الجمعة، 30 أغسطس 2019

(كتب العالم) "ديدرو وفن التفكير الحر" لـ أندرو كيوران

"ديدرو وفن التفكير الحر" عنوان كتاب صدر حديثاً عن "آذر برس" للباحث أندرو كيوران، ومحاولة لكتابة سيرة فكرية موسّعة حول الكاتب الفرنسي الذي كان وراء فكرة إنشاء الموسوعة في القرن السابع عشر وهو مشروع يعتبر أبرز معالم عصر التنوير حيث حاول أن يجمع فيه كل معارف عصره. 
وعلى الرغم من كونه عاصر كلاً من فولتير وروسو، إلا أن ديدرو قد اكتسب توصيف "الفيلسوف الأكثر راديكالية في عصره"، ويعود ذلك لمحورية فكرة العدالة في كتاباته ومناهضته لمختلف أشكال الظلم الاجتماعي، وكان من أوائل من انتقد عدم المساواة في الدخل بين الرجل والمرأة. وقد استعيدت أفكراه بشكل موسّع خلال الثورة الفرنسية وفي القرن العشرين. 


(صوت القارئ) "أنوات": رسائل إلى المشهد الأدبي أيضاً - بثينة غريبي

رواية بمؤلفين، لعلّ ذلك يمثل أول مدخل نلج منه إلى "أنوات" حيث جمعت بين محمد القاضي وآمال مختار وصدرت عن "دار محمد علي للنشر". رواية يمكن أن تكون قطيعة، أو على الأرجح تجاوزاً، مع السائد من العلاقات بين الكتّاب في تونس.
يكون التعاون في حالات التأليف المشترك في بناء العالم التخييلي أو صهراً لأسلوبين بحيث لا نفرّق بين مساهمة هذا المؤلف أو ذاك؛ ولعل أشهر نموذج عن ذلك في الأدب العربي رواية "عالم بلا خرائط" التي جمعت عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا.

لكننا في "أنوات" سنقع على وضعية مختلفة، فالعمل شكلاً ينتمي إلى ما يعرف بالأدب الرسائلي، حيث أن نصوص العمل تأتي في شكل رسائل، غير أنها ليست بين محمد القاضي وآمال مختار، وإنما بين بتول وآدم، فلا نعرف هل نرد ما تقوله الشخصيّتان إلى المؤلفين معاً أم أن كلّ واحد منهما تبنّى شخصية وطوّرها على حدة مفترضا رؤاها وردود أفعالها؟
حين نقتحم العالم التخييلي للعمل لن نجد إجابة شافية على هذا السؤال، بل إننا سنكون أمام متاهات أخرى، فهاهو آدم يفاجئنا حين يوجّه رسائله إلى أنيسا وأليسا وغيرهما، إضافة إلى بتول؛ الاسم والشخصية الرئيسية في العمل.
يقول آدم في رسالة موجهة لجميع هاته الأسماء: "أتعلمين أيتها العزيزة أنني لا أملك أن أميز بينكن إلا في حالة صحوي وما أقلها... وما الفرق بينكن في الحقيقة؟ أليس الانسان في جوهره واحدا؟ ألم تشعري مرة بأنك لست أنت؟ وأنك عشت أكثر من حياة؟ وان أشياء تولد فيك وتموت في كل لحظة؟".
فتأتي الاجابة: "أنت من أنت؟ هل أنت ما تعتقد أنه أنت من روح وكيان وجسد ومشاعر وأحاسيس أم أنت الصورة التي رسمها لك الاخرون من حولك بل قل هل أنت الصور التي رسمها كل من يراك في ذهنه وفق مخياله ومرجعياته الثقافية والاجتماعية؟".
هكذا تتحوّل الرسائل إلى أسئلة، ربما اتفق المؤلفان على تضمينها في سبيل النهوض ببعد فكري للعمل، خصوصاً وأن شكل الرسالة طالما كان مطواعاً للجدل الفكري، وهو أفق يبدو منسياً في الأدب عرف كيف يطرقه محمد القاضي وآمال مختار باقتدار.
يبقى أن هذا اللقاء يبدو غير متوقع بين المؤلفين، على الأقل في مشهد الكتابة التونسية، فقد انهمك محمد القاضي في معظم مسيرته بالترجمة والكتابات النظرية حول الأدب، وهي حقول لم تلجها آمال مختار حيث نشرت أعمالاً تخييلية بين الرواية والقصة. ألا يمثل ذلك حدثاً في حدّ ذاته؟


مادة خاصة بمدونة "منشورات"

(ناشر في الضوء) صفاء ذياب: "شهريار" والبلاغة الجديدة للكتاب

على الرغم من كونهم شركاء في إنجاز كل عمل إبداعي، إلا أن الناشرين كانوا دائما بعيداً عن بقعة الضوء التي يجلس فيها المؤلف وحده عادة. مدونة "منشورات" تدعوهم لحديث في الضوء


كيف أصبحت ناشراً؟
لم يأتِ النشر اعتباطاً بالنسبة لي، فقد اشتغلت بالكتاب لأكثر من عشرين عاماً قبل أن أبدأ بالعمل بدور النشر أولاً، ومن ثمَّ افتتحت دار شهريار. بدءاً أنا قارئ، لم يكن الكتاب مجرّد تسليةً لي، بل كان موقفاً من الحياة ومن الواقع، منذ أواخر الدراسة الابتدائية هيّأت جوّاً خاصاً للقراءة، على الرغم من العمل الذي كان يأخذ جُلَّ وقتي، غير أني لم أجد فرصة تسمح لي بالقراءة إلا واستثمرتها. هذه القراءة دفعتني في أيام الدراسة الجامعية للعمل في الكتب، فكان عملي في الشارع الأشهر لبيع الكتب والنشاطات الثقافية وهو شارع المتنبي في بغداد، كان ذلك في تسعينيات القرن الماضي، حيث أن التعامل بالكتب لم يكن بالأمر السهل، للأوضاع الاقتصادية أولاً، والأمنية ثانياً، غير أنني حينها لم أكن أعرف غير الكتاب وكيفية التعامل معه، فكوّنت عالماً خاصاً للعمل في هذا الشارع، ليستمر هذا العمل أكثر من عشر سنوات كانت ذروة التعلّم في فهم كل كتاب من جانب، وفهم القرّاء وكيفية إرشادهم للكتب الأفضل من وجهات نظر مختلفة. عشر سنوات لم تكن كافية للخبرة في الإعلان عن دار نشر، غير أن عملي في الصحافة الثقافية لسنوات طويلة، فضلاً عن عملي في دور نشر أخرى، ابتداءً من مجلة مسارات التي أسستها في العام 2005، ومن ثمَّ في دور بسيطة، وصولاً إلى دار وراقون، أهّلني للبدء بمشروع دار شهريار.
 


هل تعتبر أن النشر مهنة مُهدَّدة؟

في حوار مع أحد أصحاب دور النشر العربية، قال لي: أنت بدأت النشر الفعلي مع شروع الكثير من دور النشر الكبرى بالإغلاق.. هذه الجملة ما زالت ترنّ في أذني لأني كل شيء ثقافي مهدد في عالمنا العربي، لا سيما إذا نظرنا إلى الفارق بين دور النشر الجادّة ووضعها المادي من جهة، وبين نوعين آخرين من دور النشر: الدور الدينية، وتحديداً السلفية، والدور التجارية، التي أغلبها متمركز في الخليج ومصر.
فإذا زرنا أي معرض للكتاب، فإن قراءنا يشترون كتبنا بأكياس صغيرة، ربما لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة في كل يوم، في حين نرى أن الدور السلفية لا تبيع بالأكياس أو بالكراتين حتّى، بل تقف شاحنات كبيرة لتأخذ طبعات عدّة من كل كتاب.
الأمر نفسه مع الدور التجارية، فإذا التفتنا إلى كتب لا قيمة لها، ولا تمت للثقافة بصلة، مثل كتب علي نجم، أو أثير النشمي، أو غيرها، سنجد أن أقل كتاب سيصل إلى الطبعة العاشرة.. فضلاً عن التزوير الذي تتجاوز طبعاته العشرين أو الثلاثين.
وهذا ما يجعلنا نتساءل: ما الذي يحدث؟ هل وصل الأمر بالعقل العربي وقرائه إلى الحد الذي لا يلتفت فيه إلى إصدارات مهمة مثل طرابيشي أو طيب تيزيني أو نجيب محفوظ أو محمد خضير أو محمود درويش وغيرهم الكثير.. ويذهب راكضاً إلى كتب لا قيمة لها، لا فنياً ولا لغوياً ولا فكرياً.. وكأن الأمر مقصود تماماً في خطّة واضحة المعالم لتدمير العقل العربي.
نعم النشر العربي مهنة مهدّدة إذا لم نلتفت لها جيداً ونتعاون في نشر الكتب الجيدة التي يمكن أن تعيد بناء عقولنا.



ما الخصوصية التي ترى أنها تميّز "شهريار" ضمن المشهد العربي؟
- منذ بداية فكرة تأسيس الدار، لم أكن منافساً لأية دار أخرى، بل كان الهدف الرئيس بناء دار ذات توجّه جديد تحتفي بالكتب المعنية بالحداثة وما بعدها، وكسر التقليدية، ومن ثمَّ تبنّي الأساليب الجديدة في الإبداع العربي والغربي في الوقت نفسه. لهذا بدأنا بمشاريع كثير منها سلسلة تحليل الخطاب والبلاغة الجديدة، إذا أصدرنا أربعة كتب حتى الآن، منها (بلاغة الخطاب) و(البلاغة الثائرة)، فضلاً عن مشروع مؤسس مصطلح ما بعد الحداثة إيهاب حسن، إذ أصدرنا حتى الآن أربعة كتب له، والكتاب الخامس تحت العمل. وهكذا استطعنا وضع الدار في مسارها الذي رسمناه من البداية.
أما ما يميز دارنا، فهذا ما يمكن أن يحدّده القارئ نفسه، غير أننا ابتعدنا عموماً عن الكتب التجارية، ومن ثمَّ عن الكتب الإبداعية ذات التوجّهات التقليدية، مثل الشعر العمودي، أو الرواية التي لا يملك أي جديد على مستوى البناء والموضوع.



كيف تختار المؤلفين؟ وهل توجد فئة منهم تفضّل عدم التعامل معها؟
لا يكمن الاختيار في المؤلفين بقدر أهمية الموضوعات، نعم هناك بالضرورة بعض الأسماء التي نسعى لاستقطابها، غير أن الموضوع وما يوافق خط الدار والتناول الجيد، هو ما يدفع الدار لتبني أي مشروع. لهذا نشرنا كتباً لمؤلفين غير معروفين، لكن نتاجهم مهم جداً، فضلاً عن إصدار أول لمؤلفين كانوا بارعين في تناول موضوعاتهم وطرائق إنتاجهم لها.



ماذا تشعر حين يقرصن كتاب أصدرته الدار؟القرصنة بكل الأحوال سرقة، إن كانت سرقة حقوق أو سرقة أموال الناشر أو سرقة جهد المؤلّف، حينما يقوم أي مقرصن بسرقة الكتاب، إذ كان بنشره بصيغة إلكترونية أو عن طريق استنساخ الكتاب، فإنه يهدّد الدار بالتوقّف، لأنه بهذه الحالة يبيع الكتاب بثمن بخس بعيداً عن قيمته أولاً، وعن التكاليف التي تصرفها دار النشر ثانياً، فهو غير معني بحقوق المؤلف، ولا بالتصميم، ولا بالطباعة، ولا بالتوزيع، لهذا هو اختصر كل هذه المراحل والتكاليف المادية بنسخة واحدة يزوّرها، وهذا يهدد الدار نفسه، لأنها قد لا تبيع الكتاب فيما بعد، وبالتالي، ستعلن إفلاسها، وحينها لن يجد هذا المقرصن ما يسرقه مرّة أخرى.


ما نوع الكتب التي تقرأها بعيداً عن العمل؟
أنا معني بالجانب الثقافي عموماً، غير أني كوني شاعراً صدرت له أكثر من ست مجموعات شعرية، أهتم بالدراسات التي تبحث في الاختلاف، وطرائق إنتاج النص الجديد أولاً. وثانياً لي جانب أكاديمي أحب أن أستمر به، فموضوعي في الماجستير والدكتوراه هو الأدب الشعبي، وتحديداً السيرة الشعبية، لذا أسعى لقراءة كل ما هو جديد في هذه الموضوعات. وبالتأكيد هذا لا ينفي عدم وجود قراءات في الرواية أو الدراسات الفكرية عموماً.



مادة خاصة بمدونة "منشورات"

الثلاثاء، 27 أغسطس 2019

(ضيف منشورات) خليل قويعة: التّفكير في ممكنات اللغة التّشكيليّة

1- في كتاب "العمل الفنّي وتحوّلاته بين النّظر والنّظريّة" تهتمّ بمسألة التّلقي في الفنون البصريّة، ما الذي قادك إلى هذا الإنشغال؟
لم يقدني أحد، أنا من قدت نفسي بعد تدبير فهم ملائم للفن انطلاقا من تجربتي الفنيّة وقراءاتي الفلسفيّة، كما لم أقد أحدا وأحاول أن أكون قائد أفكاري... ومثلما تعلمين، ليس الفن مجرّد صناعة للوحات أو منحوتات أو خزفيّات... بل هو فكر متنام داخل معترك ثقافي يقوم على مراكمة المواقف والرّؤى ومواصلة مسار الإنشاء من المبدع إلى فاعلين أخر داخل المعرض أو المتحف أو الوسائط المتعدّدة. فلا يقتصر الأمر على الإبصار الحسّي والنّظرٍ "إلى" الأشياء الجميلة، بل أكثر من ذلك، يشمل النّظر "في" الأشياء، أي إعمال الفكر. إذ الإدراك نفسه مجموع ما هو حسّي وما هو ذهني. وهكذا، يتسع المجال في الفنّ إلى تنشيط عمليّات النّظر الإبصاري والذّهني ومختلف الأنشطة المعرفيّة التي تستحثها القراءة والتّأويل والنّقد والتّنظير.

ناهيك وأنّ الناقد هو من يؤسّس المعنى في الأثر وهو من بفضله يستمرّ العمل الفنّي في شكل أفكار ومواقف، في الفنّ المعاصر خاصّة، لا يقتصر على لحظة جماليّة سلبيّة خاطفة أو عابرة، بل يتّسع إلى تبيّن دلالات الإثارة والسّخرية والفضح والتّحسيس... على قاعدة قيم السّلم والحريّة، كما في الفنّ الملتزم، والقضايا الإيكولوجيّة، في فنّ الأرض والفن البيئي... وهو ما يمكّن الفنّ من تجاوز قيمة الجميل بحثا عن الإثارة من خلال تشويه صورة العالم وتقبيح صورته... وقد نشرت سنة 1989 نصّا حول جماليّة القبيح في الفنّ الحديث والمعاصر، بطلب من مجلّة "الحياة التشكيليّة" السّوريّة وقتها وكان يرأس تحريرها الأستاذ طارق شريف. إذ لا ريب، لزاما علينا أن ننخرط في هذه التّحوّلات المفهوميّة وربّما نتفاوض معها على الأقلّ، تلك التي أفرزتها الحداثة وألقت بضفافها على ثقافة التّلقّي. فنظريّة الفنّ في الحداثة وما بعدها لم تعد نظريّة للجميل، كما في القرون الوسطى أو فجر النّهضة الأوروبيّة. كما أنّ العمل الفنّي لم يعد "جميلا" بالضّرورة. إذ "الجمال خاصيّة أنطولوجيّة للعالم الطّبيعي"، بينما الفنّ منذ غوتة مرورا بهيغل أصبح أعقد وأسمى من المواضيع الطبيعيّة، بما هو نشاط للفكر وإحدى تجلّيات الرّوح المبدِع في التّاريخ. إنّ من ابجديّات الحداثة التفريق بين الجمال الفنّي (الإنساني) وبين الجمال الطّبيعي.
لقد أصبح على الشغل النّظري المتعلّق بالفنون أن يغيّر متّجهاته ويباحث في الأعمال الفنيّة مدى قدرتها على خلق القيم الجديدة وربط العمل الفنّي بالمعرفة حتى لا يكون مجرّد إحساس فرديّ معزول (Solipsisme) يدّعي الكونيّة على شاكلة ما يحدّد اليوم أزمة الفنّ في العالم العربي، حيث لم تخرج الحداثة بعدُ من هاجس الفرد وعبقريّته لتصبح سيرورة اجتماعيّة بين الذات و"الآخر". فالتلقي اعتراف بهذا الآخر المشارك في تأسيس مسارات الفعل الإبداعي وانفتاحها. ومثل هذا الرّهان يتطلّب إعادة النّظر في دور النّظر داخل المسار الإبداعي وكيف أنّه يضمن مواصلة عمليّة الإنشاء ما بين النّظر والنّظريّة. وفعلا، لا يمكن الحديث عن عمل فنّي ما لم يُعرَض داخل الدّورة الثقافيّة ويَعبُرَ المشهد العام للسّيرورة الإجتماعيّة من خلال النّصوص، أي ما لم يقع تلقّيه من قِبل مشاهد، ناظر، جمهور ثمّ قاري ومؤوّل وناقد ومنظّر. بل إنّ هذا الرّهان يلقي بضفافه حتى في مبادلات سوق الفنّ، حيث تقع ترجمة القيمة الجماليّة إلى قيمة مصرفيّة بالاستناد خاصّة إلى موقع العمل في "عالم الفنّ" الذي يحرّكه عديد الفاعلين في شكل أفراد وجماعات ومؤسّسات. إنّ المتلقّي، النّاظر، هو من يصنع العمل الفنّي، كما قال رائد الطلائعيّة مارسيل دوشمب. وسنة 1994، كنت قد تحدّثت مع هانز روبرت ياوس، كبير جامعة كونستونس الألمانيّة، في هذه المسألة وفي بعث مشروع حول جماليّة للتلقي منكبّة على الفنون التشكيليّة البصريّة. قال لي بالحرف الواحد هذا ما ينقصنا في كونستونس حيث كرّسنا عقودا من الزمن في دراسة تلقّي الأعمال الأدبيّة لدى غوتة وفيكتور هيغو... واقترحَ عليّ التّعاون مع أحد أفراد الجيل الجديد لكونستانس وهو ولفغانغ كمب الذي كانت له وقتئذ نيّة التّخصّص في هذا المجال.
يعود اهتمامي هذا إلى أنّنا كلّما تحدّثنا عن الأعمال الفنيّة لا نذكر سوى أصحابها من الفنّانين ونتناسى دور المتلقّي الذي يعدّ باعثا انطولوجيّا جديدا للأثر ولاعبا أساسيّا في "عالم الفنّ"... بل وكلّ فعل تواصلي وسيميولوجي من خلال الفنّ لا ينشط إلاّ بوجود أربعة مقوّمات وهي الفنان، العمل الفنّي، المتلقّي والفضاء الثقافي الذي يجمعها. وما يزال الفضاء الثقافي في ربوعنا أعرج، أحاديّ الإشتغال، يفتقد إلى دور المتلقّي في الفنون البصريّة وذلك نظرا لغلبة المفهوم الطّربي للإبداع الذي يرضي النّاسَ ويكرّس السّائد (L’art d’agrément) على حساب البعد التّأمّلي والتّفكّري. وهو ما انعكس على سياساتنا الثقافيّة عامّة التي همّشت المتلقّي وأبناءه الشرعيّين من قارئين ومؤوّلين ونقّاد ومنظّرين، لصالح نجوميّة المبدعين الأصليّين والفنّانين وخاصّة ممّن يُعتبرون صنّاع المتعة الجماليّة.
هذه الفجوة في الفضاء الثقافي بتونس والعالم العربي، كنت قد لاحظتها منذ معرضي الأوّل سنة 1983 ومعرضي الثاني سنة 1987، حيث وجدت مُجاملين ظاهرين ومناوئين متخفّين ولكن لم أجد "جمهورا" فاعلا. وقد طرحت هذا الموقف قُبيل تأسيس مهرجان المحرس للفنون التشكيليّة في الجَرَائِدِ سنة 1988 وأثناء لقاءات تأسيسه بدار الثقافة ابن خلدون بتونس ضمن برامج اتحاد الفنانين التشكيليّين. بل وسنة 1997، اقترحتُ على التلفزيون التّونسي سلسلة دامت خمس سنوات، من الحصص التي تتّجه إلى الأعمال الفنيّة وتحث النّاس على الإلتفات إلى الأعمال الفنيّة والنّظر إليها وفيها (طبقا للمنهجيّة التي عرضتُها على ياوس) وقد استثمرت ممكنات اللّغة السينمائيّة في تفصيل الصّورة الفنيّة وإعادة إنتاجها... بعد ذلك دُعيت من قٍبل الدّكتور محمد حمدان لتدريس قراءة الأعمال الفنيّة في برامج طلبة الصّحافة بالأقسام النّهائيّة، في إحدى الجامعات، وفي نفس الوقت كنت أقدّم التّجارب الإبداعيّة التونسيّة والعربيّة... بمجلّة "الحياة الثقافيّة" وجريدتي "لابراس" و"الصّباح" ثمّ دعتي الأستاذة عواطف بن حميدة مديرة الإذاعة الوطنيّة وقتذاك لإعداد برامج في هذا الشأن يحث الشباب على الذهاب إلى المعارض الفنيّة ويقدّم مفاهيم الفن الحديث والمعاصر ويتحاور مع الفنانين وأصحاب الكتابات والبحوث حول الفنون ومع النّاس... وسنة 2003 قال لي بعض طلبة السّنة الرّابعة في حفل تخرّجهم من المعهد العالي للفنون الجميلة بنابل أنهم جاؤوا إلى الفنون من خلال متابعتهم لهذه البرامج ! عندها شعرت أن مهمّتي ما تزال طويلة، حيث (وإن استنتجت شيئا ذات معنى) كانت النّتيجة تكوين فنّانين وأساتذة عوضا عن تكوين "جمهور" !!! لكنّ ذلك شجّعني على مزيد مراكمة الجهود في المجال.
تلاحظين إذن أنّ منطلقات المسألة ليست أكاديميّة خالصة بل ثقافيّة وإعلاميّة، ميدانيّة... تراهن على التلقّي الجمالي كضمانة لتحوّل العمل الفنّي من المرسم أو الورشة إلى الفضاء الثقافي العام ثمّ اكتساح الفضاء الإعلامي، ليصبح مساهما في صياغة الضّمير الثقافي للمجتمع وجزءا من حياة النّاس، وهذا ما نطمح إليه، حتّى لا يكون الفنّ مجرّد ترف في الصّالونات المغلقة.



2- تحضر الفلسفة بقوّة، لماذا تعتمد هذا المنطلق بالذّات في مقاربة الفنّ؟
بالعكس، أنا أنطلق من الفنّ إلى الفلسفة وليس العكس. رغم أنّ المسألة يمكن أن تكون فلسفيّة خالصة بطبيعتها. ولا ريب، عندما يتحوّل النّظر إلى إنشائيّة فكريّة، قصديّة وسيميائيّة (إذا ما استعرنا لغة جون ماري شافار)، باتّجاه صياغة "رؤية" نقديّة، لا بدّ من معاشرة أجهزة المَفهَمَة والتّجريد. وهو ما يتطلّب اطلاعا على الأجهزة المفاهيميّة الفلسفيّة في النّظريّة الجماليّة والفينومينولوجيّة ونظريّات الفلسفة التّحليليّة الأنغلوسكسونيّة التي تشتغل على تحليل اللّغة، كبنية منطقيّة. لا يكفي أن ننظر إلى العمل الفنّي من خلال ألوانه وخطوطه وعلاماته التشكيليّة والأيقونيّة وطرائق بنائه فقط، فتلك حدود المقاربة التقنيّة داخل الورشة وذلك لا يكفي. إذ على النّاقد أن يستفيد من الفلسفة بما هي مؤسّسة للتّجريد والنّقد والمفهمة، حيث الانتقال من النّظر الفيزيائي تارة، ومن التّماس الانطباعي تارة أخرى، إلى النّظر من داخل المتن اللّغوي نفسه الذي يُمنطِق العالم المدرَك ويساعدك على تشكيل العمل االفنّي داخل كيان النّصّ (فالنّقد الفنّي ماهيّة نصيّة) بما هو متكوّن من وحدات منطقيّة بعضها يؤدّي إلى بعض...
وكنت لهذا الغرض قد درست الفلسفة ثمّ فلسفة الفنّ والجماليّات، بما هي تفكير فلسفيّ في الفنّ. وبعد الأستاذيّة اتّجهت إلى المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس للتّخصّص في نظريّات الفنّ. فالفنّ قبل الفلسفة (على عكس بيان جوزيف كوسيث) ولا نظريّة للفنّ دون فلسفة، فدونها سيكون نظرنا إلى الأعمال الفنيّة سطحيّا لا يُنتج معرفة. إذ الفنّ اليوم، خطاب معرفيّ بالأساس وليس فقط حالة انطباعيّة. إنّه موقف من العالم وطريقة لإعادة ترتيب الاشياء.
ولا ريب، كما أكّد آرثر دانتو، أحد فلاسفة الفن المعاصر، إنّ التّحوّلات الأخيرة التي شهدها الفنّ في النّصف الثاني من القرن العشرين قد نشأت من داخل الإعداد الفلسفي لطبيعته المخصوصة، بما هو يتميّز عن مجموع المواضيع والأغراض التي تحيط بنا في الواقع الحسّي والتي لا تستدعي تأويلا. وفي مثال آخر، نفهم ما قصده أحد روّاد الفنّ المفاهيمي وهو جوزيف كوسيث في بيانه الموسوم بـ "الفنّ بعد الفلسفة" (Art after philosophy)، حيث أنّ ما ننظر إليه في الفن المعاصر وخاصّة المفاهيمي من أغراض وإنشاءات ماديّة معروضة أمام الإدراك الفيزيائي المباشر، ليس تمامًا ما يحدّد وجود العمل الفنّي. فما يوجد أمامنا ليس بعمل فنّي، بل العمل يوجد في الذّهن أو ما أسمّيه بالأفهوم أي في الأنا- أفهم، وليس في ما يُعرض أمامنا من أشياء نراها ونلمسها...
ومن جانب آخر، نحن اليوم نعيش مفارقة تراجيديّة، ترانا نلهف للإنخراط في الثقافة الفنيّة والجماليّة والإنشائيّة أملا في أن نحتلّ موطئ قدم في هذا العالم المتحرّك، ولكن ليس لدينا جهاز مفاهيميّ ملائم للمرحلة التّاريخيّة التي نعيش، ولا حتى جهاز اصطلاحيّ يخصّنا. فنحن نتعامل مع تجاربنا الفنيّة من خلال المفهوم الغربي للفنّ الذي صاغه فلاسفة الحداثة منذ بروز الذّاتيّة والتّذاوت أو التبادل بين الذّوات ومفهوم الجميل لا من حيث هو طبيعي بل كقيمة إنسانيّة نسبيّة مستقلّة، ومن ذلك أيضا مفهوم المعرض والمتحف. ففي تراثنا العربي الإسلامي ليس ثمّة "أعمال فنيّة" وقع إنتاجها من أجل العرض الفنيّ. بل هناك أغراض وأشياء ذات وظائف استعماليّة ونفعيّة... هناك خطوط لتدوين النّصوص وأواني ومزهريّات ودروع وزرابي ورقوش ونقوش لإكساء الجدران وتزويقها وهي صناعات حرفيّة في المعمار والأثاث... لا بدّ من الاشتغال الفلسفي والنّقدي على هذه المآزق الإشكاليّة.



3- هل استفدت من كونك فنّانا تشكيليّا لإنجاز هذا الكتاب النّظري؟
طبعا، فالكتاب ورقة عمل نابعة من التّفكير في ممكنات اللّغة التّشكيليّة كما مارستها وفي ما تهديه للفنّان والنّاقد والجمهور من إحالات على أوجه مختلفة من التّفكير في قيمة الحياة. ولا فنّ ينشط خارج التّجربة ومنطق الممارسة، حسّيّا ووجدانيّا وفكريّا. ومن ثمّة، يتوجّب على نظريّة الفنّ أن تنكبّ على دراسة روافد هذه التّجربة الإبداعيّة وهي تعيش اللّحظة الحيّة وتستشرف آفاقها. وكتشكيليّ ممارس، استفدت من الفنّ في إعداد الكتاب من خلال ثلاثة أفعال: أ- كيف أنظر وأفعل تشكيليّا في ما أنظر إليه؟ ب- كيف أعرض أعمالي أمام جمهور في فضاء ثقافي؟ ج- كيف أسترجع مسار الإنشاء الفنّي عبر المقاربة الإنشائيّة؟
فاللّحظة الأولى إبداعيّة والثانية تواصليّة تفاعليّة (أي جماليّة تراهن على الإثارة الحسيّة) أمّا اللّحظة الثالثة فهي إنشائيّة، تُواصل مسار الإبداع من خلال الفكر. لكنّ هذا المسار ليس حكرا على الفنّان بل يدعو إليه فاعلين أخَر داخل فضاء ثقافي موسّع يحثّ على مشاركة أطراف أخرى في هذه اللّعبة الإنشائيّة من نقّاد ومنظّرين وهو مجال انتقالي من الإنشائيّة الفرنسيّة (روناي باسّرون ورفاقه) إلى إنشائيّة أخرى تشاركيّة تستفيد من فنون العرض والافتعال الفنّي (Les artefacts) ويمكن أن نجدها مجسّدة في جماعة الفلسفة التّحليليّة الأمريكيّة (نالسون غودمان مثلا) وهي لحظة أنطولوجيّة. إذ المقاربات التّحليليّة التي ساعدتني في تحويل النّظر إلى نظريّة، قد أسهمت في صياغة "عالم الفن" الذي يتنفّس فيه الأثر ويعيش، بل هي تقدّم نفسها كشرط لوجوديّة العمل الفنّي نفسه في التّاريخ الثقافي.



4- كيف ترى واقع الكتابات الفكريّة حول الفنون البصريّة في العالم العربي؟
هناك نقّاد وهناك تجارب عديدة رافقت جيل التّأسيس والرّيادة منذ بداية القرن العشرين، بُعيد الثلاثينات خاصّة... ولكنّ النّقاد العرب لم يحظوا بعد بالمنزلة الملائمة.  بل وقد وقع تهميشهم وإقصاؤهم على نحو ما وقع سنوات السّتينات بتونس مع جيل التّحديث، حيث كان الفنّانون المتنفّذون في السّياسة الثقافيّة ينزعجون من النّقاد ولا يعترفون سوى بالصّحفيّين الموثقين و"الخلوقين" للتّعريف بإنتاجاتهم والدّعاية لبرامجهم الجماليّة (النّوستالجيّة ذات العلاقة بالفولكلور وما ترغب عين السّائح الأجنبي في رؤيته)... وهذا في عديد البلدان العربيّة أيضا وقد أوضحته في كتابيَّ "تشكيل الرّؤية" وكذلك "عمارة الرّؤية" (2007) و"بنية الذّائقة وسُلطة النّموذج" (2013) الذي حصل على جائزة من الشارقة في البحث النّقدي وقد أكّدت فيه أنّ النّاقد (الذي يفترض أن يؤسّس لقيم سوق الفنّ ويوجّه مساراته) ما يزال مهمّشا. ولئن أكّدت في "العمل الفنّي وتحوّلاته..." أهمية النّظر في إنشائيّة العمل الفنّي... إلاّ أنّني ساع إلى تعميق المسألة بالعودة إلى تاريخ الفنّ في ربوعنا، ضمن كتاب آخر حول إنشائيّة التّلقي نفسه وتحوّلات قاموس العلامات التشكيليّة...



5- ما الذي ينقص الفكر الجمالي العربي اليوم وأيّ أفق لتطويره؟
لا يخفى عليك أنّ المتلقّي مهضوم الحقّ في الفضاء الثقافي العربي ومن ذلك تتناسل مكوّنات أزمة الفنّ وترويجه، خصوصا ونحن نحتاج اليوم إلى تعميم ثقافة التلقي الجمالي، بداية من برامج التّربية، ونشر الثقافة النقديّة لمواجهة هذا الزّحف العولمي الذي طال مختلف ربوع العالم العربي، حيث تأتينا الأعمال الفنيّة المصنّعة في شكل ثقافة معلّبة من أقاصي الشرق والغرب ومن إفريقيا معوّقة تجذير الذّائقة الفنيّة وتطوّرها الطبيعي والتّاريخي... وهي حالة من الاغتراب فعلا، تشجّع عليه سياسة السّلعنة وتبضيع الفكر الجمالي وكذلك تضبيع العقل الثقافي.
وسنة 2006 دعانا الأستاذ طلال معلاّ إلى تكوين الرّابطة العربيّة لنقّاد الفنّ، ولكن سرعان ما وقع إجهاض المشروع. إذ الواقع العربي لم يتحمّل بعدُ منبرا دوريّا وقارّا للخطاب النقدي. فمازلنا نتحدّث عن الفنّ فنسرد أوصاف الفنّانين وسيرتهم، باحثين عن أسطرة ممكنة تبتلع موقع المتلقي والنّاقد والمنظّر وتعدمه. كما أنّ هذا الواقع ما يزال مورّطا في ثقافة الفنّان الفرد على حساب الجماليّة التّفاعليّة المتعلّقة بتشريك الجمهور.
ولكن، هناك مبادرات لإصدار الكتاب النّقدي بروح نضاليّة وهاجس وطنيّ لدى بعض النّاشرين وهناك بحوث جامعيّة وإن، بعدُ، لم تتغلغل كمستند للرّؤية في السّياسة الثقافيّة وبقيت مشدودة إلى المجال الأكاديمي، وذلك في أحسن الأحوال لا محالة. إذ المعترك الثقافي والفنّي العربي ما زال لم يستوعب بعد النّقاد العارفين وكثيرا ما يقع تعويضهم في هيئات الإعلام ولجان التّنظيمات الثقافيّة ببعض الدُّمَى أو بأطراف أخرى من خارج الممارسة الفنيّة والنّقديّة... النّاقد، المنتج والمفكّر لم يجد حظّه بعدُ والحال أنّه طرف في حداثة الفنّ في العالم وما بعد الحداثة. وهو مردّ سيطرة المفاهيم البالية للفنّ في عالمنا العربي، حيث تعتمد البرامج الثقافيّة على مفاهيم للفنّ غير ملائمة، مرتبطة بالكمالي والتّكميلي والتجميلي والزّينة... والنّتيجة، مقاربات تربط الفنّ بالتّنشيطي والتّرفيهي والمهرجاني العابر على حساب مفهوم الإبداع.
على أنّ من شأن النّهوض بالكتابات الفنيّة أن يتدارك هذه المآزق التي تمرّ بها الثقافة الجماليّة في العالم العربي في ظلّ الاستهلاك العولمي... ولنا أن نثمّن بعض المبادرات التي تقوم بها الهياكل والجمعيّات والجامعات في بعض البلاد العربيّة مشرقا ومغربا، من خلال تنظيم النّدوات المتعلّقة بالفنون وتحاول أن تطرح قيم الإبداعيّة والهويّة والتّأسيس على ضوء تحوّلات الرّاهن التّاريخي الكبير وما مدى موقع الفنّان العربي داخل الخارطة الدّوليّة... على نحو ما كنّا نتصوّره منذ سنوات ببيت الحكمة بقرطاج، أو برامج الجمعيّات التي أسّسنا ونشتغل فيها. كما يجب أن نحيّي بعض النشرات الجامعيّة والمجلاّت العربيّة المختصّة التي يسهم فيها النّاقد العربي. وها نحن، على سبيل المثال، في مجلّة فنون (التي أسّسها الكاتب البشير بن سلامة سنة 1983 وقد نجحنا في إرجاعها سنة 2012) نحاول جميعا النّهوض بالأصوات النّقديّة وترويج الثقافة الجماليّة (التّفاعليّة) فضلا عن الثقافة الفنيّة التي تقوم على إبراز إبداعيّة الأعمال الفنيّة. والأمثلة موجودة الآن في العالم العربي، رغم قلّتها، في المغرب أيضا والأردن والعراق وسوريا ومصر وبيروت والخليج العربي طبعا، الشّارقة والدّوحة ومسقط والكويت... فضلا عمّا يوجد بالمهجر من مبادرات.


مادة خاصة بمدونة "منشورات"/ أجرت الحوار: بثينة غريبي

(متساكن جديد في مدينة الكتب) "أطروحة للحياة" لـ بوران شريعتي رضوي

يصدر قريباً عن دار "الانتشار العربي" في بيروت كتاب "أطروحة للحياة" لمؤلفته بوران شريعتي رضوي (1934-2019)؛ زوجة المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي، وهو من ترجمة خليل العصامي.
نشرت رضوي الكتاب رداً على الهجوم الذي شنته صحيفة "15 خرداد" والتي اتهمت علي شريعتي بالعمالة وتحدّثت فيه الكاتبة عن محنة زوجها ومسألة الحريات عموماً.
كانت حياة بوران حافلة بالنشاط السياسي والثقافي والاجتماعي، وإلى جانب هذه الأبعاد تتناول الكاتبة شؤون الحياة اليومية مثل مهمات الأمومة وحماية أبنائها عن دوامات السياسة.



المصدر: العربي الجديد

السبت، 24 أغسطس 2019

(شمعة منشورات) أم الزين بن شيخة: الفلسفة في اكتشاف الجمال


لعلها من بين أبرز المتخصّصات عربياً في فكر الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط حيث طوّعت جهازه المفاهيمي في قراءة الفن العربي الحديث. إنها الباحثة والكاتبة التونسية أم الزين بن شيخة المسكيني، والتي لم تتقيّد باختصاصها الفلسفي بل انفتحت على كتابة المقال (الثورة البيضاء وهنا تُباع الشعوب خلسة.. مقالات في التهكّم الأسود، مع الفيلسوف فتحي المسكيني) والشعر (اضحك أيّها الدهر الشرقي) والرواية (جرحى السماء، 2012 - لن تُجنّ وحيدا هذا اليوم، 2014).
قبل ذلك لا بدّ أن نعدّ كتابات فلسفية أساسية في الفكر الجمالي العربي مثل "الفنّ يخرج عن طوره" 2011، و"تحرير المحسوس" (2014) و"الفن في زمن الإرهاب" (2016). ولها أيضاً كتاب "كانط والحداثة الدينيّة، 2015 والذي سبق وأن صدر قبل ذلك بعنوان "كانط راهنا أو الإنسان في حدود مجرد العقل".
حازت على تكريمات عدة، آخرها من "مؤسسة ابن رشد للفكر الحر في ألمانيا، ولها مساهمات عدة في الحياة المدنية والإعلامية في تونس. في عيد ميلادها، تتنمى لها "منشورات" مزيداً من التألق والإبداع الفكري والأدبي.





مادة خاصة بالمدونة



الجمعة، 23 أغسطس 2019

(ناشر في الضوء) جعفر العقيلي: أكثر من تلقّي المخطوطات وطباعتها

على الرغم من كونهم شركاء في إنجاز كل عمل إبداعي، إلا أن الناشرين كانوا دائما بعيداً عن بقعة الضوء التي يجلس فيها المؤلف وحده عادة. مدونة "منشورات" تدعوهم لحديث في الضوء


* كيف أصبحت ناشراً؟

كان ذلك بمحض الصدفة ودون قرار مسبق، وذلك على إثر شعوري بالغبن بسبب ناشر أحد كتبي. كان تقصيره في أداء مهمته واضحاً، بالنسبة لي على الأقل! وفي تلك الفترة –أتحدث عن صيف عام 2013- كان تقصير الناشرين بعامة مدار حديثي أنا وثلة من الأصدقاء الذين ساندوا مقترحي فكانت "الآن ناشرون وموزعون" مشروعاً ثقافياً في الأساس يسعى إلى أن يقدم للمؤلفين ما عجز عن تقديمه ناشرون لنا. وللتوضيح فإن الشركاء المؤسسين معي هم أدباء ونقاد ومترجمون، ويبلغ عدد إصداراتنا نحن الشركاء أكثر من 80 إصداراً أي خضنا تجارب متعددة مع ناشرين محليين وعرب قبل ان نقدم على هذه الخطوة الحميدة.

* هل تعتبر أن النشر مهنة مُهدَّدة؟

لا يمكن الموافقة على هذا الرأي تماماً، فكثير من الحرف والمهن مهددة بشكل أو بآخر ولكن لن يتوقف القراء عن القراءة، ولن يتوقف الكتّاب عن الكتابة، ولن تتوقف المطابع عن العمل، وهذا يعني أن الناشر سيظل موجودا وإن تغير أسلوب عمله، الناشر مطالب دائما بتحديث أدواته وبولوج العصر الرقمي والاستفادة من منتجاته وثورته. أنا على يقين أن الكتاب الورقي سيظل موجودا أبد الدهر، ولن يتخلى عنه القراء حتى ولو كانت نسبة الاقبال على الكتاب الإلكتروني في تزايد. هما شكلان للتلقي والمرافقة والمصاحبة، ولك منهما مريدوه ومحبوه.

* ماهي الخصوصية التي ترى أنها تميّز "الآن ناشرون وموزعون" ضمن المشهد العربي؟
يمكن القول بكثير من الثقة إن "الآن ناشرون وموزعون" مشروع ثقافي لم يضع في حسبانه بعد البعد التجاري، لهذا فإن توسّعَه عموديا وأفقياً وانتشاره في الأفق العربي هو قرار لا حياد عنه، وليس خياراً، بدافع من رسالة المشروع التي أطلقناها منذ تدشينه قبل ست سنوات. وقلنا بصريح العبارة في بيان الإشهار: المشروع تنويري لا يقتصر عمله على تلقي المخطوطات وطباعتها، بل ينتقي من الكتب ما يراه منسجماً مع رؤيته المعرفية وما يغذي العقل ويثير الساكن، وفي الوقت نفسه ينفتح على البعد الإنساني بانفتاحه على لغات عدة أذكر من بينها البوسنية والروسية والفرنسية والألبانية والكردية والباكستانية والاسبانية والانجليزية.
من أهم سمات تجربتنا في النشر حرصنا على تقديم المحتوى بشكل يليق به، وهذا يعني مستوى مهني واحترافي في التدقيق والتحرير، وكذا في التنسيق الداخلي وتصميم الغلاف (وهذا يتم بالتشاور مع المؤلف) ثم تكون الطباعة بناء على مواصفات واضحة ومحددة بالتنسيق مع المؤلف أيضاً. ولاحقاً نحتفي بالكتاب وبصاحبه بما يليق بهما، ونتعاون مع المؤلف في الإعداد لحفل توقيع أو ندوة نقدية أو أي فعالية أخرى تتعلق بالكتاب، فضلاً عن أننا نوصل الكتاب إلى نقاط توزيع في مدن عربية ونشارك في المعارض، ونتيح للكتاب للراغبين باقتناء نسخة إلكترونية عبر منصات ومواقع مشهورة على غرار أمازون. وأود أن أشير إلى أننا نقوم بعمل تشبيك حقيقي بين الكتاب والنقاد ونقترح على النقاد الكتب التي نرى أنها قد تلقى اهتمامهم، وهذه المبادرة تلقى ثناء من كتابنا وتشعرهم بالرضا وبأن خيارهم بالانضمام إلى أسرتنا الكبيرة في مكانه، بخاصة أنها تؤتي ثمارها على شكل دراسات نقدية لإصداراتهم، أو حوارات معهم، أو دعوات لمهرجانات وملتقيات عربية.

* كيف تختار المؤلفين؟ وهل توجد فئة منهم تفضّل عدم التعامل معها؟
غالباً ما تكون المبادرة من طرف المؤلف ولكننا حريصون على متابعة الأصوات اللافتة من خلال وسائل الإعلام واللقاء بهم في معارض كتب، وأيضاً من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. عندها تبدأ أحاديث بيننا قد تنتهي باستقطابهم للنشر من خلالنا، وقد حدث هذا عشرات المرات خلال العمر القصير لهذه الدار. ليس هناك من قائمة سوداء مسبقة بأسماء كتاب لا نحبذ التعامل معهم، ولكنني عموماً أفضل عدم التعامل مع أصحاب الأنا المتضخّمة والغرور المؤذي.

* هل تتابع ما يكتب عن كتب الدار في الصحافة العربية؟ وما هو تقييمك لهذه الكتابات؟
طبعاً نحن نتابع جميع ما يكتب عن إصدارات الدار، ومن حسن الحظ أن الشركاء المؤسسين لهذه الدار جاءوا من خلفية إعلامية، وتحديدا الاعلام الثقافي، وهذا ما وفر لنا شبكة واسعة من الإعلامين العرب المتحمسين للتجربة، والذين يمدون أذرعهم عوناً لها. الى جانب التناول الخبري أو المتابعات الصحفية الكثيرة التي تحظى بها إصداراتنا‘ هناك تناول نقدي يمكن تقييمه بالجيد، ولكن لنعترف أن حال النقد العربي لا يسر كثيرا، وأن النقاد لم يعودوا قادرين على مواكبة المنجز الأدبي.

* ماذا تشعر حين يقرصن كتاب أصدرته الدار؟
أشعر بالغيظ لأنه سطو على حق الناشر المادي وحق المؤلف المادي والمعنوي، هذه سرقة موصوفة ونحن نعاني منها ورغم أن هناك تشريعات سنت في بعض الدول العربية لتجريم هذا السلوك إلا أن إجراءات التقاضي معقدة وتتسم بالبيروقراطية، فضلاً عن أن العرب لم يصلوا بعد إلى مرحلة يعترفون فيها بالحق المعنوي مثلما يعترفون بالحق المادي.
ظاهرة القرصنة واستنساخ الكتب في حالة تزايد مستمرة عربياً ولم تعد تقتصر على دولة بعينها، وحجج المقرصنين واهية لكن أياديهم طويلة، ولديهم من المخارج الكثير مستعينين بالثغرات القانونية وبخبرات المحامين الذي يترافعون عنهم بالقضايا المتصلة بالملكية الفكرية. ولأكن صريحا، نحن بحاجة إلى جهود جبارة لمحاصرة هذه الظاهرة التي تهدد صناعة الكتاب العربي وتجعلها في مهب الريح. 

* ما نوع الكتب التي تقرأها بعيداً عن العمل؟
أقرأ بشكل يومي في الفلسفة، والفكر، والسرد، بخاصة اليوميات والمذكرات. أنا أصلاً كاتب صدر لي 15 كتابا في الشعر والقصة وحوارات الأدب والثقافة والبحث والدراسات.



إضاءة على الدار 
"الآن ناشرون وموزعون"، دار نشر وتوزيع، تأسست في الأردن بمبادرةٍ من عدد من الكتّاب والمثقفين والإعلاميين في أواخر عام 2013، وهي تمثل مشروعاً ثقافياً يُعنى بالثقافة المدنيّة، والتنوير، والحوار مع الآخر، والتشارك الإنساني.
تسعى الدار للارتقاء بصناعة النشر، وتعميم القراءة، وتوطين المعرفة، من خلال شبكة للتواصل مع المؤلفين والمثقفين العرب، وبناء جسور مع القراء في البلدان العربية، والقراء العرب في بلاد الاغتراب والمهجر.
تُولي الدار عنايةً فائقة بإصداراتها شكلاً ومضموناً، وتتولّى من خلال فريق من المحترفين جميع مراحل صناعة الكتاب، بدءاً من تقييم المحتوى ومراجعته وتطويره، مروراً بالتدقيق والتحرير اللغوي، وليس انتهاءً بالتنسيق والإخراج الفنّي وتصميم الغلاف، بما يحقق جودةً تروم منافسة الكتاب العالمي.
وتنطلق الدار في مشروعها الثقافي التنويري من إدراكها لأهمية فعل القراءة ورقياً وإلكترونياً، إذ تصنع شراكة مع المؤلف، تعرّف به وبمنتجه، وتوثق ارتباطه بالقراء والشريحة المثقفة والإعلاميين، كما تعرض أعماله على موقعها الإلكتروني، وعلى المواقع الثقافية الصديقة، وتضيء تجربته عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال المعارض ونقاط البيع والتوزيع، وتقنيات الاتصال الحديثة، ووسائل الإعلام بوسائطها المتعددة.
تعنى الدار بالتجارب المبشّرة والواعدة، وقضايا المرأة وأدب الطفل، والكتابة المتخصصة في الحقول المعرفية المختلفة، وتسعى لتسليط الضوء على القضايا المهمة من خلال الحوار والتركيز على الفعل النقدي، بإشراك المثقفين في ندوات ومؤتمرات لقراءة الظواهر الثقافية والاجتماعية والفنية علمياً ومعرفياً. وهي تتواصل مع وسائل الإعلام المقروءة والبصرية والسمعية، للترويج للكتاب ومؤلفه معاً، وتوظّف قاعدة بيانات واسعة لهذه الغاية.
وتنوّع الدار في إصداراتها لتشمل طيفاً واسعاً من العلوم والمعارف الإنسانية، وتفتح باباً على الترجمة من وإلى أكثر من لغة، كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والبوسنية والصربية، وتطلق مشاريع معرفية وتنويرية تُجمَع خلاصاتُها في كتبٍ ضمن سلاسل متخصصة.
تشارك الدار بفعاليات ثقافية، ومعارض عربية ودولية، إلى جانب معارض الرصيف الشعبية. وقد وقّعت اتفاقيات شراكة وتعاون لتبادل الإصدارات وتوزيع الكتب، مع مؤسسات عربية متخصصة في سلطنة عُمان، وفي جمهورية مصر العربية، وفي فلسطين، ويذكر أن عددا من الكتب الصادرة عن الدار نالت جوائز محلية ودولية في مجالات مختلفة.
"الآن ناشرون وموزعون" عضو فاعل في اتحاد الناشرين الأردنيين، وعضو في اتحاد الناشرين العرب.

(المؤلّف يقدّم نصّه) "يعقوب صنوع: رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة" لـ نجوى عانوس

منذ قرابة أربعة عقود تشتغل الباحثة المصرية نجوى عانوس على تراث المسرح العربي، وقد أصدرت حوله موسوعة سنة 1984 صدر بالهيئة المصرية العامة لل...