتاب التونسي خارج تونس. ولقد ساهم هذا النشاط في دعم صِلَتِنَا ببعض الزملاء وانتماءاتنا إلى خطّ تحريري متشابه ومن بين هذه الدور نذكر:  دار الفارابي ، دار التنوير، دار الانتشار العربي في لبنان، دار العين المصرية، دار توبقال المغربية ودار تالة في الجزائر وغيرها. وقد عملنا معًا في إطار الرابطة الدوليّة للناشرين المستقلّين. ولعلّ النشر المشترك هو الذي مهّد لبعث مؤسّسة مشتركة تضمّ ناشرين من غير تونس ونحمل نفس الاسم في تونس ومصر ولبنان وهي دار التنوير التي هي صوت دار محمد علي وصوت الكاتب التونسي خارج تونس.



مادة خاصة بمدونة "منشورات"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...