السبت، 24 أغسطس 2019

(شمعة منشورات) أم الزين بن شيخة: الفلسفة في اكتشاف الجمال


لعلها من بين أبرز المتخصّصات عربياً في فكر الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط حيث طوّعت جهازه المفاهيمي في قراءة الفن العربي الحديث. إنها الباحثة والكاتبة التونسية أم الزين بن شيخة المسكيني، والتي لم تتقيّد باختصاصها الفلسفي بل انفتحت على كتابة المقال (الثورة البيضاء وهنا تُباع الشعوب خلسة.. مقالات في التهكّم الأسود، مع الفيلسوف فتحي المسكيني) والشعر (اضحك أيّها الدهر الشرقي) والرواية (جرحى السماء، 2012 - لن تُجنّ وحيدا هذا اليوم، 2014).
قبل ذلك لا بدّ أن نعدّ كتابات فلسفية أساسية في الفكر الجمالي العربي مثل "الفنّ يخرج عن طوره" 2011، و"تحرير المحسوس" (2014) و"الفن في زمن الإرهاب" (2016). ولها أيضاً كتاب "كانط والحداثة الدينيّة، 2015 والذي سبق وأن صدر قبل ذلك بعنوان "كانط راهنا أو الإنسان في حدود مجرد العقل".
حازت على تكريمات عدة، آخرها من "مؤسسة ابن رشد للفكر الحر في ألمانيا، ولها مساهمات عدة في الحياة المدنية والإعلامية في تونس. في عيد ميلادها، تتنمى لها "منشورات" مزيداً من التألق والإبداع الفكري والأدبي.





مادة خاصة بالمدونة



الجمعة، 23 أغسطس 2019

(ناشر في الضوء) جعفر العقيلي: أكثر من تلقّي المخطوطات وطباعتها

على الرغم من كونهم شركاء في إنجاز كل عمل إبداعي، إلا أن الناشرين كانوا دائما بعيداً عن بقعة الضوء التي يجلس فيها المؤلف وحده عادة. مدونة "منشورات" تدعوهم لحديث في الضوء


* كيف أصبحت ناشراً؟

كان ذلك بمحض الصدفة ودون قرار مسبق، وذلك على إثر شعوري بالغبن بسبب ناشر أحد كتبي. كان تقصيره في أداء مهمته واضحاً، بالنسبة لي على الأقل! وفي تلك الفترة –أتحدث عن صيف عام 2013- كان تقصير الناشرين بعامة مدار حديثي أنا وثلة من الأصدقاء الذين ساندوا مقترحي فكانت "الآن ناشرون وموزعون" مشروعاً ثقافياً في الأساس يسعى إلى أن يقدم للمؤلفين ما عجز عن تقديمه ناشرون لنا. وللتوضيح فإن الشركاء المؤسسين معي هم أدباء ونقاد ومترجمون، ويبلغ عدد إصداراتنا نحن الشركاء أكثر من 80 إصداراً أي خضنا تجارب متعددة مع ناشرين محليين وعرب قبل ان نقدم على هذه الخطوة الحميدة.

* هل تعتبر أن النشر مهنة مُهدَّدة؟

لا يمكن الموافقة على هذا الرأي تماماً، فكثير من الحرف والمهن مهددة بشكل أو بآخر ولكن لن يتوقف القراء عن القراءة، ولن يتوقف الكتّاب عن الكتابة، ولن تتوقف المطابع عن العمل، وهذا يعني أن الناشر سيظل موجودا وإن تغير أسلوب عمله، الناشر مطالب دائما بتحديث أدواته وبولوج العصر الرقمي والاستفادة من منتجاته وثورته. أنا على يقين أن الكتاب الورقي سيظل موجودا أبد الدهر، ولن يتخلى عنه القراء حتى ولو كانت نسبة الاقبال على الكتاب الإلكتروني في تزايد. هما شكلان للتلقي والمرافقة والمصاحبة، ولك منهما مريدوه ومحبوه.

* ماهي الخصوصية التي ترى أنها تميّز "الآن ناشرون وموزعون" ضمن المشهد العربي؟
يمكن القول بكثير من الثقة إن "الآن ناشرون وموزعون" مشروع ثقافي لم يضع في حسبانه بعد البعد التجاري، لهذا فإن توسّعَه عموديا وأفقياً وانتشاره في الأفق العربي هو قرار لا حياد عنه، وليس خياراً، بدافع من رسالة المشروع التي أطلقناها منذ تدشينه قبل ست سنوات. وقلنا بصريح العبارة في بيان الإشهار: المشروع تنويري لا يقتصر عمله على تلقي المخطوطات وطباعتها، بل ينتقي من الكتب ما يراه منسجماً مع رؤيته المعرفية وما يغذي العقل ويثير الساكن، وفي الوقت نفسه ينفتح على البعد الإنساني بانفتاحه على لغات عدة أذكر من بينها البوسنية والروسية والفرنسية والألبانية والكردية والباكستانية والاسبانية والانجليزية.
من أهم سمات تجربتنا في النشر حرصنا على تقديم المحتوى بشكل يليق به، وهذا يعني مستوى مهني واحترافي في التدقيق والتحرير، وكذا في التنسيق الداخلي وتصميم الغلاف (وهذا يتم بالتشاور مع المؤلف) ثم تكون الطباعة بناء على مواصفات واضحة ومحددة بالتنسيق مع المؤلف أيضاً. ولاحقاً نحتفي بالكتاب وبصاحبه بما يليق بهما، ونتعاون مع المؤلف في الإعداد لحفل توقيع أو ندوة نقدية أو أي فعالية أخرى تتعلق بالكتاب، فضلاً عن أننا نوصل الكتاب إلى نقاط توزيع في مدن عربية ونشارك في المعارض، ونتيح للكتاب للراغبين باقتناء نسخة إلكترونية عبر منصات ومواقع مشهورة على غرار أمازون. وأود أن أشير إلى أننا نقوم بعمل تشبيك حقيقي بين الكتاب والنقاد ونقترح على النقاد الكتب التي نرى أنها قد تلقى اهتمامهم، وهذه المبادرة تلقى ثناء من كتابنا وتشعرهم بالرضا وبأن خيارهم بالانضمام إلى أسرتنا الكبيرة في مكانه، بخاصة أنها تؤتي ثمارها على شكل دراسات نقدية لإصداراتهم، أو حوارات معهم، أو دعوات لمهرجانات وملتقيات عربية.

* كيف تختار المؤلفين؟ وهل توجد فئة منهم تفضّل عدم التعامل معها؟
غالباً ما تكون المبادرة من طرف المؤلف ولكننا حريصون على متابعة الأصوات اللافتة من خلال وسائل الإعلام واللقاء بهم في معارض كتب، وأيضاً من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. عندها تبدأ أحاديث بيننا قد تنتهي باستقطابهم للنشر من خلالنا، وقد حدث هذا عشرات المرات خلال العمر القصير لهذه الدار. ليس هناك من قائمة سوداء مسبقة بأسماء كتاب لا نحبذ التعامل معهم، ولكنني عموماً أفضل عدم التعامل مع أصحاب الأنا المتضخّمة والغرور المؤذي.

* هل تتابع ما يكتب عن كتب الدار في الصحافة العربية؟ وما هو تقييمك لهذه الكتابات؟
طبعاً نحن نتابع جميع ما يكتب عن إصدارات الدار، ومن حسن الحظ أن الشركاء المؤسسين لهذه الدار جاءوا من خلفية إعلامية، وتحديدا الاعلام الثقافي، وهذا ما وفر لنا شبكة واسعة من الإعلامين العرب المتحمسين للتجربة، والذين يمدون أذرعهم عوناً لها. الى جانب التناول الخبري أو المتابعات الصحفية الكثيرة التي تحظى بها إصداراتنا‘ هناك تناول نقدي يمكن تقييمه بالجيد، ولكن لنعترف أن حال النقد العربي لا يسر كثيرا، وأن النقاد لم يعودوا قادرين على مواكبة المنجز الأدبي.

* ماذا تشعر حين يقرصن كتاب أصدرته الدار؟
أشعر بالغيظ لأنه سطو على حق الناشر المادي وحق المؤلف المادي والمعنوي، هذه سرقة موصوفة ونحن نعاني منها ورغم أن هناك تشريعات سنت في بعض الدول العربية لتجريم هذا السلوك إلا أن إجراءات التقاضي معقدة وتتسم بالبيروقراطية، فضلاً عن أن العرب لم يصلوا بعد إلى مرحلة يعترفون فيها بالحق المعنوي مثلما يعترفون بالحق المادي.
ظاهرة القرصنة واستنساخ الكتب في حالة تزايد مستمرة عربياً ولم تعد تقتصر على دولة بعينها، وحجج المقرصنين واهية لكن أياديهم طويلة، ولديهم من المخارج الكثير مستعينين بالثغرات القانونية وبخبرات المحامين الذي يترافعون عنهم بالقضايا المتصلة بالملكية الفكرية. ولأكن صريحا، نحن بحاجة إلى جهود جبارة لمحاصرة هذه الظاهرة التي تهدد صناعة الكتاب العربي وتجعلها في مهب الريح. 

* ما نوع الكتب التي تقرأها بعيداً عن العمل؟
أقرأ بشكل يومي في الفلسفة، والفكر، والسرد، بخاصة اليوميات والمذكرات. أنا أصلاً كاتب صدر لي 15 كتابا في الشعر والقصة وحوارات الأدب والثقافة والبحث والدراسات.



إضاءة على الدار 
"الآن ناشرون وموزعون"، دار نشر وتوزيع، تأسست في الأردن بمبادرةٍ من عدد من الكتّاب والمثقفين والإعلاميين في أواخر عام 2013، وهي تمثل مشروعاً ثقافياً يُعنى بالثقافة المدنيّة، والتنوير، والحوار مع الآخر، والتشارك الإنساني.
تسعى الدار للارتقاء بصناعة النشر، وتعميم القراءة، وتوطين المعرفة، من خلال شبكة للتواصل مع المؤلفين والمثقفين العرب، وبناء جسور مع القراء في البلدان العربية، والقراء العرب في بلاد الاغتراب والمهجر.
تُولي الدار عنايةً فائقة بإصداراتها شكلاً ومضموناً، وتتولّى من خلال فريق من المحترفين جميع مراحل صناعة الكتاب، بدءاً من تقييم المحتوى ومراجعته وتطويره، مروراً بالتدقيق والتحرير اللغوي، وليس انتهاءً بالتنسيق والإخراج الفنّي وتصميم الغلاف، بما يحقق جودةً تروم منافسة الكتاب العالمي.
وتنطلق الدار في مشروعها الثقافي التنويري من إدراكها لأهمية فعل القراءة ورقياً وإلكترونياً، إذ تصنع شراكة مع المؤلف، تعرّف به وبمنتجه، وتوثق ارتباطه بالقراء والشريحة المثقفة والإعلاميين، كما تعرض أعماله على موقعها الإلكتروني، وعلى المواقع الثقافية الصديقة، وتضيء تجربته عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال المعارض ونقاط البيع والتوزيع، وتقنيات الاتصال الحديثة، ووسائل الإعلام بوسائطها المتعددة.
تعنى الدار بالتجارب المبشّرة والواعدة، وقضايا المرأة وأدب الطفل، والكتابة المتخصصة في الحقول المعرفية المختلفة، وتسعى لتسليط الضوء على القضايا المهمة من خلال الحوار والتركيز على الفعل النقدي، بإشراك المثقفين في ندوات ومؤتمرات لقراءة الظواهر الثقافية والاجتماعية والفنية علمياً ومعرفياً. وهي تتواصل مع وسائل الإعلام المقروءة والبصرية والسمعية، للترويج للكتاب ومؤلفه معاً، وتوظّف قاعدة بيانات واسعة لهذه الغاية.
وتنوّع الدار في إصداراتها لتشمل طيفاً واسعاً من العلوم والمعارف الإنسانية، وتفتح باباً على الترجمة من وإلى أكثر من لغة، كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والبوسنية والصربية، وتطلق مشاريع معرفية وتنويرية تُجمَع خلاصاتُها في كتبٍ ضمن سلاسل متخصصة.
تشارك الدار بفعاليات ثقافية، ومعارض عربية ودولية، إلى جانب معارض الرصيف الشعبية. وقد وقّعت اتفاقيات شراكة وتعاون لتبادل الإصدارات وتوزيع الكتب، مع مؤسسات عربية متخصصة في سلطنة عُمان، وفي جمهورية مصر العربية، وفي فلسطين، ويذكر أن عددا من الكتب الصادرة عن الدار نالت جوائز محلية ودولية في مجالات مختلفة.
"الآن ناشرون وموزعون" عضو فاعل في اتحاد الناشرين الأردنيين، وعضو في اتحاد الناشرين العرب.

الثلاثاء، 20 أغسطس 2019

(كتب العالم) "بيتهوفن.. الثائر بلا هوادة" لـ جون كلوب

في عام 1816، رفع الموسيقار الألماني لودفيج فان بيتهوفن (1770 – 1827) دعوى للحصول على حضانة ابن شقيقه الراحل، وحين التبس اسمه على القضاة عُرضت القضية أمام محاكم النبلاء، قبل أن يكتشف الأمر ويحوّل مرّة أخرى إلى محكمة العامّة في ظلّ قانون لم تكن فيه المواطنة متساوية بين الجميع.
لم تشكّل هذه الحادثة سبباً أساسياً في رفض صاحب "السيمفونية التاسعة" للأنظمة الملكية في أوروبا آنذاك نتيجة اضطهادها السياسي والطبقي، بل كان تمردّه أسبق بكثير عبر تأييده للعديد من التيارات الثورية في عصره، وانعزاله في فترة متأخرة من حياته صالونات الطبقة البرجوازية.
"بيتهوفن: الثائر بلا هوادة" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن منشورات "دبليو. دبليو. نورتون آند كومباني" للباحث والمؤرخ الفني جون كلوب، الذي يعود إلى سنوات الشباب الأولى من حياة الموسيقار في مدينته بون حيث طغت الأفكار الراديكالية على حديث المقاهي والجامعات في تلك الفترة.
من الأجواء الليبرالية التي عاشتها بون إلى حدٍ كبير، آنذاك، انتقل صاحب "سوناتا ضوء القمر" إلى مدينة فيينا المحافظة. التي كانت عاصمة إمبراطورية هابسبورغ التي كان حكّامها يمارسون القمع السياسي تجاه معارضيهم ويفرضون رقابة شديدة على جميع سكّانها.
يربط المؤلّف بين موسيقى بيتهوفن وبين إيمانه بالتنوير ومبادئ الثورة الفرنسية وإعجابه بشخصية نابليون بونابرت وصعوده المتسارع في مواجهة الملكيات التي كان مؤمناً بزوالها وبزوغ جمهوريات تحترم مواطنيها على أساس من العدالة، لكن السعي إلى تأمين لقمة العيش حال دون أن يعبّر عن آرائه.
يحلل كلوب أفكار الموسيقار الألماني من أفكاره من خلال موسيقاه، وتحديداً السيمفونية الثالثة (أو سيمفونية البطولة) التي ألفها عام 1803، وتشير العديد من الروايات أنها كانت مخصّصة في البداية لنابليون، وكذلك العمل الأوبرالي الوحيد الذي ألّفه تحت عنوان "فيديليو" عام 1805.
كلا القطعتين تعتبران مؤلّفات ثورية في موضوعها وبنيتها الموسيقية قياساً إلى تلك الفترة، وبحسب العديد من المعطيات وتحليل بعض الحوادث، يخلص الكتاب إلى أن بيتهوفن توازي أفكاره الثورية ما قدّمه كلّ من فريدريك شيلر ويوهان غوته وجورج غوردون بايرون وألفيكونت دوشاتوبريان وفرانشيسكو غويا.


المصدر: العربي الجديد

الثلاثاء، 13 أغسطس 2019

(شمعة "منشورات") عبد الهادي سعدون: بغداد - مدريد، ذهاباً وإياباً

كأن جسوراً قد قُطعت بين الجزيرة الإيبرية والعالم العربي منذ سقوط غرناطة نهاية القرن الخامس عشر. كل طرف التفت إلى اتجاه في التاريخ والجغرافيا واللغة والأدب.
بقي الحال كذلك إلى زمن قريب، مع اكتمال جهاز الترجمة لينقل شيئاً مما يُكتب بالإسبانية إلى العربية، والعكس. من بين أبرز هؤلاء المترجم العراقي عبد الهادي سعدون، فبفضله بات الشعر الإسباني المعاصر، خصوصاً، متاحاً للقارئ العربي. لنذكر له أنه ترجم "الأغاني الغجرية" لـ فيدريكوغارثيا لوركا، ومختارات من شعر بيثنته ألكساندر صدرت بعنوان "الحجر ليس بريشة"، دون أن ننسى "مائة قصيدة وقصيدة من الشعر الإسباني الجديد"، و"رقة ماء يتبدد بين الأصابع - أنطولوجيا شعرية: 66 شاعرة إسبانية معاصرة".
وإذا كان الأدب الإسباني يتميّز بأعمال شعرية جميلة للغاية، فإنه يقترح أيضاً نصوصاً رائعة في السرد، بألعاب تخييلية رائقة وبنى تختلف عما تقترحه الآداب الأخرى. وإذا كان عبد الهادي سعدون المترجم قد ركّز على الشعر، فإنه لم يحرم القارئ العربي من النهل من عيون السرد المكتوب بالإسبانية، بشيء من الترجمة، ولكن خصوصاً حين كتب بنفسه أعمالاً سردية، تلك التي يستطيع قارئها أن يميّز نكهتها الخاصة.
ومن نتاجه السردي نذكر: "اليوم يرتدي بدلة ملطخة بالأحمر" (مجموعة قصصية)، ورواية "مذكرات كلب عراقي". ما أجمل أن نقرأ لكاتب في عيد ميلاده. 

مادة خاصة بمدونة "منشورات"

الاثنين، 12 أغسطس 2019

(شمعة "منشورات") طارق إمام.. عوالم بطعم الابتكار الأدبي

من خلال إضاءة سريعة، تشعل مدونة "منشورات" شمعة لكاتب عربي في يوم عيد ميلاده، عسى أن يشاركه قرّاؤه ومحبّون لحظة في حياته الشخصية كما يشاركونه عوالمه التخييلية



منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، بدأت ملامح جيل أدبي جديد تظهر في الساحة السردية في مصر. أصوات قريبة من أدوات الكتابة الحديثة التي نشأت في الأصل كاستجابة للتعبير عن تحوّلات الواقع وتعقيداته. 
ضمن هذا الإطار، ظهر طارق إمام من خلال جنس القصة القصيرة أولاً؛ "طيور جديدة لم يفسدها الهواء" (1995)، وهو جنس أدبي اختار أن يستمر فيه لفترة قبل أن يخوض التجربة الأوسع مع رواية "شريعة القطة" (2003)، وبعدها راكم الإصدارات، لعلّ أبرزها: "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس" (2012)، و"مدينة الحوائط اللانهائية" (2018)، وقد نالت معظم هذه المؤلفات بجوائز، ولعلّ ما يحسب لطارق إمام يعرف أنه عرف كيف يكون كاتباً متجدداً على الرغم من موقعه كصاحب العديد من الجوائز الأدبية، والتي كثيراً ما كانت سبباً في طمأنينة البعض بالتوقف عن البحث عن أدب مختلف، عن الآخرين.. وعما كتبه بنفسه سابقاً. 
يحتفل اليوم طارق إمام بعيد ميلاده، كما يحتفي بإطلاق رواية جديدة منذ أيام، بعنوان "طعم النوم"، ورغم أنها مولود جديد إلا أنه صوتها عرف كيف يشقّ طريقه بين زحمة الروايات، نسمعه (أو بالأحرى نقرأه) في ردود أفعال إيجابية كثيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن القرّاء الأوائل الذين يدعوننا إلى خوض تجربة العالم التخييلي الذي يقترحه إمام. ولعلّ أفضل ما نقدّمه لكاتب يوم عيد ميلاده أن نقرأه.

مادة خاصة بمدوّنة "منشورات"

(صوت القارئ) عن "تأملات عن الأدب الروسي" لـ فلاديمير ياكوفليفيتش لينكوف - عبدالله عواجي


أحب في البداية أن أنتهز هذه الفرصة في مقدمة المراجعة لتقديم جزيل الشكر و العرفان للمترجمين و عملهم، فمع أن النص هو نص الكاتب و لكن اللغة هي لغة المترجم (أي: العربية). أعمال الترجمة تبقينا على صلة واتصال بآخر النتاجات الثقافية العالمية فهي بذلك مهنة تستحق الإشادة و الدعم.
لماذا اخترت هذا الكتاب؟ السبب في اختياري قراءة "تأملات عن الأدب الروسي"* هو رغبتي في أن ألم بصورة موجزة عما وراء النصوص -بمجرد عن كونها نصوص أدبية / روائية و ما يقف خلفها من خلفية فكرية أدت لظهورها إلى السطح بهذا الشكل وبهذه التركيبة.
لأنّ قراءة الأدب قد تكون أحياناً قراءة عابرة تكتفي بالظاهر من النص الأدبي وتستمتع بالقصة وأحياناً ننتقل لأبعاد أكثر عمقاً فنحلل النص من ناحية لغوية بلاغية ونطيل التأمل في الحبكة  الأبطال والعقدة والحل؛ وتارةً نرغب في التعمق لدراسة الأيديولوجيا الفكرية التي تقف خلف النص وعقلية كاتبه وهذا ما رغبت فيه بالنسبة للأدب الروسي، خصوصاً لكوني لست منغمساً في القراءة الفعلية لهذا الأدب.
يتبع الكتاب منهجية تحليلية تفكيكية و تسلسلاً تاريخياً يبدأ من أقدم الأدباء الروس في القرن التاسع عشر وهو غوغول، و ينتهي بـ بونين، يحلل النصوص الأدبية للكتاب من خلال اقتباس أهم المقتطفات من الروايات التي كتبوها ثم يمزج ذلك بالعقيدة الفكرية التي كان يعتنقها هؤلاء وكيف أثرت على الحبكة الروائية لديهم ونوعية الحوارات وشخصيات الأبطال الرئيسية.
أهم ما يمكن استخلاصه من الكتاب هو تأثر نوعية الأدب بالأوضاع الفكرية والاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك في روسيا وانعكاس لتفكير النخب و العامة. لا يمكن فصل ذلك عن النصوص الأدبية التي ظهرت سواء في "الحرب و السلم" أو "الإخوة كارامازوف" كأهم عملين رئيسيين لتلك الحقبة - عن الحوارات المجتمعية و المخاضات الفكرية العسيرة التي كان يمر بها المجتمع الروسي آنذاك و التي بلا شك شكلت منعطفاً فارقاً بالنسبة للأيديولوجيات التي سيتبناها المفكرون الروس و من بعدهم السياسيون و عامة الناس في القرن اللاحق لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الجغرافي لروسيا وكيف أن متاخمتها لحدود أوروبا الشرقية هي ما عجّل بانتقال الأفكار الأوروبية التي تم تداولها في عصر الأنوار في القرن الثامن عشر و في فلسفة هيغل وغيره من الفلاسفة الرائدين في ذلك العصر.
من ناحية ثانية كان الأدب آنذاك انعكاساً للأوضاع الاجتماعية من حيث الطبقية الموجودة و النظرة الدونية للآخر الأقل في المال والمقام وهذا واضح في مختلف الروايات. على سبيل المثال روايتي"*الفقراء" أو "مذلون مهانون" أو رواية "المغفلة" لتشيخوف. وتعرّض تولستوي في عمله الرئيس "الحرب و السلم" للطبقة الارستقراطية الروسية بشيء من التفصيل. كل ذلك يعكس العقلية المجتمعية الروسية آنذاك التي كانت الطبقية فيها شيئاً واقعياً و متقبلاً وكوضع طبيعي قائم كانت الروايات تشرحه مع بعض التلميحات لعدم صوابيته.
بوشكين الشاعر الفذ المنحدر من أصول أرستقراطية امتلك الشجاعة لينتقد الطبقية في أعماله الشعرية وفي رواياته التي اختار لزيجاته أبطالاً من طبقات غير متساوية كرواية "ابنة الضابط".
يدور أيضاً في المخاض الفكري الروسي العنيف كما يبدو والذي أظهره الأدب التقلبات بين الشك والايمان واليقين واللايقين كنتيجة للتأثر بالأفكار التي هبت من الشرق وهي أفكار عصر الأنوار كما أسلفنا، أفكار التمرد ضد الكنيسة واستبدادها والخروج من عباءتها و طرح السؤال حول حقيقة الإيمان مقابل فلسفة الوجودية / العدمية.
لقد حاول الكتاب الروس في تلك الفترة التصدي بالمعالجة لتلك الأفكار كما فعل ذلك تولستوي ودويستوفسكي اللذان حاولا أن يطعموا قصصهم ببعض الشذرات الدينية أو الأخلاقية. لا ننسى طبعاً أن فكرة أنه ليس بالضرورة أن يكون للأخلاق أساس ديني كانت حاضرة بقوة في تلك الفترة.
من الجيد أن نذكر و نضع هذا الجانب لمزيد من التحليل والتأمل أثر الأدب في سيرورة التاريخ بما يحمله من قوة تأثير على الفكر ومن ثم على السلوك وعلى خط التاريخ. لاحظنا كيف استطاعت الماركسية و الشيوعية التي استفادت كثيراً من العمل الأدبي أن تكون قوة ضاربة غيرت وجه التاريخ. كذلك بالمثل غيرها من الأفكار التي شكلت المخاض الفكري في القرن التاسع عشر.
إن الأفكار المنتصرة ستغير سيرورة التاريخ و سيكون الأدب وقودها في بعض الأحيان كما في حالة المجتمع الروسي.

* نقل هذا الكتاب إلى العربية المترجم العراقي تحسين رزاق عزيز، وقد صدر عن "ابن النديم" و"الروافد الثقافية" ضمن سلسلة "نديم الترجمة"

المصدر: غودريدز
غودريدز

الأحد، 11 أغسطس 2019

(ضيف منشورات) حيدر جمعة العابدي: مرايا للسرد العراقي

بعمليه اللذين صدرا في 2017؛ "الأنساق الواقعية والرمزية في الرواية العراقية ما بعد 2003"و"التمثلات الدلالية في القصة العراقية ما بعد 2003"(منشورات دار الفؤاد)، كأنها وضع الباحث العراقي حيدر جمعة العابدي موسوعة للسرد في عراق العقدين الأخيرين. كان العابدي قد نشر قبل ذلك بحوثاً ودراسات عديدة في مجالات علم  الاجتماع والمسرح والشعر والنقد الأدبي والثقافي، وهو إلى ذلك عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وعضو اتحاد الصحفيين العراقيين، ومسؤول القسم الثقافي في المركز الثقافي العراقي في اليونان. مدوّنة "منشورات" استضافته في هذا الحديث.

* كيف تقدّم انشغالاتك كمؤلف؟
يمكن القول بأن الواقع الثقافي بشقيه المعرفي والجمالي في العالم العربي هو ما يشغلني، ومن وراء ذلك الواقع السياسي لما يشكله من تأثير اجتماعي ونفسي واضح على حياة الشعوب التي تعاني هي الأخرى من تمركزها خلف أنساق ثقافية ماضوية متحجرة أنتجت لنا نخباً سياسية غير قادرة على إنتاج واقع سياسي وثقافي سوي وفاعل لذا بات واقعاً يكتنز بالإشكاليات الثقافية والاجتماعية.

* لو تقدّم عمليك الذين صدر كلاهما في 2017؟
في كتاب "الأنساق الواقعية والرمزية للرواية العراقية ما بعد 2003" بينت أبرز الخصائص الفنية والجمالية والثقافية الجديدة التي ظهرت بها الرواية العراقية ما بعد 2003، وفيه ناقشت 25 عملاً روائياً. أما كتاب "التمثلات الدلالية للقصة العراقية الحديثة ما بعد 2003" فقد تناولت من خلاله 16 مجموعة قصصية حديثة بينت من خلاله التمثلات الدلالية الجديدة وكيفية تشكلها.

* كيف ترى هذين العملين اليوم؟
ربما شعرت في لحظة إصدارهما بالسعادة لكن سرعان ما تبدد هذا الإحساس وانتابني القلق من سؤال معرفي  أساسي في حياة كل كاتب يمتهن الثقافة المعرفية وهو وماذا بعد ذلك؟ لا اعتقد أن الوصول إلى درجة تلرضا مهما حقق العمل من نجاح عامل صحة للكاتب.

* هل تفكّر في كتاب قادم؟ 
غالبا سيكون في إطار البحث والتحليل عن المرجعيات الأدبية الحديثة للرواية العراقية والعربية.  

* هل تعتقد بوجود شخصية ثقافية أثرت فيك؟
هناك شخصيات كبيرة ومهمة أثرت بشكل مباشر على طريقة تصوري للثقافة إضافة إلى كونها شخصية تمكنت من تغيير وتطوير الوعي الإنساني والمعرفي، إنه أبو العلاء المعري. هو أكثر الشخصيات غموضا وأكثرهم حضورا أدبيا ومعرفيا من خلال شعريته التي تمزج الأدب في الفلسفة كما أن إرادة الحياة فيه تتجلى من خلال رؤيته المعرفية التي تخطت ضعفه. أعتبره أيقونة ثقافية لكل العصور. 

* إلى ماذا تتطلع من خلال جهدك الثقافي؟
أن تعي وتفهم كل شعوب العالم أن خلاصها هو هويتها الإنسانية الجامعة العابرة للحدود المادية والاجتماعية وملاذها الأخير من وحشية وأطماع المصالح البشرية الشخصية لذا أحلم بعالم بلا عصبيات عرقية ودينية وهو حلم ليس من الصعب تحقيقه لو علمنا حجم التطور المعرفي الحاصل.    

مادة خاصة بمدونة "منشورات"

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...