الاثنين، 30 سبتمبر 2019

(صدى المعارض) مع الكاتبة الأرنية جلنار من "عمّان الدولي للكتاب"

تتابع مدوّنة "منشورات" مختلف معارض الكتب العربية من خلال حوارات مع المشاركين فيها. ينطلق موسم معارض الكتب العربية الجديد من عمّان، ومن معرضها تحدّثنا الكاتبة جلنار (رشا الديرية).

المشاركة في معرض عمّان، أي خصوصية لها مقارنة ببقية الأنشطة التي تقدمونها خلال العام ؟

المعرض فرصة جميلة للقاء حيث يجتمع الكتاب الجدد والمخضرمون معاً والناشر والبائع. الجميع يلتقي في مكان واحد فهي فرصة لمناقشة ومتابعة كل ما يخص الكاتب ومستجدات النشر، كما أن الفعاليات الثقافية التي تصاحب المعرض تضيف إليه جمالية خاصة للمهتمين بالأدب والفكر والشعر.

كيف وجدت الكتب الجديدة في المعرض، وهل يهمك أن يكون لك دائما عمل جديد؟

لا أفضل أن يتم ربط عملي بزمن محدد لأن الرواية وهي النوع الأدبي الذي أكتبه تحتاج إلى وقت وإلى بحث لا يمكن أن ينتج العمل بصورة أخيرة جيدة إلا إذا أخذ العمل الوقت الكافي. ولكن لا يمكن إنكار فرصة انعقاد المعرض كظاهرة ثقافية يمكنها أن تضيف الشيء الكثير للكاتب لو تم نشر الكتاب بالتزامن مع المعرض.

ماذا تقدم معارض الكتب غير مساحة البيع، وكيف ترين واقع المعارض العربية عموماً؟
كما نوهت سابقاً هي فرصة للقاء كتاب وناشرين من بلدان مختلفة، جميعنا لدينا هم عربي واحد ولكن لكل دولة خصوصيتها وهذا يظهر بشكل جليّ في الإصدارات المختلفة لا يمكن لزائر المعرض أن يخرج منه إلا وبحوزته كتب مختلفة ومتنوعة جداً. غالباً ما يتم بحث سبل التعاون والتبادل الثقافي ونشر الكتب وتوزيعها في العالم العربي.

الأحد، 29 سبتمبر 2019

(المؤلف يقدّم نصّه) علي ثويني عن "العمارة والمكان"

نجد أثر اختصاصات متنوعة في عملك الأخير "المكان والعمارة". إلى أي حد ترى أن هذا التنوع بات ضرورة للبحث المعماري؟ يظن كثير من الناس بأن العمارة علم واختصاص دقيق والخروج عن (هندازه) أو حدوده، أو ربطه بسياقات خارجيه أمر غير وارد..لكن الحقيقة تشير إلى أن العمارة والتخطيط الحضري في تماس مع علوم أخرى حتى شكلت حافات التماس علوم أخرى مثل العلاقة بين الجغرافية والعمارة التي تمخضت عن التخطيط الحضري، وبينها وبين الفن الجميل ولدت علوم الفنون المعمارية، وثمة تدخلات في العمق مع علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات..الخ، والأهم في ذلك المجتمع ، أي أن تلك العلاقة المرهفة ولدت مفهوم متداخل أسمه (عمارة/ثقافة Architecture\culture) ،وحسبي أن المعمار الذي لا يفهم المجتمع فهو محدود الملكات والمواهب، لا بل تنقصة الحصافة وبعد النظر، ومنتجه واهن، وبعيد عن فرص النجاح، فليكوربوزييه السويسري الفرانكوفوني مثلا أشاع الكثير من الأفكار، كثير منها سقيم وغير واقعي كونه لم يكن شخصا اجتماعيا واعتمد التقانة الصلبة أكثر من الوعي المرهف الطري.. ثمة حقيقة مفادها أننا معشر المعماريين نبني للناس وإذا لم نفهم هؤلاء فإن ثمة حوار طرشان يسري بيينا، يجعلنا في برج عاجي لا يتلمس الواقع والوقائع، ويبني بحسب الحاجات..
العمارة ثوب يرتدى على المقاس كما جاء في تراثنا العربي، وهو من صنع الإنسان الذي تعلمه من الحيوان واضاف له لبابته وعمق تفكيره وتدبيره. والعمارة عملية ذات مردود متعاكس أي أن الإنسان يبني العمارة"أي نعم"، لكن العمارة بدورها تبني الإنسان من ناحية ذوقه وراحته ومزاجه ومشاعره وحتى مديات إدراكه.. لذا فالعملية المعمارية ليست كما يعتقدها البعض، قلم وورق ووضع مربعات و"تسفيط" عناصر إنشائيه هندسية، تحشى بوظائف معمارية، ثم تقام لها الواهات وتضاف إليها ممارسات فنية تكمل دورها الرباعي(الوظيفة-المتانة-الإقتصاد-الجمال)، وأحيانا تكون تلك الممارسة مقصد في تغطية وهن المحتوى كحالة نفسية متعددة التطبقات..أي أن المبالغات الفنية والتزويقية تعكس وهن داخلي في حبكة التصميم الوظيفي.. لذا كل تلك العمليات المعقدة والدقيقة والمعادلات تحتاج إلى وعي متعدد المرجعيات غير الإنسان والنفس والثقافة، يتعلق بالهندسة والإنشاء والحيل (الميكانيك) وخامت البناء وفيزياءها وخصوصية أدائها ومناسبة توظيفها في مجمل تلك الحبكة للوصول إلى ذروة المعادلة بين (فكر/عمارة).
كل ذلك يحتاج إلى وعي ثقافي يتعلق بالموروث التراكمي  والعقلية والأعراف والطبيعة البشريه والإقتصاد والسياسة والفن، وكلها روافد للطروحات الثقافية التي تحرك ساكن أو آسن الوعي وتثير التساؤل النقدي الذي نسعى له في مرحلة مابعد الإنبهار والصدمة الثقافية والتقليد الأعمى الذي أخذ منا قرن من السنين التي تهنا بها وتخبطنا، ومازلنا، ونحن في حالة إنقياد أكثر من قيادة..
هذا يعني أن كتابي "المكان والعمارة" هو إحدى محاولاتي لربط الوعي المعماري بالوعي الثقافي العام والخاص ويشمل كل ثقافة محلية.. فحدود الثقافات وخصوصيتها معلومة ومرسومة، وأن التقت في نقاط فهو إثراء لتوسيع مشتركاتها وأنساق تواصلها مثلما الإسلام واللغة العربية وبعض أعرافنا، التي هي ميراثنا المشترك وجامعنا، ومذلل تواصلنا. فإن أحتفظت الثقافات ببعض ملامح تخصها فإن الأمر يحتاج من المعمار أن يكون مطلع عليها ومحلل لمعطياتها، وينبي لكل ثقافة عمارتها ولا يملي عليها كما هو واقع(المركزية الغربية) التي أرادت إلغاء الآخر وتكريس ذاتها المتعالية المغرورة على حساب الثقافات ولكن لم ولن تفلح، ليس عنادا أو سلبية، ولكن لكل ثقافة معطيات أملتها بيئاتها الإجتماعية والجوية والأرضيه..وهذه الإملاءات تعني العمارة مجازا.



ماهي أبرز أطروحات هذا الكتاب؟
ثمة إشكالية في مفهوم المكان الذي يعني الجغرافية والتي قال عنها المعمار العراقي المرحوم محمد مكيه(1914-2015) بأنها الصفر المعماري، أي منها تنطلق العمارة وإليها تعود، فلا تبنى العمارة بالخيال والأساطير والهواء. فالأرض (جيو-جوه في اللغات الأكدية والكنعانية المورثة للعربية)، هي المكان والأم التي مازال وقع مفهومها مبهم في الثقافة العربية التي أخذت من البداوة حصتها الراسخة والمتشعبة والمتوارثة، فالبدوي لا يحب المكان كونه يكبله ويحد من حريته في الترحال وراء الكلأ والماء والمطر.. وهذا ما خلق لديه عقليه كارهة للانتماء المكاني، ونشط لديه الانتماء الزماني والخيال الشعري على حساب المكاني والمعماري. وهذا ما جعله في تناشز مع الحضارة التي ناقشتها الجدلية الخلدونية الحصيفة التي أسست لوعي مازلنا لم نستوعبه بعد ستة قرون، بأن البدوي يكره المدينة ويزدريها، بل وطمع بها وتاقت نفسه للاستحواذ عليها وحكمها مع حذر مشوب بخوف من الانغماس بها. فهاجمها وفرض سطوته وعقليته عليها، و خلخل توازنها البنيوي، وهذا ما لمسناه من أثر السلطات البدوية التي انقظت بالانقلاب العسكري والتحايل والعمالة للأجنبي، على سدة السلطات في البلدان العربية، وفرضت عقليتها المزدرية والمحتقرة للمكان المديني وأهله، ضمن تراكمات وأعراف متواترة جاءت بها من أصولها ، جعلتها بالنتيجة تفرض حلها الشمولي الذي عاد وبال على المجتمعات الحضرية . وهذا الفتق لم يرتق بين مجتمعات تواقة للارتقاء وسلطات كابحة له. ومكث الإشكال الأكثر إبهاما هو أن تلك السلطات دعت للوطنية الشاملة، لكنها مارست الإنتماءات الصغرى كالدينية والمذهبية والعرقية والعشائرية والجهوية والفئوية...الخ.. وهذا دحض فكرة الانتماء للأرض الشاملة والعامة، والتي تعني بكلمة أخرى (المواطنة). ونجد حتى دول الخليج والجزيرة العربية التي نشأت من نظام مشايخ بدوية فإنها جنحت في العقود المتأخرة لأن تكرس مفهوم المواطنة المملى في جمع الناس، فالتشرذم أدى إلى وبال وهدد السلطات نفسها، وأضعف شوكة الدولة التي هي وسيلتهم وغايتهم.
وبعيدا عن السياسة والاجتماع، فإن مفهوم المكان جوهري في الإدراك والموائمة المعمارية. فللمكان ذاكرة وروح لا يمكنها قبول الدخيل عليها، لذا نعد العمارة المؤتمن الأهم على سلامة وصيانة ثقافة المجتمعات واستدامتها ، بل أمست سدها المنيع أمام جارف التغيير الفوضوي وغير محسوب الخطى والتداعيات. ويحضرني في هذا السياق ما كتبه الصوفي الأندلسي /الدمشقي محيي الدين بن عربي(المكان إذا لم يكن مكانة لا يعول عليه).
وبعيدا عن الفقه الديني وشجونه التأويلية المؤرقة وتجاذباته المسيسة، لكن ثمة حقيقة تشير إلى أن  الإسلام كان في جوهره دين حضري دحض البداوة وحارب شعرائها الذين شطحوا بخيالاتهم الزمانية وافتخروا بالعشيرة وأمسوا سمة خطابها الخيلائي، فتحول هذا الخطاب إلى مغاز مكانية لوحدة الجماعة تسنى لها أن تبني حضارة مرنة تحترم الثابت الثقافي في الأقطار، وبالنتيجة أنتجت مدن عامرة كدمشق وبغداد والقاهرة والقيروان وفاس وقرطبة. ومكث (إعمار المكان) المقصد الثاني في المقاصد الإسلامية، وهذا إستثناء في الخطاب الديني العام لكل ما أنتجته البشريه من أديان.. وتحضرني مقولة تنسب للنبي عيسى(ع) ذكرها إبن حزم الأندلسي: (الدنيا قنطرة فاعبرها ولا تبني عليها). أو حتى الرسالة الموسوية التي نحت نحو رفض البناء على عكس الإسلام، وهذه حقيقة لا يدركها حتى المتاجرين بالدين الذين فضلوا الحل البدوي على النزعة المدينية للدين. لذا فإن ميراثنا الإسلامي لا يمكن إلغاءه كونه لا يروق لنفر من المتفذلكين المتدينين والعلمانيين المسيسين والسائرين في ركب المصالح ولعق أصبع من قصعة مريبة المصدر..
إن مادة الكتاب متضمنة شجون للبحث عن العاطفة التي ربطت الإنسان بالمكان، فالبدوي لم يكترث أن يدفن أباه وأمه في خلاء الأرض دون شاهد يعرفه ليعود إليه أو يجعله دائب الزيارة له في متسع أرض البادية. وهكذا روج لمقولة مفتراة عن النبي محمد (ص) قوله (خير القبور الدوارس) وهو محض مغالطة منهجية جوهرها معاشي وإقتصادي يتعلق بوجود الإنسان وإستدامة نوعه. لذا نجد عمائر القبور والأضرحة عند المجتمعات الفلاحية تكتسي حضوة وتعني في بواطنها العميقة تبجيل للأرض التي وهبت الإنسان الغلة وأدامت وجوده. لذا فالقبور وقدسيتها هي تبجيل للمكان من عمق المفهوم أكثر من ظاهرها المتداول والساذج.
تناولت كذلك المكان البيئي ونحن في حالة سجال بشأن البيئة، التي قوضنا ملكاتها بأنانية مفرطة ورعونة جلية، فالتراث العربي كان حريص على مرهف العلاقة بين الإنسان والعمران وشجون البيئة، التي عاملها كروح أكثر من مادة وخامات وإستغلال مفرط. وأن معاملتها بعنف يصنف ضمن الكفر الذي أهمله "المتدينون" . وناقشت في الكتاب مفهوم التراث المكاني وإمكانيات إستغلال ملكاته في التنمية الإقتصادية. وموقفنا من التراث وتطويره والمحافظة عليه كونه ملك للأجيال وليس حكر على جيلنا ومن سبقه أو تلاه..فالإنسان بطبيعته كائن (تراثي) أي أنه يستلم ما ورث من سابقيه ويعمل ليترك تراث لمن يأتي من بعده، وهذا يتطلب منه الحيطة والإنتباه لما ينجز ويترك خلفه.
كذلك ناقشت الثمن الأغلى الذي يدفعه التراث في حالة الإحتراب الداخلي والخارجي ، فما حدث بالعراق وسوريا وليبيا واليمن يعد جرائم بحق التراث الذي أستبيح من طرف عناصر جاهلة. وفي تونس شهدت أن بن علي بنى مسجده على أطلال قرطاج وكأنه يريد أن يخلد كما هو حال الطغاة مثل صدام الذي بنى قصره المنيف فوق تلة لأطلال بابل الخالدة. لذا فموضوع المحافظة على الموروث وعي لا يرتقي له المتناطحون على اشلاءه. وأبديت وجهة نظري بما تؤول إليه مفاهيم التراث وكيف تتصاعد. فإسبانيا يؤمها أكثر من 60 مليون سائح سنويا، نصفهم يذهب لما تبقى من الأرث المعماري والعمراني الإسلامي، رغم ان الأندلس  كانت هامش جغرافي إسلامي، لكن الإسبان كانوا أكثر حصافة من العرب في تسويقه ميراثها كسلعة، وروجوا له، بل أمسى هويتهم المعلنة في لجة تنافس الثقافات للجذب والإنتباه، ومصدر رزق لملايين من شعبهم.



كيف ترى واقع التأليف ضمن التنظير المعماري في العالم العربي بشكل عام؟
التنظير الثقافي "على العموم" شحيح في  الثقافة العربية، ولذلك أسباب تتعلق بالأوضاع القلقة في بلدان تلك الثقافة وخشية السلطات من المثقف أصلا، وتسابق المتهافتين والانتهازيين واللاعقين لتبوأ مقدمة الصفوف ارتزاقا. وهذا ناتج من طبيعة الأنظمة السياسية التي بنت مجتمعات هشة أخلاقيا، السبق فيها لأصحاب المواهب "البهلوانية" والعيارين. ولدينا في العراق البعثي نموذج وقبلها مصر الناصرية، حيث طفت فقاعات من قليلي الوعي لتبوأ المشهد، كونهم تزلفوا للسلطة التي آثرت الولاء على الموهبة، لذا لا يمكن أن تكون الظاهرة الثقافة عندنا صحية حينما تسلك منهجا لا أخلاقي.
وحسبي ان السلطات السابقة للشمولية البعثية والناصرية و(الزينية) في تونس، كانت قد أفرزت طبقات من المبدعين أكثر حصافة وواقعية وأعمق أثر. ففي العراق مثلا لم تنتج ثقافته مثقف عضوي  حقيقي غير علي الوردي الذي لجمه البعثيون وحجموه، بعدما كان دالة حركت آسن الوعي في مرحلة مخاض ثقافي مفصلي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وأنتجت حراك فكري حقيقي.
لذا وفي قراءة المشهد العام للثقافة العربية،  فإن الغث زاد على السمين، والحشو كثر على الصلب والهامش كثر على المتن.. وحسبنا أن لا يعول كثيرا على المنتج النشري إذا لا يكن له تأثير في حراك وعي الناس. وحسبي أن الثقافة العربية تمر بمخاض خطير على كيانها ووجودها اليوم يسترعي الحيطة لما يراد لها من طمس رغم ثراء مكنونها.
أما المنتج التنظيري المعماري فهو شحيح حتما في ثقافة تعاني الكسل والتخبط وفشل في إختيار المسلك المناسب. فالتأليف يحتاج إلى محفزات معنوية ومادية غير متوفرة في بلداننا على عكس الدول الغربية ، وانشغال المثقف (بمعمعة القفه) يشغله ويشتت تركيزه ، ولا يهبه الجو المناسب للكتابة بعمق. وثمة ظاهرة التلاص المعرفي أي السرقات من المبدعين التي تمارسها جهات عدة. ففي إحصائية قرأتها قبل عامين بأن 90% مما ينشر في مصر هو محض سرقات أدبية، اي أخذ منتج الآخرين وإبدال أسم المؤلف وعنوان الكتاب، أو حتى شراء منتجه من صاحبه الفقير بباخس المال. وثمة ظاهرة  السرقات دون رقيب أو قانون يحمي المؤلف. وحدث لي شخصيا أن تركت سويعات لنص (معجم العمارة الإسلامية) الذي عملت عليه لست سنوات (1999-2005) عند دار نشر تدعى(حوران) في دمشق ولم أتفاهم بعيدها مع الناشر، فسحبت نسختي وسافرت للسويد، لكن فاجأني بانه نشر كتابي وشارك به في معارض الكتاب دون العودة لي أو الإتفاق معي.. وهكذا هو حال الكثيرين بغياب القانون الرادع، وما يتداعى من حالة إحباط وخيبة أمل لدى المؤلف. أقول التنظير المعماري يحتاج إلى جهود كبيرة ووعي من المعماريين وليس الصحفيين والمدبجين والحشويين، بل أصحاب الشأن، الذين لديهم ما يدلوه في هذا الموضوع الهام الواقع في صلب الثقافة.



كيف تجد تعامل دور النشر مع المؤلفات التي تبحث في المعمار؟
لم تظهر في كل الثقافة العربية دار نشر باختصاص واضح ومؤطر.. فكتب الفن والعمارة تحتاج إلى ناشر حصيف متخصص يستشعر قيمة الكتاب ويعرف أين يسوقه، وهذا ما لم نجده في الثقافة العربية للأسف. أتذكر بأنه كان شخص يعمل مع زوجته فقط في بيروت، وتوفى إلى رحمة الله قبل أربع سنين اسمه (مصطفى القبيسي) ودار النشر التي ملكها أسمها (قابس) وأختص بالكتب المعمارية حصرا، وطبع لي أحد كتبي (مبادئ التصميم المعماري) 2010، والذي وجد صداه، وسوقه الرائجة. ورغم أن الرجل تاجر، اي يفكر في الربح والخسارة، ويشترط الاقتضاب في النصوص كي تكون مربحة له، لكنه بادر وقدم وجزاه الله خيرا. لذا أتمنى أن تأتلف مجموعات من المثقفين العرب من منظري العمارة والفنون في تجمع غير ربحي لطبع منتجهم وما يجود به زملائهم وتعميمه وتسويقه، فهو مشروع يجد صداه لدى الكثيرين.. كون أعداد المعماريين والمهتمين بالثقافة المعمارية تتوسع دائرتهم، وهو مؤشر رائع، لذا لابد من الاستفادة من تلك المعطيات لترسيخ عملية نشر معماري واعي، وتوعوي لتحريك ساكن الفكر وخلق تيارات نقدية، يمكنها أن تشكل مرشح للحكم على مانينيه اليوم. فنحن نبني ونسوق العمائر دون أن يعرف الناس جودتها وقيمتها وسط تهافت المال وتسابق مؤشرات أسواقه والمتاجرات والبحث عن الربح السريع. لذا لا بد من تصاعد الوعي المعماري الذي أعده مؤشر لوعي الناس ومستواهم الحضاري في كل مراحل التأريخ.



ماهي تطلعاتك التأليفية المقبلة؟ 
حقيقة أدائي التأليفي لم يكسبني المال لكنه أكسبتني الجاه ومحبة الناس والتواصل والرجاء والقناعة بالأداء وراحة الخاطر، وحسبي أنه الأهم في حياتنا كبشر نسعى ونؤدي مهامنا ونحن مسافرون في حياة قصرت أو طالت ، لكنها تبقى عابرة، ويهمنا أن نترك الأثر النافع لمن يرد بعدنا. وهذا هو هاجسي في الكتابة الذي أعده تفريغ لتراكمات معرفية وهبني الله إياها ،حينما أكسبني الغربة التي هي ثراء معرفي ،و الحياة الكريمة وكتب لي السلامة حينما كان ومكث  بلدي يحترق منذ أربع عقود على الأقل .
لقد أخرجت 12 مؤلف في الاختصاص المعماري وخارجه كان أهمها (معجم العمارة الإسلامية) بغداد 2005، وهو مادة معجميه على 1000 صفحة. ثم كتبت ناقدا الحداثة (العمارة الإسلامية...سجالات في الحداثة -2009 بيروت). وكتبت عن المدائن العراقية وعن علي الوردي وثمة مؤلف لي عن (الألسنة العراقية) وهو جرد لتطور الظاهرة اللسانية في الثقافة التراكمية، كونها تشكل دالة على اقدم محاولة بشرية في نقل الكلام إلى رموز ترقن لتبقى تحتفظ بأطر الفكر وتوضح طرائق الحياة .فقد شهد العراق أقدم كتابة حوالي 3200 ق.م وهو زمن مبكر في الارتقاء البشري من الوحشية للحضارة، لأجردها في سفري المتواضع، خلال الانتقالات اللسانية بين الأكدية والآشورية والبابلية ثم الآرامية(النبطية) ثم العربية حتى دارجة اليوم، وهي سلسلة تصاعدية لأصل لساني واحد مشترك.
لدي نصوص جاهزة اليوم أهمها أربع: اللغة والعمارة وهي علاقة محسوسة وغير ملموسة في تداخل اللغة والعمارة في الثقافة العربية. والثاني هو (التأريخ المعماري.. المدرك والمستدرك) ويتعلق بطرق الثابت والمتغير المعماري ،وكشف الزيف والمبالغات وحتى الكذب الذي أملته المركزية الغربية على ثقافتنا وصداها عند بعض العرب، ولاسيما في مصر والشام، ولاسيما كشف عمليات تزوير التأريخ المعماري. وأتمنى أن تكون مادته بعد النشر مسار ودالة توعوية لدارسي تأريخ العمارة والمثقفين، ودحض لتوجهات  ذوي نزعة (عقدة الخواجة) الذي زرعوا الدعة فحصدوا الضياع .
الكتاب الثالث هو (الفنون في العمارة الإسلامية) وهو رصد تحليلي لمنبع الفنون التي مورست في عهود الإسلام وجذورها الأعمق في كل الثقافات التي أمست إسلامية فيما بعد. ويحمل الكتاب الكثير من شجون تنظيريه وتطبيقية في هذا المجال. والكتاب الرابع هو (الأخلاق والعمارة)، كون العمارة ممارسة ثقافية واجتماعية ينعكس عليها واقع أخلاق القوم، لذا وفي حالتنا ونحن نبتعد من المكارم، حري بنا أن نرصد هذا النأي من خلال رصد المنتج أو الممارسة المعمارية.
ولدي مسودات لكتب أخرى تتعلق بالمدينة وشجونها والاستشراق والعمارة وكذلك علم الجمال المعماري الذي لم يطرق ولاسيما في ثقافتنا العربية.. والله ندعوه السداد والتوفيق لكم ولنا.



* علي ثويني: دكتور معمار عراقي مغترب منذ 44 عام. يقيم في السويد منذ 30 عام. مواليد بغداد 1957 ويعمل في الإنتاجية المعمارية والتنظير والتدريس كخبير لليونسكو في الترميم الحضري والمعماري، وعمل في الجزائر والعراق والأردن والسويد وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية. درس العمارة في بوخارست وباريس وستوكهولم وبودابست وله عدة مؤلفات.


مادة خاصة بمدونة "منشورات"/ حاورته: بثينة عبد العزيز غريبي

الأحد، 22 سبتمبر 2019

(شمعة منشورات) الصافي سعيد.. الكاتب مع معادلاته

من خلال إضاءة سريعة، تشعل مدونة "منشورات" شمعة لكاتب أو ناشر عربي في يوم عيد ميلاده، عسى أن يشاركه قرّاؤه ومحبّون لحظة في حياته الشخصية كما يشاركونه عوالمه التخييلية وانشغلاته واختياراته

لم تُخفِ صفة المرشّح الرئاسي أو رجل السياسة صفة الكاتب لدى الصافي سعيد، بل إنه يبدو وقد دعم الثانية بالأولى حين قدّم برنامجه الرئاسي في كتاب بعنوان "المعادلة التونسية"، وهو عمل يمكن أن نعتبره خلاصة تتقاطع فيها انشغالاته الكثيرة في التاريخ والعلاقات الدولية والجغرافيا السياسية وعلم المستقبليات، بل أنه كثيراً ما يوظّف خياله كروائي في هذا الكتاب أيضاً. 
ومع "المعادلة التونسية"، لنا أن نذكر - بعد أيام من رحيل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي - رواية الصافي سعيد "سنوات البروستاتا"، ألم تتحدّث عن "صانع التغيير" وهو يغادر السلطة والدنيا وقد صدرت أياما بعد نهاية حكمه.
ومع هذين العملين لنا أن نذكر "خريف العرب.. الصومعة والبئر والجنرال" كعمل موسوعي حول تاريخ العرب الحديث، أو رواية "الإغواء الملكي" التي تعيد الاعتبار لجزء منسي من تاريخ تونس (العصر الحسيني)، أو "الكيتش 2011" التي تعيد تفكيك ثم تركيب الربيع العربي. 
اليوم هو عيد ميلاد الصافي سعيد، وليس أجمل أن نذكره من خلال كتبه، ومعها لنا أن نقطع مسافات طويلة من "بن بلة يتكلم" إلى "بورقيبة سيرة شبه محرّمة"، ومن "الحمى 42" إلى "المانيفسو"، أو من "عودة الزمن الإمبراطوري" إلى "جيوبولتيك الدم".

مادة خاصة بمدونة "منشورات"

السبت، 21 سبتمبر 2019

(المؤلف يقدّم نصّه) محمد جديدي عن "الترجمة.. رؤية فلسفية" - مؤمنون بلا حدود

لماذا هذا الانشغال بالترجمة من منطلق فلسفي؟ الانشغال يتأتى من صميم الاشتغال بالفعل الترجمي وينطلق من سؤال جوهري وفلسفي بامتياز: لماذا أترجم؟ قد يحدث أن يكون سؤالا أوليا ومباشرا يبادر به كل شخص تخطر بباله ترجمه كلمات أو عبارات أو نص وهو بصدد القيام ببحث أو كتابة نص أو إعداد عمل بيداغوجي أو تقرير  ما  وفي كل عمل يحيل إلى مراجع نحتاج فيه إلى فعل ترجمي لا سيما إذا ما أردنا الرجوع إلى النصوص الأصلية ومتى كانت لنا القدرة على المرور إلى اللغة الأم النص. غير أن الإجابة عن السؤال في هذا المستوى تظل غير كافية ولا تزيح توترا فكريا باطنيا يسعى إلى مزيد من الارتواء الميتافيزيقي باحثا عن أبعاد أخرى متضمنة في فعل الترجمة ولماذا يندفع الإنسان نحو وجهة ترجمية تزيد في النهاية  من رغبة التواصل البشري وتوحيد خبرات البشر في التفاهم والتثاقف والتعايش.

كيف تجد الاهتمام بالترجمة كقضية فكرية في العالم العربي؟ على الرغم من كونها إحدى الرواسب الثقافية لماضي الثقافية العربية إلا أنها لا تزال بعيدة عن تبوئها مكانة مرموقة وكقضية فكرية مركزية في الثقافة العربية المعاصرة. ومن يرصد مشاريع الترجمة ومؤسساتها في العالم العربي يدرك مدى التأخر الذي تعانيه الترجمة في بلادنا العربية ليس على صعيد ترجمة نصوص الثقافات الأخرى إلى العربية أو العكس إنما كذلك على صعيد الدراسات الترجمية والثقافية التي توحي بقيمة الترجمة كقضية أساسية في واقعنا الثقافي. طبعا هذا لا ينفي تثمين بعض المشاريع والجهود سواء المؤسساتية أو الفردية وهي تعد رائدة وتحتاج إلى دعم لكنها مع ذلك تظل غير كافية والأرقام وحدها تبين حجم النقص الذي تعاني منه الثقافة العربية في مجال الترجمة، إذ أن ما يترجمه بلد أوربي واحد ــــ مثل إسبانيا ــــ سنويا يفوق ما تنجزه الدول العربية مجتمعة. وكيف تكون الترجمة قضية فكرية في العالم العربي وقد لا يجد الكتاب طريقه إلى العربية إلا بعد ثلاثين سنة من صدوره إني أضرب مثالا هنا لكتاب الفيلسوف الأمريكي "الفلسفة ومرآة الطبيعة" والذي نشر في سنة 1979 ولكنه لم يترجم إلا في سنة 2009.

يحمل أحد فصول كتابك عنوان "الترجمة والإبداع الفلسفي"، انطلاقا من ذلك كيف ترى ذلك الجدل حول أولوية الترجمة أو التأليف في الفكر العربي؟ لا مناص من أن العربي اليوم مطالب بالإبداع، إبداع نصه، فكره، علمه وفنه وهو قادر على ترك بصمته الإبداعية في هذه المجالات إذا ما توافرت شروط وظروف الإبداع والتأليف. هذا الأخير قد يلبس ثوب التجديد في قراءة تراثية أو تصحيح ومراجعة قراءات سابقة أو تقديم رؤية جديدة لنصوص قديمة وحتى المبادرة بترجمات جديدة، ناهيك عن العمل الترجمي كضرورة في كل نهضة فكرية وأدبية وعلمية وليست الترجمة كما راج من أنها عمل ثانوي تابع دوما لنص مسبق أصلي، إنما تتضمن في إسهامها الحضاري وغايتها الحوارية كشكل من أشكال الضيافة الإنسانية فعلا إبداعيا لا يقل أهمية وقيمة عن التأليف. 

تختم كتابك بفصل عن مستقبل الترجمة في الجزائر، ماذا عن مستقبلها في مجمل العالم العربي؟ الحديث عن مستقبل الترجمة في الجزائر هو بمثابة صرخة وتنبيه إلى هذا الجانب الغائب والمغيّب من ثقافتنا ومن واقعنا ومن اقتصادنا، غائب لأنه لا يحضر إلا محتشما في منشوراتنا ونصوصنا ومشهدنا الثقافي عموما. ومغيّب لأنه خضع لفتنة اللغة وتأثر سلبا بأدلجتها، إذ ألقى الخطاب الكولونيالي وما بعد الكولونيالي بظلاله على واقع الترجمة في الجزائر ولم ننخرط في مسار تعدد اللغة وتنوعها في بلادنا بل سايرنا رؤية أحادية لمسألة اللغة والهوّية فكانت نتائجها وخيمة على الترجمة. وكان بإمكان الجزائر انطلاقا من موقعها الجغرافي المتميز وإرثها التاريخي أن يكون لها شأن كبير في مجال الترجمة بحيث يكون لها صدى واسع وموقع متقدم بمعية شقيقتيها تونس والمغرب ـــ انطلاقا من التشابه والتقارب الفكري والحضاري ـــ  في مضمار العمل الترجمي والدراسات الترجمية. الشيء الذي لو تمّ لأمكن معه التفاؤل بمستقبل الترجمة في العالم العربي غير أن الأمر ليس كذلك فالجهود المؤسساتية والفردية في بلاد المشرق ــــ وهي نسبيا متفوقة على مثيلاتها في بلاد المغرب العربي ــــ تظل بحاجة إلى دعم وتطوير  ومزيد من الجهد  لأننا من دون ترجمة نبقى خارج العالم.


مادة خاصة بمدونة "منشورات"

(عودة إلى كتاب) رشيد أيلال عن "صحيح البخاري.. نهاية أسطورة"

تعود هذه الزاوية إلى كتاب ليس حديث الإصدار فتحاول أن تقرأ تلقيه من خلال مؤلفه، ومن خلال ذلك تضيء مجدداً عوالمه والصلات التي لا تزال حاضرة بين الكتاب وصاحبه. ضيفنا اليوم الكاتب المغربي رشيد أيلال، واخترنا أن نحدّثه عن كتابه "صحيح البخاري.. نهاية أسطورة" والذي أحدث ضجة في أكثر من بلد عربي 

قد يكون كتاب "صحيح البخاري.. نهاية أسطورة" أحد أشهر كتب السنوات القليلة الأخيرة عربياً. هل تعتقد بأن الكتاب قرئ بالفعل؟
إذا نظرنا إلى كتاب "صحيح البخاري نهاية أسطورة" في ظل واقع القراءة وواقع الكتاب عموما في الوطن العربي والإسلامي، فإنه يبقى من الكتب القليلة التي كانت أوفر حظا من حيث عدد القراء الذين اهتموا بهذا الكتاب، سواء بشراء نسخه الورقية حيث بلغ حجم مبيعاته في كل من المغرب وتونس إلى أزيد من عشرين ألف نسخة، أو بتحميل نسخه الإلكترونية بصيغة pdf حيث تجاوز عدد المرات التي حمل فيها كتاب صحيح البخاري نهاية نهاية أسطورة رقم 100000 مرة بشكل مجاني، وبالتالي فإنه يمكن الحديث عن رواج كبير للكتاب بالمقارنة مع باقي الكتب، وهذا ما جعل جريدة "اليوم السابع" المصرية تعتبره من أهم سبع كتب صدرت خلال سنة 2017، وجريدة "الشرق الأوسط "تعتبره من أهم الأحداث الثقافية بالمغرب لسنة 2017، وهي سنة صدور الكتاب لأول مرة بالمغرب عن "دار الوطن"، لكن دعيني أكن صريحا معك إلى أبعد حد بخصوص هل قرئ الكتاب فعلا أم لا؟ لأنه كما تعلمين فإن هذه الأرقام تعبر عن عدد المبيعات ولا تعكس حقيقة إن كان الكتاب قرئ فعلا كما يجب أم لا؟ لأن معظم القراء في بلداننا التي مازالت تتلمس الطريق في غبش مظلم إلى مجتمع متقدم ومتنور، مع كامل الأسف لا يقرأون، إلا النزر القليل منهم، ممن تشرب حب المعرفة، وهذه الفئة يمكن اعتبارها نخبة النخبة، بالإضافة إلى الفئة الأخرى والمتمثلة في تيار الإسلام السياسي سواء المنتمي للنهج الإخواني أو للنهج السلفي، وهذه الفئة تقرأ الكتاب بهدف البحث عن ثغرات لإسكات صوته، والطعن في صاحب الكتاب أكثر مما تحفل لأخذ النقاش بجدية أكبر وإثارة حوار فعال حول موروثنا الديني لتنقيحه من الشوائب والأساطير العالقة به.




نشرت الكتاب في تونس (سوتيميديا) ما سبب هذا الخيار؟ كانت أول طبعة للكتاب كانت في أكتوبر من سنة2017 عن "دار الوطن" بالمغرب، وقد كان اختياري لتونس كمرحلة تالية سنة 2018، لأني اعتبرها رائدة التنوير في العالم الإسلامي وفي مغربنا الكبير، فكان شرفا لي أن يطبع كتابي وينشر في تونس الأنوار، ويجد صدى كبيرا ونقاشا أكبر في الجامعات والمنتديات ومراكز الأبحاث بتونس، وقد كان لي الشرف أن كنت ضيفا على المعرض الدولي للكتاب بتونس بدعوة من وزارة الثقافة التونسية، وألقيت هناك محاضرتين الأولى في قاعة المحاضرات بالمعرض، والثانية بالمركز العربي لدراسة السياسات من تنظيم مرصد الحريات بتونس، أما حول اختياري لدار النشر سوتيميديا فذلك نظرا للتفاهم العميق بيني وبين مديرها الأستاذ رياض شنيتر، وأيضا لما تتمتع به هذه الدار من روح ثقافية قوية وعميقة وكذلك لدعمها للعمل الفكري والبحثي الذي ينخرط في تنوير فئات عريضة من الشعب التونسي، وأيضا نظرا للخبرة والمرونة التي يتميز بها كل العاملين في هذه الدار الشيء الذي جعلني أطمئن في التعامل معهم، وستكون بيننا أعمال أخرى قريبا.


هل أن أعمالك القادمة ستكون ضمن نفس دائرة البحث؟ إذا كنت تقصدين دائرة تنقية الدين من الأساطير والخرافات فمعظم أعمالي القادمة تدخل في هذه الدائرة، كما ستكون لي إصدارات أخرى في مجال تجديد فهم الدين فهما يستفيد من علوم العصر ضمن مشروعي الفكري والذي أطلقت عليه مشروع "الأنبياء الجدد".  وأيضا أفكر في إصدار ديواني الشعري، والذي ما زلت أتحين الفرصة المناسبة لإخراجه إلى حيز الوجود.


ماهي المنهجيات التي تعتبر أنها الأكثر ملاءمة في مقاربة التراث العربي الإسلامي؟كما أقول دائما فإن التراث العربي والأمازيغي والإسلامي والإنساني عموما، يندرج ضمن التاريخ، وما دام يندرج في هذا الإطار فإن المقاربات المنهجية الأسلم هي علوم التاريخ من أركيولوجيا وفيلولوجيا وكوديكولوجيا وباليوغرافي وعلم الديبلوماتيك وعلم الأبيغرافيا وغيرها من العلوم المساعدة التي تسهم بشكل كبير وواضح في نفض الغبار عن الكثير من هذا التراث وإبراز الحقيقي فيه من الخرافي. هذه العلوم هي علوم صماء لا تحابي أحدا ولا تتأثر بإيديولوجيا معينة، فهي تستنطق المسكون عنه عبر أحدث الوسائل العلمية، التي ما زلنا ننفر منها ونتوجس خيفة لما ستسفر عنه من حقائق صادمة، إذ ارتحنا للأساليب القديمة والتي لا يمكنها أن تضيف شيئا للحقيقة والعلم، لأنها لا تستفزنا وتجعلنا نرضى بالنوم في العسل.


ماهي مشاغلك كقارئ في السنوات الأخيرة؟أهتم بقراءة كل ما يخص التاريخ المبكر للإسلام، لأن هذا التاريخ لا نعرف عنه شيئا إلا ما وصلنا، من روايات شفاهية متضاربة ومتناقضة، بعد مئات السنين على وفاة الرسول، وبالتالي وجب أن نستجلي هذا الغموض بالقراءة والبحث والتنقيب وهذا هو شغلي الشاغل خلال السنوات الأخيرة، على شح الكتابات والأبحاث في هذا المجال مع كامل الأسف.


مادة خاصة بمدونة "منشورات"/ حاورته : بثينة عبد العزيز غريبي

الجمعة، 20 سبتمبر 2019

(منتخبات صحفية) "الثقافة" لـ تيري إيغلتون: متاهات التعريف - علاء رشيدي

أصدرت المترجمةُ لطيفة الدليمي مع دار المدى، الترجمةَ العربية لكتاب "الثقافة" لواحدٍ من أبرز النقاد، والباحثين الأدبيين في حقل الدراسات الثقافية، البريطاني تيري إيغلتن، كتابه الثقافة هذا صدر في العام 2016 عن جامعة (ييل، الولايات المتحدة).
بدايةً، تبيّن المترجمة لطيفة الدليمي خيارها في ترجمة هذا الكتاب، بكونه بحثاً تاريخياً – سوسيولوجياً – أنثربولوجياً مركباً في مفهوم "الثقافة"، وهو مكتوب بطريقة تيري إيغلتن المميزة، التي يركز فيها على ثيمات محددة في سياق الموضوعة الكبرى التي يتناولها، وهو المعروف عنه نفوره من الصلابة الأكاديمية السائدة، وميله لاعتماد العبارات القصيرة المتلاحقة التي هي أقرب إلى تأكيد لمواضعات راسخة.
ترى الدليمي أن الكتاب يتناول موضوعة معقدة وكثيرة الاشتباكات مع الحقول المعرفية الأخرى، وهي موضوعة "الثقافة"، وترى أن إيغلتن قد قدم فيه ملخصاً أساسياً ومدخلاً لقراءات شاملة أكثر في هذا الموضوع.
أما الكاتب "كه يلان محمد" فاعتبر أن أكثر ما يلفت النظر في كلام إيغلتن هو تطرقه إلى الجوانب السلبية للثقافة، حين يذكر أن الثقافة قد تكون أمراً شديد الخطورة، ومع ذلك ما يزال من يختزل الثقافة على إبداعات موسيقية وفنية وأدبية. أما الناقد بدر سنجاري، فقال إن الكتاب يربطنا بالدراسات الأكاديمية والمنتجات الجامعة الفكرية العالمية.
وهو تتمة للكتاب الهام لتيري إيغلتن بعنوان "فكرة الثقافة" الذي ترجم سابقاً إلى العربية، وتأثر به المفكرون العرب واعتبروه من أبرز الكتب التي تعالج مفهوم "الثقافة"، فكان لابد من ترجمة متابعة إيغلتن التفكير والتأمل في هذه الفكرة، ليتعرّف عليها المفكّرون العرب. كما تأتي أهمية الكتاب من إمكانية تطبيق مقولات إيغلتن عن الثقافة على أي من بنية المجتمعات والحضارات الإنسانية المعاصرة.
في المحاورة الهامة التي أجراها معه ديفيد إيبوني، والتي تفتتح الكتاب، يقدم تيري إيغلتن تعاريف متنوعة للثقافة. فالثقافة يمكن أن تكون نموذجاً للكيفية التي نعيش بها، أو شكلاً من هيكلة أو تحقيق الذات، أو ثمرة مجموعة من أشكال الحياة المعاشة لجماعة كبرى من الناس، وقد تكون الثقافة نقداً للحاضر أو صورة للمستقبل. وينبّه إيغلتن: "بالرغم أنه من النادر أن يجري التأكيد على الجوانب السلبية للثقافة. لكن الثقافة يمكن أن تكون أمراً أشد خطورة بكثير مما نعتقد، وهي أشد خطورة مما يدرك الناس، ومع ذلك فثمة من مايزال يفكر بالثقافة بمفردات تخص باخ وبيتهوفن فحسب".
يفتتح إيغلتن الكتابَ بالتبيان أن "الثقافة" مفردة معقدة على نحو استثنائي، فهي المفردة الثانية أو الثالثة في ترتيب الكلمات الأكثر تعقيداً في اللغة الإنكليزية، لكن ثمة أربعة معانٍ رئيسية يمكن إقرانها بمفردة "الثقافة": قد تعني الثقافة: 1 – تراكماً من العمل الفني والذهني 2- الصيرورة التي يحصل بها الارتقاء الروحاني والذهني 3- القيم، العادات، المعتقدات، والممارسات الرمزية التي يوظفها الرجال والنساء في الحياة 4- الطريقة الكلية المعتمدة في الحياة.د
الثقافة بهذا المعنى تخدم غرضاً توصيفياً يميّز الطريقة التي يحيا بها مجموعة من الأفراد عن مجموعة أخرى، ما قد يستلزم درجةً من التشكيك في طرق عيش الحضارات والثقافات الأخرى، تصبح الثقافة هويةً لاستبعاد الهويات الأخرى. وهنا فإن فكرة الثقافة التي تبدو في ظاهرها حميدة وغير ذات ضرر، تصبح حاملة في طياتها بذوراً للخلاف مع البيئة الكامنة خارج فضائها، فتختلف القيم وأسلوب الحياة بين ثقافتين متعارضتين، مثل الاختلاف بين ثقافة النبالة القائمة على ملكية الأرض، وثقافة الفلاحين القائمة على الفلاحة والعمل في الأرض.
لثقافة والحضارة عنتا في الأصل الأمر ذاته، لكن في العصر الحديث، تم التفريق بين المفردتين وتصويرهما على أنهما مفردتان متعاكستان. هي الحضارة الصناعية التي ساعدت على بلورة وولادة مفهوم الثقافة، ولم تصبح مفردة "الثقافة" واسعة الاستخدام حتى القرن التاسع عشر. إذ كلما بدت التجربة اليومية فاقدة للروح ومُفقرة أكثر من السابق، كان مثال الثقافة يلقي دفعةً ارتقائيةً أعظم على سبيل معاكسة الإفقار الروحي السائد، وكلما توغلت الحضارة في نزوعها المادي أكثر من ذي قبل، كانت الثقافة تبدي نزوعاً مقابلاً أكثر ترفعاً عن الاهتمامات الدنيوية. إذ كانت الثقافة أقرب لمفهوم رومانتيكي، في حين أن الحضارة غدت مفهوماً يحكى عنه في سياق مفردات لغة عصر التنوير.
يتضح ذلك في كتاب "تكوين الكنيسة والدولة"، فيكتب مؤلفه صامويل كولريدج، عن الثقافة في سياق الرفعة الأخلاقية، باعتبارها أمراً جوهرياً أكثر أهمية من الحضارة، لكن الحقيقة هي أن الثقافة منتج تخلفه الحضارة ذاتها، فالثقافة هي التي تهتم بالحفاظ على المتانة الروحية والأخلاقية لأية حضارة.
كتب إيغلتن عن مفهوم "الطبيعة": "لطالما تمَّ تبجيل الطبيعة باعتبارها فردوساً للصفاء والسكينة، يستطيع المرء الاحتماء في ملاذها من فوضى الحضارة واضطراباتها الجامحة، غير أن الأمر المعاكس يمكن أن يحصل أيضاً"، ويستشهد بما كتبه المفكّر سلافوي جيجك: "الطبيعة مجنونة، الطبيعة فوضوية وعرضة للكوارث الجامحة التي لا يمكن التنبؤ بها والمفتقدة للمعنى، ونحن في المقابل عرضة لنزواتها عديمة الرحمة. لا اعتقد بوجود أي نظام طبيعي. النظام الطبيعي هو كارثة".
في كتابه "انحطاط الغرب" يجادل أوزفالد شبيلنغر بأن كل الثقافات تنتهي في خاتمة الأمر، للمراوحة حيث هي والتجسّد في هيئة حضارات، وهو الأمر الذي يكشف عن الانحدار الحتمي من الحالة الروحية إلى الحالة الميكانيكية.
إن واحداً من المعاني الأولية المبكرة التي خلعت على الثقافة هي "التربية والرعاية" التي تفيد التعهّد برعاية أي نمو طبيعي، بشرياً كان أو غير بشري. يستنتج المؤلف أن مصطلح الثقافة الذي نخلعه اليوم على بعض الفعاليات البشرية الأكثر فخامة ورفعة والأكثر التصاقاً بالحياة في الحواضر المدينية، هو في حقيقة الأمر مصطلح ريفي متواضع النشأة. يكتب إيغلتن في الحديث عن الثقافة كرعاية: "إن هدف الوجود الإنساني هو تحقيق الذات، والذات هنا هي مشروع أو واجب أو عمل مستديم يقع عبء النهوض به على عاتقنا، لكن إذا كانت الذات البشرية في حاجة للرعاية المكثفة. بالتالي، تصبح إحدى معضلات الثقافة في الكيفية التي يمكن بها جعل القوى التدميرية تُفرز بعيداً من غير إيذاء القوى الإحيائية".
الإيديولوجيا أمر مختلف عن الثقافة ومتمايز عنها. فإذا كانت الثقافة هي قيم وممارسات رمزية، فإن الإيديولوجيا تشير لتلك القيم والممارسات الرمزية المراد تحنيطها في مفصل زمني محدد، ضمن سياق الحفاظ على استمرارية السلطة السياسية وسطوتها العتيدة. الثقافة إذاً، مفهوم أكثر رحابة من الإيديولوجيا، والكثير من الموضوعات المحتواة في الثقافة مبرّأة من الاعتبارات الإيديولوجية معظم الوقت.
كتب إدموند برك: "لا يرتبط الناس الواحد مع الآخر من خلال أختام وقوانين مسطورة على الورق، بل هم منقادون من خلال التماثلات والتطلعات المتطابقة وسمات التعاطف الإنساني المشترك"، إذ يرى إدموند برك أن الثقافة أمر أكثر جوهرية من القانون أو السياسة. فالثقافة في رأيه هي الطبقة الرسوبية التي تترسخ فيها السلطة وتنبت جذورها، ويعقب بشأن هذه الموضوعة قائلاً: "العادات أكثر أهمية من القوانين، إذ أن القانون يتأسس على تلك العادات إلى حد بعيد".
في عمله الأشهر "مقالة في الطبيعة البشرية" يتطرق الفيلسوف ديفيد هيوم إلى هذا الشأن: "الزمن وحده هو ما يمنح الصلابة لحق الحاكمين وسطوتهم في الحكم، والتعامل التدريجي في تكييف عقول الناس هو ما يجعلهم منقادين لأية سلطة، ويجعل تلك السلطة تبدو عادلة ومعقولة تماماً". ما يقصده هيوم هو أن الشرعية تتعزّز مع الوقت، والسلطة تتأسس على النسيان، فكل السلطات في العالم تنطوي على قدرٍ محتومٍ من الاحتيال والمخادعة، لذلك فإن الثقافة والجماليات بكل تمظهراتها المتعددة – الأعراف المبجلة، فتنة الأرستقراطية وغواياتها، الهالة المقدسة للصلات القرابية، أبهة البرلمان وفخامته المدوخة – لها أهمية حاسمة بالنسبة للحكّام الممسكين بالسلطة. إذاً، الثقافة في نهاية المطاف هي التي لها اليد الطولى على السياسة وكل ما يمت لها بصلة.
بالنسبة لمفكرين مثل شيللر وكولريدج وآرنولد، فإن الثقافة هي وقبل كل شيء، قوة من أجل الوصول لتسويةٍ مجتمعية، لأنها تتيح التسامي فوق الخلافات الطائفية وبلوغ تقارب بديل على أساس إنسانيتنا المشتركة، ولذلك فإن الأدب والفنون غير قابلين للاستبدال أو الإلغاء، لأنهما يبدوان قادرين على التعبير عن الإنسانية بطريقةٍ تصويريةٍ مباشرة عظيمة التأثير، بطريقةٍ لا تستطيع الفلسفة أو العلوم السياسية الجافة مجاراتها أو التباري معها.
وهكذا، بعد أن ميّز تيري إيغلتن بين الثقافة والحضارة والإيديولوجيا، ودرس علاقة الثقافة بالسلطة السياسية، كما نوّه إلى الجوانب السلبية التي يمكن للثقافة أن تضطلع فيها في الحضارة الإنسانية، يُعيد التذكير بالجانب القيمي والأخلاقي التي يمكن للثقافة أن تضطلع فيه. فالثقافة بالنسبة له، ممثلةً تحديداً في الآداب والفنون، هي الوسيلة التي تمكّننا من تحسس القيم الأساسية المفترضة التي نعيش في ظلها، كما تؤكد التجربة الإنسانية المتواترة، فيكتب:
"نستطيع، مدفوعين بالقوة المتناغمة للثقافة، أن نرتفع فوق انشغالاتنا المادية المفرطة والرثة بشأن الطبقة، المرتبة الوظيفية، السلطة، الوضعية الجندرية، الخلفيات الإثنية، اللامساواة الاجتماعية، وجعلها معلقة في فضاء أبعد من واقع الحال الذي نعيشه، وإذا بدا أن ليس من حلول سياسية جاهزة إزاء هذه المعضلات، فإن الثقافة كفيلة بترتيب حل روحاني الطابع لها.
وبهذه الكيفية يمكن للثقافة أن تلعب دوراً شبيهاً بالوظيفة التي يؤديها الدين، وهذا أحد الأسباب التي تدفع للنظر إلى الثقافة باعتبارها نسخة علمانية من المعتقدات الدينية. يمكن للثقافة والإنسانيات بعامة أن تكون قلباً في عالم لا قلب له، وروحاً وسط ظروف تنعدم فيها الروح، لكن يمكن للثقافة أيضاً أن تكون أفيوناً، وهنا ستستحيل الثقافة أمراً عديم الجدوى وغير مؤثر إلى أبعد الحدود".

المصدر: رصيف 22

الأحد، 15 سبتمبر 2019

(كتب العالم) "صناعة الكاتب الوطني": نقاش مفتوح على متاهة

مع موجة الإصدارات ضمن ما يُعرف بـ"موسم الدخول الأدبي" في فرنسا، كثيراً ما تُظلم الكتب التاريخية والفكرية، حيث تذهب الأضواء عادة إلى الإصدارات الأدبية الجديدة، غير أن كتاب "صناعة الكاتب الوطني" للباحثة الفرنسية آن ماري تياس يبدو مؤهلاً للمنافسة على قائمة الأكثر مبيعاً، على الرغم من كونه يصنّف ضمن جنس كتابة كثيراً ما اعتُبر نخبوياً وهو "المحاولة التاريخية".
نقطة القوة التي يستند إليها العمل هو أنه يأتي في صلب جدالات تخترق الفضاء العام والحياة السياسية والأكاديمية، فلئن بدا السؤال بسيطاً: أيَّ موقع لما يقوله المؤلفون، من كتّاب الأدب إلى المؤرخين، في حياتنا؟ فإنه يفتح على إشكاليات عميقة، خصوصاً وأن تياس ترفقه بباقة أسئلة أخرى حول موقع المؤلفين من السلطة ورواياتها الرسمية، ومن بعضهم بعضاً.
تعتبر الباحثة الفرنسية أن بلادها طوّرت "الكاتب الوطني" بشكل خاص، ضاربة أمثلة أندريه مالرو وجان بول سارتر وألبير كامو، فعلى اختلاف هؤلاء في التصوّرات وأشكال الكتابة والمواقع الاجتماعية والثقافية، فهم جميعاً كانوا تعبيراً على "روح جمعية" - هي بالنسبة لـ تياس - الملهمة لكل أعمالهم، بل إنها تشير إلى كونهم كانوا حريصين على هذا الموقع.
تدرس تياس أيضاً علاقة هؤلاء بمنظومات الاعتراف الأدبي، مثل المواقع الرسمية في الدولة كحال مالرو الذي كان وزير الثقافة في العصر الديغولي، أو من خلال الجوائز الأدبية التي رصعت مسيرة سارتر وكامو. كل هذه العناصر تدعم "الكاتب الوطني"، وتجعل منه سلطة اعتبارية تُقال من خلالها السرديات الوطنية على تفاوت ما فيها من وجاهة ومتانة.
تنبّه تياس إلى أن كثيراً من المياه جرت تحت أقدام "الكاتب الوطني"، بدأ ذلك في منتصف القرن الماضي مع صعود صوت المثقف في البلاد المستعمرة والذي بات يتحدّث بنفس لغة سارتر وكامو، ثم تواصل المد مع ظهور تيارات فكرية وأدبية وفنية تقاوم كل عملية تشييد لمكانة اعتبارية، وصولاً إلى العولمة التي تفضي بنا إلى مشهد اليوم، وهو مشهد لا يمكن أن ننتظر من أي كاتب أن يكون لصيقاً بهوية بلده، ناهيك عن انتظار تحوّله إلى "كاتب وطني".
يجيب العمل بذلك عن تساؤلات تخترق نخب فرنسا اليوم: لماذا باتت الثقافات التحتية مثل الغرافيتي والراب وفيديوهات اليوتيوب مؤثّرة أكثر من محاضرات آلان باديو وكتب ريجيس دوبريه وحصص برنارد بيفو التلفزية؟ إنه كتاب يفسّر كيف أن حركة مثل "السترات الصفراء" قد ضربت بقوة فرنسا في الشتاء الماضي دون أن يكون في الصف الأول مثقفون يحملون خطابها ويجسّدونها. كل ذلك علامات تجعل تياس تذهب إلى أن عودة "الكاتب الوطني" تكاد تكون مستحيلة.


المصدر: العربي الجديد

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...